[2.254]
{ يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقنكم } ما يجب إنفاقه كزكاة ومؤونة الزوج المولى الذى لا يجد، والضيف الواجب، والمضطر، وما لا يجب إنفاقه، وقيل، المراد الواجب، لأن الأمر للوجوب، وعلى القولين يدخل الإنفاق فى الجهاد بالأولى، كما يناسبه ذكر هذا بعد الجهاد ولا حاجة إلى تفسيره بالجهاد وحده، لمجرد ذكره بعد الجهاد { من قبل أن يأتى يوم } يوم الموت أو القيامة { لا بيع فيه } تدركون به نفقة الواجب أداء للفرض أو غيره ربحا للثواب { ولا خلة } صداقة ينفعكم صاحبها بإعطائه إياكم ما تنتفعون به فى أداء الواجب، أو نفل، أو بالدفع للعقاب عنكم قهرا تنتفى الخلة التى فى الدنيا يوم القيامة سميت الصداقة خلة لأنها تدخل خلال الأعضاء أى وسطها { ولا شفعة } دفع العذاب على سبيل التضرع لمالك العذاب، ولو طلبت لم توجد إلا بإذن الله. كما قال، إلا من أذن له الرحمن، فإن الملائكة والأنبياء والشهداء والعلماء يشفعون بإذن الله، لكن للسعيد برفع الدرجات وتضعيف الحسنات، أو بترك الحساب أو تخفيفه أو نحو ذلك مما لا ينافى القضاء، قال أنس، سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن يشفع لى يوم القيامة فقال إنى فاعل، قال الترمذى حسن { والكفرون } الفاسقون بشرك أو كبيرة، وهذا عموم يشمل تاركى إنفاق الواجب، وليس المراد خصوص التاركين كما قيل { هم الظلمون } لأنفسهم وغيرهم، بترك الواجب أو النفل إنكارا للبعث والجزاء أو تهاونا.
[2.255-256]
{ الله لآ إله } لا معبود بحق، أو لا موصوف بمعنى من معانى إله على الحقيقة { إلا هو } بدل بعض من الضمير المستتر فى خبر لا المحذوف، أى لا إله موجود، أو لا إله لنا، أو لا للخلق، فهو بدل من الضمير فى لنا، أو فى للخلق، أو فى موجود، وإلا مغنية عن الربط بالضمير، لظهور أن الاستثناء مما قبلها كما فى ما قام القوم إلا زيد ولا يضر التخالف بأن البدل موجب والمبدل منه فى سلب، والمتكلم فى نفى العموم نا، وللتخصيص، وأنه سيذكره بعد { الحى } الباقى الذى يتصف بالموت، لا الجسم الذى بروح وتحيز، حاشاه، فالمراد بكونه حيا نفى الموت؛ أو المعنى، الفاعل ما يفعله الحى منا، حاشاه عن الشبه، من علم وإرادة وقدرة وفعل واختيار وغير ذلك من لوازم الحياة، والمتبادر للعرب حين النزول هو الأول، ولا يبعد الثانى لكثرة التعبير بالملزوم عن اللازم ونحو ذلك فى القرآن، وفى كلامهم، والحياة المستمرة هى البقاء، ولا يضر ما قيل إن البقاء غير الحياة، لظهور المراد، والمراد، بالحياة الفاعل على المريد إرادة وفعلا تامين، فلا يرد أن لا مدح فى ذلك، من حيث إن الحيوانات أيضا فاعلة مريدة، وإلا لزم مثل ذلك، فى نحو السميع، فإن المراد العلم بالأصوات علما تاما، ولام الحياة ياء، وقيل واو، كما قيل الحيوان، وكما كتب الحياة بالواو فأصله حيو، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء فى الياء، والصحيح الأول، وواو الحيوان عن ياء تحقيقا عن اجتماع ياءين، وكتبها فى الحيوة واوا إشارة إليها فى الحيوان شاذ { القيوم } عظيم القيام بالذات، أى لا يحتاج لغيره: ولا تلحقه حاجة بخلقه وأحوالهم، الياء المدغمة والواو زائدتان، والمضمومة بدل من واو، أو هى عين الكلمة، ووزنه فيعول، والحى خبر ثان لله، أو بدل منه، أو نعته، أو خبر لمحذوف لنيابة الحى عن اسم جامد إذا لم يجعل نعتا، أو نعت أى هو الحى، أو بدل من لا إله إلا هو، وهو خطأ من قائله، أو بدل منه آخر أو خبر آخر { لا تآخذه سنة } فتور يتقدم النوم مع بقاء الشعور، وهى النعاس، وقيل، هى الرأس، وهو فى العين وفاؤه واو كعدة وزنة { ولا نوم } هو حال تعرض للحيوان غير الملك، بسبب استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبة الأبخرة المتصاعدة المانعة للحواس الظاهرة عن الإحساس، وليس ما يعرض للمريض والمغمى عليه لذلك التصاعد فلانهم، وإن سلمنا زدنا قيدا مكان إيقاظ صاحبه، وهو أخو الموت، مزيل للقوة والشعور والعقل والسنة، ريحه تبدو فى الوجه وتنبعث للقلب، وأخطأ من قال: السنة تجرى على الملائكة، عن ابن عباس قال بنو إسرائيل لموسى، هل ينام ربك؟ فأوحى الله عز وجل إليه، سألك قومك، هل أنام، فقم الليل بزجاجتين فى يديك ففعل، فلما مضى ثلث الليل نعس، فوقع لركبتيه، فقام، فنعس آخر الليل فسقطتا، وانكسرتا، فقال، لو نمت لسقطت السنوات والأرض وهلكتا كالزجاجتين، والقياس يقتضى تقديم الأقل فى الإثبات، تقول، فلان أعطى درهما ودرهمين، وتقديم الأكثر فى النفى، تقول، لا يعطى درهمين ولا درهما، وخولف هنا مراعاة للترتيب فى الوجود، فإن السنة متقدمة على النوم، أو هذا على طريق التتميم، لأنه أبلغ لما فيه من التوكيد، لأن نفيها يقتضى نفى النوم ضمنا، فإذا نفى ثانيا كان أبلغ، وهو متضمن لأسلوب الإحاطة والإحصاء الذى يتعين فيه الترتيب الوجودى { له ما فى السموت وما فى الأرض } خلقهما وخلق ما فيهما من أحزائهما وغيرهما مما تضمنتا من المنافع، وملك كل ذلك، والمراد جنس الأرض { من ذا الذى يشفع عنده } استفهام نفى، ولذلك صحت إلا فى قوله { إلا بإذنه } فكيف يعانده غيره، بدفع ما يريد، وذلك رد على عبدة الأوثان القائلين، أنها تشفع لهم، بل تشفع الأنبياء والملائكة وغيرهم بإذن الله عز وجل وعلا { يعلم ما بين أيديهم } أى أيدى ما فى السماوات والأرض، والمراد ما حضر لهم فى السموات والأرض وهو موجودات تلك المواضع، وضمير العقلاء تغليب، وقيل، المراد الملائكة والأنبياء وقيل الأنبياء { وما خلفهم } ما سيكون من أمور الدنيا ومن الآخرة وأمورها، سماها خلفا لأنه ما جاء، بل سيكون من أمور الدنيا ومن الآخرة وأمورها، فهو كمشىء خلف ظهرك، أو ما بين أيديهم ما سيكون وما خلفهم ما حضر، لأن الشىء مستقبل ظهرك، أو ما بين أيديهم ما سيكون وما خلفهم ما حضر، لأن الشىء مستقبل لما يجىء، مستدبر لما جاء، أو ما يخشون وما يفعلون، أو ما يدركونه بالحساسة أو العقل وما لا يدركونه { ولا يحيطون بشىء من علمه } من معلومات ولا يصح إبقاء علم على ظاهره، لأن صفاته ذاتية فلا تقبل التجزئة { إلا بما شآء } أو يعلموه بوحى أو غيره من أمر الدين أو الدنيا أو الآخرة، وأبعاض جسم الدنيا وجسم الآخرة { وسع كرسيه } أصله من تركب الشىء بعضه على بعض، كما سميت الكراسة لتركب بعض أوراق على بعض، ويقال تكرس البعر والبول إذا تلبد بعض على بعض { السموت والأرض } تمثيل لعظمته المحققة الفعلية بالحسى المترهم، وذلك أبلغ، لأن التمثيل بريك المتخيل محققا والمعقول محسوسا، ولا كرسى ولا قعود، تعالى الله، أو كرسيه علمه، وهو ضعيف، وهو قول الحسن أو ملكه، لأن الكرسى محل العالم والسلطان، أو هو المذكور فى قوله صلى الله عليه وسلم:
" ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسى إلا كحلقة فى فلاة، وفضل العرش على الكرسى، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة "
، أى لو بسطت السماوات والأرضون ووصل بعضها ببعض. وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا:
" ما للسماوات السبع فى الكرسى إلا كدارهم سبعة ألقيت فى ترس "
