لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٩)
ثمرة التسارع إلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع
تأليف
العلامة الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي (١٢٨٣ - ١٣٣٢ هـ)
تحقيق وتعليق
محمد بن ناصر العجمي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير بالمدينة المنورة
دار البشائر الإسلامية
অজানা পৃষ্ঠা
الورقة الأولى من "ثمرة التسارع" بخط المصنف
1 / 36
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمَّد وآله أجمعين، وبعد:
فهذه رسالة سمَّيتها: "ثَمَرةُ التَّسارع إِلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع" ذكرت فيها شذرة ممَّا ورد في ذلك عن النبي ﷺ.
فممَّا وَرَدَ في الحُبِّ في الله تعالى: قوله ﷺ: "إِنَّ اللهَ يقولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلاَلِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إلا ظِلِّي". رواه مسلم عن أبي هريرة (١).
وعنه ﷺ: "أنَّ رَجُلًا زارَ أَخًا لَهُ في قَرْيةٍ أُخرى، فَأَرْصَدَ (٢) الله لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ (٣) مَلَكًا، قَال: أَيْنَ تُرِيد؟ قَال: أُرِيدُ أَخًا لِي في هذِهِ الْقَرْيةِ. قَال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تربُّها (٤)؟ قَال: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ في اللهِ.
_________
(١) (٤/ ١٩٨٨).
(٢) (فأرصد) أي أقعده يرقبه.
(٣) (على مدرجته) المدرجة هي الطريق، سُمِّيت بذلك لأنَّ الناس يدرجون عليها، أي يمضون ويمشون.
(٤) (تَربُّها) أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. من "شرح صحيح مسلم".
1 / 37
قَال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ". رواه مسلم عن أبي هريرة (١).
وَعَنْ أَنَس أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَال: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "، قَال: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إلا أَنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ. قَال: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
قَالَ أَنَس: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيء بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُم بِهَا. رواه البخاري ومسلم (٢).
وَعَن مُعَاذ بن جبل قَال: سمعت رَسُول الله ﷺ يقول: "قال الله تعالى: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، والمُتَجَالِسِينَ فيَّ، والمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، والمُتبَاذِلِينَ فِيَّ"". رواه مالك (٣).
وفي رواية التِّرمذي (٤): "قَال: يقُولُ الله تَعَالى: المُتَحَابُّونَ في جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِن نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ والشُهَدَاءُ".
وَعَن عمر قَال: قَال رَسُول اللهِ ﷺ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ والشُهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الله"، قَالُوا: يَا رَسُول الله، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرَوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللهِ إِنَّ
_________
(١) (٤/ ١٩٨٨).
(٢) البخاري (٧/ ٤٢، ١٠/ ٥٥٣)، ومسلم (٤/ ٢٠٣٢).
(٣) في "الموطإ" (٢/ ٩٥٣، ٩٥٤)، وأحمد (٥/ ٢٣٣)، وابن حبان (٥٧٥)، والحاكم (٤/ ١٦٨)، وصحَّحه الحافظ المنذري في "الترغيب" (٣/ ٦٠٦).
(٤) (٢٣٩٠) وقال: "حسن صحيح"، وهو كما قال.
1 / 38
وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزنونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسَ"، وقَرَأَ هذا الآيةَ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢]. رواه أبو داود (١).
وَعَن ابنِ عبَّاس قَال: قَال رَسُول الله ﷺ لأبي ذرٍّ: "يَا أَبَا ذَرّ، أَيُّ عُرَى الإِيمانِ أَوْثَق؟ "، قَالَ: الله وَرَسُوله أَعْلم. قَال: "المُوَالاَةُ في اللهِ، والحُبُّ في الله". رواه البيهقي في "شعب الإِيمان" (٢).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: "إِذَا عَادَ المُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَال الله تعالى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّة مَنْزِلًا". رواه الترمذي (٣).
_________
(١) في "سننه" (٣٥٢٧)، وفي إسناده انقطاع، إلَّا أنَّه حسن بشواهده التي منها: حديث أبي هريرة عند ابن حبان (٥٧٣)، وحديث أبي مالك الأشعري عند أحمد (٥/ ٣٤٣).
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبير" (١١/ ٢٥١)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (٩٠٦٨)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (١٣/ ٥٣) وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه الحسين بن قيس الرحبي، متروك الحديث، إلَّا أنَّ أصل الحديث حسن بشواهده التي منها: حديث البراء بن عازب، الذي أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٦)، وابن أبي شيبة في "الإِيمان" (١١٠)، وإسناده ضعيف. ومرسل عمرو بن مرَّة: أخرجه وكيع بن الجرَّاح في "الزُّهد" (٣٢٩)، فالحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(٣) في "سننه" (٢٠٠٨)، وأحمد (٢/ ٣٢٦، ٣٤٤، ٣٥٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٤٥)، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن"، وهو كما قال بشاهد له عند أبي يعلى في "مسنده" (٤١٣٩)، وأبي نُعيم في "الحلية" (٣/ ١٥٧) من حديث أنس. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/ ١٧٣): "رجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وهو ثقة".
