তায়্যিনুল আসওয়াক ফি আখবারিল আশিক
تزيين الأسواق في أخبار العشاق
ثم شهقت شهقة فماتت فواريناهما معًا. قال عبد الله فأقمت سبع سنين ثم رجعت إلى زيارة النبي ﷺ فقلت لا أبرح أو أزور عتبة، فجئت فإذا أنا بشجرة عليها ألوان من الورق قد نبتت على القبر، فسألت عنها فقالوا شجرة العريسين.
أخبار الصمة وصاحبته ريا
هو أبو مالك الصمة بن عبد الله بن مسعود بن رقاش القشيري التغلبي من بني ربيعة، كان أديبًا شجاعًا عارفًا بأيام العرب ووقائعها ومواضعها وكثيرًا ما يسند إليه ابن دريد والأصمعي، قال ابن الفوار والوزير أنه أدرك أوائل الاسلام.
وريا هي بيت مسعود بن رقاش أيضًا، كانت ذات ظرافة وفراسة ومعرفة وحسن نشأت مع الصمة صغيرين وكانا يتذاكران الأدب وملح الأشعار فأعجب بها وتمكنت منه ولم يكن عندها منه مقدار ما عنده منها، فلما شكا ما يجد منها إلى بعض أصدقائه أرشده إلى تزوجها، فخطبها إلى عمه، فأنعم على مائة من الابل، فمضى الصمة إلى أبيه فأعطاه تسعًا وتسعين فأبى مسعود إلا التمام وعد الله إلا ذلك وحلف كل على ما قال وأقفوا الأمر فحملت الصمة الانفة على أن خرج عنهما إلى العراق.
فقالت الريا ما رأيت رجلًا أضاعه أبوه وعمه ببعير إلا الصمة لما عندهما من العلم بحبه لها، فلما طال عليه الأمر وتنازعه الشوق والشهامة المانعة له من العود بلا طلب مرض حتى أضناه السقم، وقيل أتى كاهنًا بالعراق فسأله عما أضمر فأخبره أنه لا يتزوج بها أبدًا فضعف، والصحيح كما حكاه صاحب قوت القلوب في أخبار المحب والمحبوب أنه قدم رجل يقال له غاوي بن رشيد بن طلابة المذحجي على مسعود فخطب منه ريا وأمهرها ثلثمائة ناقة برعائها، فزوجه بها فحملها إلى مذحج فبلغ الصمة ذلك فلزم الوساد وطال أمره، فدخل عليه رجل كان يألفه فعنفه وسلاه فأنشد:
أمن ذكر دار بالرقاشين أعصفت ... به بارحات الصيف بدأ ورجعا
حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وسعيًا كما معا
فما حسن أن يأتي الأمر طائعًا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
كأنك لم تسمع وداع مفارق ... ولم تر شعبي صاحبين تقطعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
الرقاشين اسم واد بين نجد واليمن كانت تنزله بنو ربيعة، والبارحات رياح معلومة صيفية تستبشر بها العرب والضمير يعود على الوادي.
وفي قوت القلوب أعصفت بها سانحات الصيف يريد بالدار، والسانحات أيضًا رياح لكنها لا تخص الصيف فيشكل التعيين هنا وقوله وسعيًا كما معطوف على قوله ونفسك باعدت يريدان السعي والنفس أبعداه عن المحبوبة وغلط في قوت القلوب حيث أعرب وسعييكما نصبًا بالياء على أنه معمول باعدت عطفًا على مزارك.
وقوله فما حسن أن يأتي الأمر وبكت عيني اليمنى البيتين قد استعارهما المجنون وباقي الشعر واضح ويقال إن في القصيدة طولًا:
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وجالت بنات الشوق تحتي نزعا
تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... رجعت من الاصغاء الوي وأجزعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثنى ... على كبدي من خشية أن تصدعا
فليست عشيات الحمى برواجع ... عليك ولكن خل عينيك تدمعا
أما وجلال الله لو تذكرينني ... كذكراك ما كففت للعين مدمعا
فقالت بلى والله ذكرى لو أنه ... تضمنه صم الصفا لتصدعا
ولما طالت عليه دعا له صاحبه العراقي بطبيب حاذف، فلما تأمله قال إنما يشكو العشق لا غيره وأرى أن يلزم النزهة والفرح بنحو البساتين ليتشاغل عما هو فيه فأخرجه صاحبه مع بعض الخدم إلى الثغور، فبينا هو يومًا على شاطىء نهر وقد وجد به الكرب إذ سمع امرأة تنادي ابنتها يا ريا فسقط مغشيًا عليه فاحتملوه إلى بستان هناك وأضجعوه، فلما أفاق أنشد:
تعز بصبر لا وجدك لا ترى ... سنام الحمى إحدى الليالي الغوابر
كان لساني من تذكري الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريس طائر
ولم يزل يرددها حتى قضى، ولما وصل خبره إلى الريا داخلها من الوجد ما أمسكت معه عن الطعام والشراب وجعلت تبكي حتى ماتت، ومن لطيف شعره قوله:
1 / 72