" قال عدى بن حاتم، وقد أسلم، من النصرانية، ما كنا نعبدهم يا رسول الله، قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحومون فتأخذوا بقولهم؟ قال: نعم، قال: هو ذاك "
، ومعنى نعم هنا تصديق الإثبات الذي أفاده إنكار النفي، وروي أنهم كانوا يسجدون لأحبارهم، ورهبانهم، ويجوز أن تكون للكلمة ألا نعبد إلخ فلا تقدر لام التعليل بل ذلك بدل كلمة، أى انتفاء عبادة غير الله وانتفاء الإشراك وانتفاء اتخاذ بعضصنا بعضا أربابا من دون الله، والواجب الاقتصار على ألوهية الله بدون شريك غيره، أو لما تخدوا غير الله أربابا مع الله كانوا كمن اتخذ غير الله فقط، لأنه لا توحيد مع تشريك { فإن تولوا } عن التوحيد { فقولوا } أيها المؤمنون { اشهدوا بأنا } دونكم { مسلمون } موحدون مذعنون للحق الظهور الحجة، ولا تظنوا أنا تابعناكم ولا أنكم مسلمون كما تزعمون، بل أنتم كافرون بما نطقت به الكتب والرسل، فهو تعريف بأنكم مشركون فاعترفوا أنتم، ولا بد أنا مسلمون لا أنتم.
[3.65]
{ يا أهل الكتاب } نزلت لما قدم وفد نجران وهم نصارى عرب، إلى المدينة واجتمعوا باليهود، فقالت النصارى إبراهيم نصرانى وهم على دينه، واليهود إنه يهودى وهم على دينه، فكذبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم، فقال اليهود، ما تريد إلا أن نتخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا، وقال النصارى ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود فى عزير، أو نزل فى هذا قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعالوا } إلخ، وقوله يا أهل الكتاب، لم تحاجون الخ، أو نزل فى خصوصه قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعالوا } ، أو نزل فى مطلق قول اليهود إنه يهودى ونحن على دينه، والنصارى نصرانى ونحن على دينه قوله تعالى يا أهل الكتاب { لم تحآجون فى إبراهيم } دين إبراهيم يزعمكم أنكم على دينه وتنازعكم عند محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم تنازعوا فى ذلك عنده، قالت اليهود، ما كان إبراهيم إلا يهوديا، والنصارى ما كان إلا نصرانيا، فحكم بأن الفريقين ليسوا على دينه، كما قال الله عز وجل وعلا { ومآ أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } بزمان طويل، وبعد نزول التوراة حدثت اليهودية، وبعد نزول الإنجيل حدثت النصرانية، ولا سيما أنهم خالفوا التوراة والإنجيل إلا من عصمه الله عز وجل، وبين إبراهيم وموسى ألف سنة، أو سبعمائة، أو خمسمائة وخمسة وستون، وبين موسى وعيسى ألف سنة فيما قيل، وقيل ألف وتسعمائة وخمسة وعشرون، وقيل ألفان، وقيل بين إبراهيم وموسى ألفان، وإنما تتحقق اليهودية بمتابعة التوراة، والنصرانية بمتابعة الإنجيل، فبطلت اليهودية بمخالفة الإنجيل أيضا بعد نزوله، والنصرانية واليهودية بمخالفة القرآن بعد نزوله، ولم يبق إلا اليهودية والنصرانية المبطلتان { أفلا تعقلون } أتهملون التفكر فلا تعقلون، أو تقولون ذلك فلا تعقلون.