1 / 39
وَعَنِ المِقْدَامِ بن مَعْدِي كرب عن النَّبِيّ ﷺ قَال: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنّهُ يُحِبّه". رواه أبو داود والترمذي (١).
وَعَن أَنَسٍ قَال: مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيّ ﷺ وَعِنْده نَاسٌ، فَقَال رَجُلٌ مِمَّنْ عِنْدَه: إِنِّي لأُحِبُّ هذَا للهِ؟ فَقَال النَّبِيّ ﷺ: "أَعْلَمْتَه؟ "، قَال: لَا، قَال: "قُمْ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ"، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ، فَقَال: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ، قَال: ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ النَّبِيّ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَال، فَقَال النبي ﷺ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ". رواه البيهقي في "الشعب"، وللترمذي نحوه (٢).
وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخدري أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يقُول: "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ". رواه الترمذي، وأبو داود والدَّارمي (٣).
_________
(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٣٠)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٥٤٢)، وأبو داود (٥١٢٤)، والترمذي (٤/ ٢٨٤ من تحفة الأحوذي، ط الهند، وقد سقط من طبعة إبراهيم عطوة)، وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٠٣١٩)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (٨٥٩٦)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (١٣/ ٦٦، ٦٧)، وإسناده جيِّد.
وأما رواية الترمذي فإنه أخرجها في "سننه" (٢٣٨٦)، ولفظها: "المرءُ مَع مَنْ أَحَبَّ، وله ما اكْتَسَبَ".
وإسنادها ضعيف؛ فيها أبو هشام الرفاعي محمَّد بن يزيد، شيخ الترمذي، ليس بالقوي كما في "التقريب"، والحسن البصري لم يصرح بسماعه من أنس، فتبقى لفظة: "وله ما اكتسب" ضعيفة، ومما يدل على ضعفها أنَّ الإِمام أحمد أخرج هذا الحديث في "مسنده" (٢/ ٢٢٦، ٢٨٣) بسند جيِّد من حديث أنس هذا وفيه: "ولك مَا احْتَسَبْتَ".
(٣) أخرجه أحمد (٣/ ٣٨)، وأبو داود (٤٨٣٣)، والترمذي (٢٣٩٥)، والدارمي (٢/ ١٠٣)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (٨٩٣٧)، وإسناده حسن.
1 / 40
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ ﷺ "المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ". رواه الإِمام أحمد، والترمذي، وأبو داود، والبيهقي (١).
وَعَن يَزِيد بن نعامةَ قَال: قَال رَسُولُ الله ﷺ: "إِذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلمَوَدَّةِ". رواه الترمذي (٢).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "لَوْ أَنَّ عَبْدَيْنِ تَحَابَّا في الله ﷿، وَاحِدٌ في المَشْرِقِ وَآخَرُ في الْمَغْرِب؛ لَجَمَعَ الله بَيْنَهُمَا يَوْمِ القِيَامَةِ، يقُول: هذَا الّذِي كُنْتَ تُحِبُّهُ فيّ" (٣).
وَعَن أَبِي رَزِين، أَنّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله ﷺ: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى مَلاَكِ هذَا الأَمْرِ الَّذِي تُصِيبُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة؟ عَلَيْكَ بِمَجَالِسِ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَإِذَا خَلَوْتَ فَحَرِّكْ لِسَانَكَ مَا اسْتَطَعْتَ بِذِكْرِ اللهِ، وَأَحِبَّ في الله وأَبْغِضْ في الله. يَا أَبَا رُزَين: هَلْ شَعَرْتَ أَنَّ الرَّجُلَ إِما خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ زَائِرًا أَخَاهُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، كُلُّهُم يُصَلّونَ عَلَيْهِ ويقُولُون: رَبَّنَا إِنَّهُ وَصَلَ فِيكَ
_________
(١) أخرجه أحمد (٢/ ٣٠٣)، وأبو داود (٤٨٣٢)، والترمذي (٢٣٧٨)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (٨٩٩٠، ٨٩٩١)، وفي "الآداب" (٣٠٨)، وإسناده حسن.
