روى أن سلمان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقول فى أهل دين كنت معهم، وذكر صلاتهم وعبادتهم؟ فقال: هم فى النار، فأظلمت على الأرض، فنزلت: { إن الذين آمنوا.. } الآية، فكأنما كشف عنى جبل.
[2.63-64]
{ وإذ أخذنا ميثقكم } وثوقكم، كالميعاد بمعنى الوعد، وأفرد الميثاق لأن ما أخذ على كل واحد أخذ على غيره، فكان ميثاقا واحدا، والمراد عهدهم الإيمان، بالتوراة كلها. والعمل بما فيها، أعطيتم الميثاق على ذلك، ثم أبيتم، وقيل، أخذ الميثاق قبل نزولها على أن يعملوا بما ينزل عليهم فى الكتاب، ولما نزلت التوراة نفضوا لما فيها من الميثاق { ورفعنا فوقكم } حين نقضتم { الطور } الجبل، وكل جبل طور، وقيل إن كان فيه نبات، وهو عربى أو سريانى معرب، وقيل المراد جبل المناداة، حمل إليهم، اقتلعه جبريل من أصله وحمله فى الهواء بينهم وبينه قدر قامة أحدهم، وهو فرسخ فى فرسخ على قدر عسكرهم، قيل، والنار قدامهم، والبحر المالح خلفهم، فقيل لهم، إن لم تقبلوا رضختكم به. فسجدوا للقبول على أنصاف وجوههم، ناظرين بالعين اليمنى إليه خوفا، فكان أفضل سجود اليهود بعد ذلك ما كان على الشق الأيسر والنظر باليمنى إلى جهة المساء، قائلين { خذوا } اقبلوا { مآ ءاتينكم } وهو التوراة { بقوة } باجتهاد، وقيل، لا يقدر القول هنا، لأن الميثاق قول، ولا دليل فى الآية لمن قال، الاستطاعة قبل الفعل، إذ لا يقال، خذ هذا بقوة إلا والقوة فيه، لأن بهذا المعنى لاننكر صحة تقدمها على الفعل { واذكروا ما فيه } تعاهدوه بالمطالعة والدرس والتفهم لمعانيه والعمل به { لعلكم تتقون } عقاب الله، أو المعاصى، وتقدمت أوجه لعل فى كلام الله، وقس عليها فى جميع القرآن، وليس رفع الجبل فوقهم إجبارا على الدين، فلا يقال، كيف تقبل الطاعة، لأن الإحبار ما فيه سلب الاختيار، بل الآية كمحاربة العدو، إن أسلم رفع عنه السيف، وإن أخذوا زال الجبل، وأما الإكراه فى الدين ففى مخلوق لآخر أن يحبسه حى يؤمن، أو يمنع عنه الطعام حتى يؤمن أو نحو ذلك لا يجوز، ولو فسر لا إكراه فى الدين بالنهى عن القتال حتى يؤمر به، وأما الله فله فعل ما شاء، قيل: ولا يقال: الإيمان بالإجبار يجزى فى الأمم السابقة أو بعضها فتكون منه هذه القصة، لأن هذا مما لا تختلف الشرائع فيه، وقد قال الله تعالى
فلولا كانت قرية آمنت
[يونس: 98] الآية.
فلم يك ينفعهم إيمانهم...
[غافر: 85] الآية قلت: الآيتان غير ما فى هذه الآية، لأن هذه الآية جاءت فى القهر على الفعل، والآيتان فيمن أغلق عنه الله باب الفعل بتوجيه الموت إليه، ووجه آخر لا يقبل ما عن إجبار إذا استمرت الكراهة، أما إذا كان بعده الفعل بالاختيار فيقبل كل ما باختيار، فأخذوه بقوة ثم تركوه، كما قال:
{ ثم توليتم } أعرضتم بعدم القبول، وأصله الإعراض بالجسد { من بعد ذلك } العهد الذى أعطيتم وعملتم به مدة، أو من بعد ذلك العمل المعلوم من المقام، أو من بعد الأخذ بقوة، إذ لم يمتثلوا، بل استمروا على العصيان، لم يقل ثم توليتم، وقيل، بعد رفع الطور فوقكم، وإيتاء التوراة، فطوى عن ذكر امتثالهم { فلولا فضل الله } بتوفيقكم للتوبة { عليكم } الخطاب باعتبار الآباء { ورحمته } لكم بالتوبة أو بقبولها قيل، أو الخطاب للأبناء فالفضل والرحمة بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، لو لنفى تاليها، وإذا زيدت لا العافية ثبت ما نفى، هذا قول الكوفيين بتركيب لو من لولا والبصريون على أنها بسيطة { لكنتم من الخسرين } كمن ذهب رأس ماله أو بعضه، هذا عندى يعين الخطاب للآباء، لأن يهود عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم خاسرون إلا ما شذ بخلاف من تقدم، ففيهم الخاسر والرابح.
