تيسير أصول الفقه للمبتدئين
تيسير أصول الفقه للمبتدئين
জনগুলি
أحوال النسخ في السنة
والسنة كذلك لها حالتان: الحالة الأولى: أن السنة تنسخ السنة، فالمتواتر منها ينسخ المتواتر، والآحاد ينسخ الآحاد، وهذا بالاتفاق.
فمثلًا: أحاديث تحريم نكاح المتعة نسخت الأحاديث التي أحلت نكاح المتعة.
كذلك في بعض أقوال أهل العلم: أن النبي ﷺ في أول الأمر أجاز ربا الفضل: الدينار بالدينارين، والدرهم بالثلاثة، وبعض العلماء أول حديث: (لا ربا إلا في النسيئة) بأنه منسوخ، وهذا تأويل، والجمع أولى منه، والخلاف الواقع هو في نسخ السنة بالكتاب وهذا سهل؛ لأن الكتاب أعلى، وهو خير من السنة فيكون أسهل، وهنا تصدى الشافعي لهذا، بل الجمهور مع الشافعي وقال: الكتاب لا ينسخ بالسنة، ودليله نظر بالعقل، أي: شبهة طرحها علينا فقال: لو قلنا بأن الكتاب ينسخ السنة فلن يسلم لنا حكم من السنة بحال من الأحوال، واستدل على ذلك بالبيوع، فقال: النبي ﷺ نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، ونهى عن بيع الغرر، ونهى عن بيع التمر بالتمر إلا أن يكون مثلًا بمثل، ونهى عن بيع المجهول والمعدوم، فكل هذا نهى عنه النبي ﷺ، فـ الشافعي قال: لو قلنا: بأن الكتاب ينسخ السنة فسيأتينا متنطع ويقول: كل هذه البيوع منسوخة، ما الذي نسخها يا رجل؟ يقول: الكتاب قال الله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة:٢٧٥]، و(البيع) هنا اسم جنس معرف بالألف واللام، فيفيد كل البيوع، فيكون الكتاب هنا نسخ كل البيوع المحرمة التي حرمها رسول الله بالسنة.
هذه هي الشبهة التي قالها الشافعي في الاعتراض على أن الكتاب ينسخ السنة.
أما الجمهور فقالوا: الكتاب ينسخ السنة، وقالوا: عندنا دلائل منها: استقبل رسول الله ﷺ بيت المقدس بالسنة، فهل الله أمره أن يصلي إلى بيت المقدس؟ لا، ثم نسخ بالكتاب، قال الله جل وعلا: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:١٥٠]، أي: شطر المسجد الحرام، ولذلك ذهب الذاهب -كما في الصحيحين- في صلاة العصر فوجدهم يصلون إلى بيت المقدس، فقال: أنزل على رسول الله ﷺ قرآنًا، وقد أمر أن يتحول إلى بيت المقدس، قال: فاستداروا من التوجه إلى بيت المقدس إلى الكعبة.
إذًا: فيه دلالة على أن الكتاب ينسخ السنة، وهذا هو الراجح؛ لأن الكتاب خير من السنة، والله جل وعلا يقول: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة:١٠٦].
أما اعتراضات الشافعي في المسألة الأولى: في قول الله تعالى: ﴿بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ [البقرة:١٠٦]، والسنة ليست خيرًا من الكتاب، نقول: الخيرية هنا خيرية في الأحكام لا خيرية في الشرف والمكانة.
أي: التخفيف من الثقيل إلى الأخف، لا خيرية في الثواب، أي: يعمل عملًا قليلًا وله الثواب الجزيل، وذلك كما بين النبي ﷺ: أننا نحن نعمل من العصر إلى المغرب وثوابنا أضعاف من عمل من الفجر إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، فيعمل عملًا قليلًا ويأخذ ثوابًا جزيلًا، فهذا معنى ﴿بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ [البقرة:١٠٦] أي: التخفيف في الأحكام.
وأما الاعتراض الثاني: أن الكتاب ينسخ السنة، فيأتي رجل فيقول: كل البيوع هذه محرمة، نقول: لا، ليست هذه بشبهة؛ لأن النبي ﷺ مبين عن الله، والله جل وعلا يقول: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:٤٤]، وقد بين لنا الرسول ﷺ ما معنى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة:٢٧٥] أي: أحل كل البيع إلا هذه البيوع التي حرمتها عليكم، فهذا هو الجواب على اعتراض الشافعي، فالصحيح الراجح: أن الكتاب ينسخ الكتاب، والسنة تنسخ الكتاب، والكتاب ينسخ السنة.
7 / 11