(٢) في "سننه" (٢٣٩٢) وقال: "غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، ولا نعرف ليزيد بن نعامة سماعًا من النبي ﷺ"، وإسناده ضعيف؛ وذلك لأنَّ يزيد بن نعامة ليست له صحبة. (تهذيب الكمال للمِزِّي ٣٢/ ٢٥٥)، وفيه سعيد بن سلمان لم يوثقه غير ابن حبان.
(٣) أخرجه البيهقي في "الشعب" (٨٦٠٦) وإسناده ضعيف؛ فيه حكيم بن نافع القرشي، ضعيف الحديث.
1 / 41
فَصِلْهُ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ تعمل جَسَدَكَ في ذلك فَافْعَل" (١).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله ﷺ، فَقَال رَسُولُ الله ﷺ: "إِنَّ في الجَنَّةِ لعمدًا مِن ياقوتَةٍ عَلَيْهَا غُرَفٌ مِن زَبَرْجَدٍ، لَهَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَة تُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ الكَوْكَب الدُّرَّيّ"، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، مَنْ يَسْكُنها؟ قَال: "المُتَحَابُّونَ في الله، والمُتَجَالِسُون في الله، والمُتَلاَقُونَ في الله" (٢).
روى البيهقي الأحاديث الثَّلاثة في "شعب الإِيمان".
ومِمَّا وَرَدَ في النَّهْي عَن التَّهَاجُرِ والتَّقَاطُعِ:
قوله ﷺ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث لَيَالٍ، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". رواه البخاري، ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري (٣).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قال رَسُول الله ﷺ: "إِيَّاكُمْ والظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسوا، وَلَا تَجَسَّسوا، وَلَا تناجَشوا، وَلَا تَحَاسَدوا، وَلَا تَبَاغَضوا، وَلَا تَدَابَروا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا".
وفي رواية: "وَلَا تَنَافَسوا". رواه البخاري، ومسلم (٤).
_________
(١) أخرجه البيهقي في "الشعب" (٨٦٠٨)، وإسناده ضعيف، فيه عثمان بن عطاء المقدسي، وهو ضعيف.
(٢) أخرجه البزار (٣٥٩٢)، والبيهقي في "الشعب" (٨٥٨٩)، وقال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٢٧٨): "وفيه محمَّد بن أبي حُميد، وهو ضعيف".
(٣) البخاري (١١/ ٢١)، ومسلم (٤/ ١٩٨٤).
(٤) البخاري (١٠/ ٤٨١)، ومسلم (٤/ ١٩٨٥، ١٩٨٦).
1 / 42
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول الله ﷺ: "يَفْتَحُ اللهُ أَبْوَابَ الجَنَّة يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا، إِلَّا رَجُلٌ كَانَتْ بَيْنَهُ وبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاء، فَيُقَال: أَنْظِروا هذَينِ حتَّى يَصْطَلِحَا". رواه مسلم (١).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "يعرض أعمال النَّاس في كُلِّ جُمعةٍ مَرَّتَيْنِ، يَوْمَ الاثنينِ ويَوْمَ الخميس، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمنٍ إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاء، فَيُقَال: اتْركُوا لهذَينِ حتَّى يَفِيئَا". رواه مسلم (٢).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول الله ﷺ قَال: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ". رواه الإِمام أحمد، وأبو داود (٣).
وَعَن أَبِي خِراش السُّلمي أنَّه سَمِعَ رَسُول الله ﷺ يقُول: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً، فَهْوَ كسَفْكِ دمِهِ". رواه أبو داود (٤).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُول الله ﷺ: "لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ
_________
(١) (٤/ ١٩٨٧).
(٢) (٤/ ١٩٨٨).
(٣) لم يروه الإِمام أحمد؛ وإنما رواه أبو داود (٤٩١٤)، وصحَّحه الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (٢/ ٢٢٣) ولم يعزه إلى مسند أحمد.
(٤) أخرجه أحمد (٤/ ٢٢١)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٤٠٤)، وأبو داود (٤٩١٥)، والطبراني في "الكبير" (٢٢ / رقم ٧٧٩)، والحاكم (٤/ ١٦٣)، والبيهقي في "الشعب" (٦٢٠٧)، وفي "الآداب" (٣٠٢)، وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (٢/ ٢٢٣): "إسناده صحيح".
1 / 43
يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاَث، فَإِنْ مَرَّت بِهِ ثَلاَثٌ فَلْيَلْقَه فَلْيُسَلِّم عليه، فَإِنْ رَدَّ ﵇ فَقَد اشْتَرَكَا في الأَجْرِ، وإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالإِثْمِ، وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ". رواه أبو داود (١).
وَعَن أَبي الدَّرْدَاء قَال: قَالَ رَسُول الله ﷺ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ والصَّدَقَةِ والصَّلاةِ؟ "، قَال: قُلْنَا: بَلَى. قَال: "إِصْلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ، وفَسَادُ ذَاتِ البَيْنِ هِي الحَالِقَةُ". رواه أبو داود، والترمذي (٢).