[2.65-66]
{ ولقد علمتم } عرفتم، والمعرفة إدراك نفس الشىء، جسما كان أو عرضا، والعلم إدراكه على صفة كذا، ولا يقل الله عارف أو عرف، أو يعرف بالبناء للفاعل، فقيل، لأن المعرفة تقتضى تقدم الجهل، وقيل لعدم التوفيق، وقد يستعمل، قيل بالجواز، ولم يتقدم جهل تعالى الله { الذين اعتدوا } جاوزوا الحد، وقدر بعضهم مضافا، أى: ولقد علمتم اعتداء الذين اعتدوا { منكم } بصيد السمك { في السبت } وقد بعضهم مضافا، أى فى حكم السبت وهو يوم، أو مصدر أو الخطاب فى منكم وعلمتم لمن فى زمانه صلى الله عليه وسلم من بنى إسرائيل، وهم عارفون بقوم مسخوا فى زمان داود، ولا يشترط العلم بالكنه فى لفظ المعرفة، وقوم داود هم سبعون ألفا، فى أرض أيلة، بفتح الهمزة وإسكان الياء، قرية على الساحل بين المدينة والطور، صنف أمسك ونهى، وصنف أمسك ولم ينه، وصنف اصطاد، وهم اثنا عشر ألفا، شرعوا حياضا ينزل الحوت فيها، ولا يقدر، على الخروج. ويصطادون ما فيها يوم الأحد، فعلوا ذلك زمانا، فقالوا، قد أحل السبت، فكانوا يصطادون فيه جهرا، ويبيعون فى الأسواق، وقد نهى الله عن الاصطياد فى اليوم الذى بعد يوم الجمعة، أمروا بالتجرد للعبادة فى يوم، فاختار موسى الجمعة، وقيل، أمروا بذلك، وخالفوه للسبت، لأنه يوم تم فيه الخلق، فألزمهم الله إياه، والسبت فى الأصل السبوت، وهو الراحة، أو من السبت وهو القطع، قطع الله فيه الخلق وتم، وأيضا أمر الله اليهود بقطع الأشغال فيه، والتفرغ للعبادة، ولا يبعد تسميته بالسبت فى زمان موسى عليه السلام لذلك، ولو كان تبديل أسماء الأسبوع بما هى عليه الآن واقعا من العرب بعد عيسى عليه السلام { فقلنا لهم كونوا قردة خسئين } أذلاء خاضعين، ونجا الناهون، والساكتون على الأصح، لأن الساكتين أنكروا بقلوبهم فقط، لوجود من أدى فرض النهى، وأما الممسوخون خنازير فأصحاب المائدة، وقيل، مسخت شبانهم قردة، وشيوخهم خنازير، إلا أنه لم يذكر هنا الخنازير، فهو يتعاوون كالقردة بأذناب كأذنابها، ويعرفون قرابتهم، ويحتكون إليهم، عاشوا ثلاثة أيام، وقيل سبعة، وقيل ثمانية وماتوا ولم يأكلوا ولم يشربوا فى الأيام الثلاثة، وقد كان قبلهم القردة والخنازير، والممسوخ لانسل له، كما روى عنه صلى الله عليه وسلم، ولأمر للتسخير، إذ لا طاقة لهم أن يتحولوا قردة، ولا يؤمر بما لا يطاق، ولكنه مجاز عن تكوينهم قردة أو تمثيل بأمر من يطاع فورا، فهو أمر إيجاد لا أمر إيجاب، كقوله تعالى
অজানা পৃষ্ঠা