[3.66]
{ هاأنتم هؤلاء } هما للتنبيه فى الموضعين، أو الأول همزة أبدلت هاء، وأشبعت، وهذا ضعيف، وخلاف الأصل، وأنتم مبتدأ وهؤلاء منصوب على الاختصاص، وحاججتم خبر أنتم، أو هؤلاء منادى، أو موصول، أو هو خبر، وحاججتم صلة هؤلاء، على أنه يجوز استعماله موصولا بمعنى الذين، أى أنتم الذين { حاججتم } عنادا وحسدا، بعضكم بعضا والمسلمين، وعليه فمقتضى الظاهر حاجوا، لأن الظاهر من قبيل الغيبة، لكن خاطب نظرا لأنتم، أو هؤلاء مفعول لحاججتم، فيكون إشارة للمسلمين { فيما لكم به علم } من التوراة والإنجيل، أو تدعونه فيهما وأنتم على دينهما { فلم تحاجون } بعضكم بعضا المسلمين { فيما ليس لكم به علم } فإنه لا يخفى أن الجدال الباطل فيما لا علم به أغرب، لكونه غير مبنى على شئ من الجدال الباطل المبنى على حق محرف، كأنه قيل، هب أنكم تجيزون محاجة فيما تدعون من دينكم الذى وجدتموه فى كتبكم وقلتم إن شريعتنا لا تنسخ فلم تجادلون فيما لا علم لكم به من أمر إبراهيم عليه السلام ولم تعاصروه ولا جاء عنه أثر فى كتبكم مشيرا إلى دعواكم، فأنتم حمقى لذلك، كمن لا يعرف ذاته إلا بالإشارة إليها الحسية، أو الذى لهم به علم هو شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى التوراة والإنجيل، والذى ليس لهم به علم إبراهيم عليه السلام ولا يصح ما قيل، إن اليهود أرادوا يكون إبراهيم يهوديا أنه مدحهم وآمن بموسى، وأن النصارى أرادوا بكون إبراهيم نصرانيا أنه آمن بعيسى ومدحهم، لأنه لو كان ذلك لرد الله عليهم بغير ما ذكر، إلا أن يقال، الرد عليهم من حيث إن قولهم ذلك عن إبراهيم أنه مسيغ لهم، ومن أساغ لهم فكأنه منهم { والله يعلم } ما حاججتم به { وأنتم لا تعلمون } ذلك.
[3.67]
{ ما كان إبراهيم يهوديا } نسبا ولا شريعة، كيف يكون كذلك مع شركهم وفسقهم، اعتقادا وفعلا وقولا. ومع مخالفتهم لأنبيائهم { ولا نصرانيا } كذلك { ولكن كان حنيفا } ماثلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم { مسلما } كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فى شريعته كلها، أو جلها، أو منقادا لله أو موجدا، لا مشركا كما أشركت اليهود بقولها عزيرا ابن الله، وبسجودها لأحبارها ورهبانها وبتحسيمها وبدعوى الاستواء المعقول، وكما أشركت النصارى بدعوى الألوهية لعيسى ولأمه والنبوة له، وليس فى كون شريعة إبراهيم كلها أو جلها، وهو الصحيح، موافقة لشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم أنه تابع لإبراهيم، وأنه لا شريعة له، لأنا نقول، جاءه القرآن بها ولم يجىء القرآن إبراهيم، ولا سيما أنها نسيت حتى جددها القرآن { وما كان من المشركين } كما أنتم مشركون يا أهل الكتاب بقولكم عزير ابن الله، والمسيح ابن الله أو اله، وغير ذلك، وكما أن المجوس وعباد الأصنام مشركون فأنتم وهؤلاء مخالفون لإبراهيم فى الإصول، وأيضا فى الفروع، مما لم ينسخ، وكما أشركت العرب بعبادة الأصنام وددعوى أن الملائكة بنت الله، فبطل دعوى اليهود والنصارى وهؤلاء العرب أنهم على دين إبراهيم.
[3.68]
{ إن أولى الناس } أقربهم وأخصهم { بإبراهيم } بالفخر به والكون من آله وحربه { للذين اتبعوه } فى شريعته من أهل زمانه وبعده حتى تغيرت بالبدع أو بنحو التوراة { وهذا النبى } محمد صلى الله عليه وسلم { والذين ءامنوا } من أمته لكونهم على دينه، أصوله كلها وفروعه كلها أو جلها، لا اليهود ولا النصارى المتبعون للتوراة والإنجيل ولا الملحدون منهم، والمبتدعون، والعطفان تخصيص بعد تعميم { والله ولى المؤمنين } ناصرهم ومجازيهم على إيمانهم بالجنة وما دونها.
অজানা পৃষ্ঠা