وَعَن الزُّبَيْر قَال: قال رَسُولُ اللهِ ﷺ: "دَبَّ إِلَيْكُم دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم: الحَسَدُ، والبَغْضَاءُ؛ هِي الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، ولكِنْ تَحْلِقُ الدِّين". رواه الإِمام أحمد، والترمذي (٣).
وَعَن أسماء بنت يزيد قالت: قال رَسُول الله ﷺ: "لا يَحِلُّ الكَذِبُ إِلَّا في ثَلاَثٍ: كَذِبُ الرَجُل مَعَ امْرَأَتِهِ لِيُرْضِيَهَا، والكَذِبُ في الحَرْبِ، والكَذِبُ ليصلحَ بَيْنَ النَّاسِ". رواه أحمد، والترمذي (٤).
_________
(١) في "سننه" (٤٩١٢)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (٦١٩٥)، وإسناده ضعيف؛ فيه هلال بن أبي هلال لا يعرف كما قال الحافظ الذهبي (الميزان ٤/ ٣١٧).
(٢) أخرجه أحمد (٦/ ٤٤٤، ٤٤٥)، وأبو داود (٤٩١٩)، والترمذي (٢٥٠٩)، وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(٣) أخرجه أحمد (١/ ١٦٧)، والترمذي (٢٥١٠)، من طريق يعيش بن الوليد، أنَّ مولى لآل الزبير حدَّثه عن الزبير به، وإسناده ضعيف لجهالة مولى آل الزبير هذا.
(٤) أخرجه أحمد (٦/ ٤٥٩، ٤٦١)، والترمذي (١٩٣٩)، وإسناده ضعيف، لضعف شهر بن حوشب، لكن يشهد له ما بعده، فهو به حسن.
1 / 44
وَعَن أُمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط قالت: سمعت رَسُول الله ﷺ يقول: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ ويقُولُ خَيْرًا ويُنمي خَيْرًا". رواه الشيخان (١).
وزَادَ مُسْلِم: "قَالَت: ولَمْ أَسْمَعه -تعني النَّبِيّ ﷺ يُرَخِّصُ في شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا في ثَلاَثٍ: الحَرْبُ، والإِصلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وحَدِيثُ الرَّجُل امْرَأَتَهُ وحَدِيثُ الْمَرْأَة زَوْجها" (٢).
قَالَ الخطَّابِي: "هذِهِ أُمُورٌ قد يَضطرُّ الإِنسان فيها إِلى زيادة القَوْلِ، ومجاوزة الصِّدق، طلبًا للسلامة، ودفعًا للضرر. فالكذب في الإِصلاح بين اثنين هو: أن يُنمي من أحدهما إِلى صاحبه خيرًا، ويبلغه جميلًا، وإِن لم يكن سمعه منه؛ يريد بذلك الإِصلاح. والكذب في الحرب: أن يظهر من نفسه قوَّة، ويتحدث بما يقوي به أصحابه ويكيد به عدوه. وأما كذب الرجل زوجته، هو: أن يعدها ويُمنِّيها ويُظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه؛ يستديم بذلك صحبتها ويُصلح به خلقها" (٣). انتهى.
والأحاديث في ذلك كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية لأُولي الهداية، والحمد لله في البداية والنِّهاية، على يد جامعه محمَّد جمال الدِّين القاسمي.
_________
(١) البخاري (٥/ ٢٩٩)، ومسلم (٤/ ٢٠١١).
(٢) مسلم (٤/ ٢٠١١، ٢٠١٢).
(٣) "معالم السنن" للخطابي (٧/ ٢٣٦ - المطبوع بهامش مختصر سنن أبي داود للمنذري).
1 / 45
في ١٩ شوَّال سنة ١٣١٣ (١).
* * *
_________
(١) انتهيت من مقابلة المنسوخ بخط مؤلفه في السابع عشر من شعبان المكرم سنة ١٤٢٠ هـ في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي بدار السُّنَّة، المدينة المنوَّرة، على ساكنها أفضل الصَّلاة والسَّلام، والحمد لله رب العالمين.
ثُمَّ قابلته مرَّة أُخرى بأصله وذلك بقراءة الأخ في الله المحبّ جوهرة المدينة المنوَّرة المكنونة / هانئ بن عبد العزيز ساب المَدَني، وذلك في المسجد الحرام تجاه الكعبة المشرفة يوم الأربعاء بين العشاءين في الحادي والعشرين من رمضان المبارك سنة ١٤٢٠ هـ.
1 / 46