، وزعمت الفلاسفة الكفرة، أن الكرسى فلق البروج، وأبعد منه ما روى عن الحسن البصرى، أو المعنى، أحاط بهما علمه، وهو قول ابن عباس، ورجحه الطبرى، أو كرسيه قدرته كما يقال، اجعل لهذا الحائط كرسيا، أى عمدة { ولا يوده } لا يعوجه، حاشاه، للثقل، فإن ما ثقل يعود الحامل له إذا حمله، فالمراد نفى الثقل { حفظهما } أى لا يعجزه حفظ القسمين، أحدهما السماوات، والآخر الارض، وكذا لا يثقله حفظ الكرسى والعرش، ولكن خص السماوات والارض لمشاهدتهما، ولو بنجوم السماوات الدرارى، ولأن وجود الكرسى والعرش بمعنى الجسمين العظيمين من خبر الآحاد { وهو العلى } بالقهر { العظيم } شأنا، ويقال: إنه حمل الكرسى أربعة أملاك، لكل ملك أربعة أوجه، وأقدامهم على الصخرة تحت الأرض السابعة، يسألون الرزق من السنة إلى السنة، ملك كآدم صورة يسأل لبنى آدم، وملك كالثور يسأل للأنعام، وملك كالنسر يسأل للطير، وملك كالأسد يسأل للوحوش، وأن بين حملته وحملة العرش سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور، غلظ كل خمسمائة عامن لئلا تحترق حملته من نور حملة العرش، وأنه صلى الله عليه وسلم قال:
" أعظم الآى آية الكرسى، ومن قرأها كتب له ملك الحسنات ومحا السيئات إلى وقته من الغد، وأنه من قرأها دبر كل صلاة فريضة دخل الجنة، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عباد، ومن قرأها عند النوم آمنه الله "
، والأبيات حوله، ومن قرأها وآيتين من أول حم تنزيل من سورة غافر صبحا أو مساء حفظ إلى الآخر وتهجر الشياطين ثلاثين، والسحرة أربعين يوما دارا قرئت فيها، وسيد الفرس سلمان، والروم صهيب، والحبشة بلال، والجبال الطور، والأيام الجمعة، والكلام القرآن، والقرآن البقرة، والبقرة آية الكرسى، ومن حق العاقل أن يختار الدين الحق بلا إكراه، كما قال جلا وعلا: { لآ إكراه فى الدين } لا تكرهوا فى الدين، وهو خبر بمعنى النهى، أو ليس من دين الله أن تكرهوا على الدخول فيه كالحبس أو الضرب أو الإيجاع أو الإعراء حتى يسلم، أو لا يكره الله أحدا على الدين، بل جعل الأمر اختياريا، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وزعم بعض أن هذا إلى علم، وبعض، إلى خالدون، ومن آية الكرسى { قد تبين الرشد } امتاز { من الغى } الضلال فليختر العاقل ما يدخله الجنة منهما بلا حاة إلى إكراه. تنصر ابنا أبى الحصين من بنى سالم بن عوف قبل البعثة فى جاهليتهما، وقدما فى نفر من الأنصار يحملون الزيت فقال أبوهما: لا أدعكما حتى تسلما، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضى النار وأنا أنظر، فنزلت الآية، فخلاهما، وهذا قبل نزول القتال ، وإن كان بعده فقد عاهدوا أو أذعنا للجزية وليس القتال، أو أخذ الجزية على الكفر إكراما فى الدين، فلا نسخ فى الآية كما زعم من زعم، ولا هى فى الكفار قبل نزول الجزية { فمن يكفر بالطغوت ويؤمن بالله } ورسوله، قدم ذكره على ذكر الإيمان لذكر لفظ الغى قبله، ولتقدم التخلية على التحلية، استحقااق، ولأنه لا يتصور الإيمان بالله إلا بعد الكفر بالطاغوت، وهذا اللفظ للمبالغة من الطغيان، وجمع بينهما، لأن الكفر بالطاغوت لا يوجب الإيمان بالله، لإمكان خلو الذهن وعكسه، وإن أوجبه، لكن جمعا للمبالغة، وهو فلعوت من طغى يطغى، أو طغا يطغو، أصله طغيوت أو طغووت، قدم اللام على العين، وأصله مصدر عند الفارسى، بمعنى الطغيان، سمى به الشيطان أو الأصنام، أو كل من عبد من دون الله، أو صد عن عبادة الله، أو الساحر، أو الكاهن، أو كل ذلك، وهذا أولى، وقيل التاء أصله، والوزن فاعول، وعلى كل هو مفرد يطلق على الواحد والجماعة { فقد استمسك } بالغ فى الإمساك، بالسين والتاء، أو هما للطلب، لأن ما يحصل بالطلب يكون أكمل { بالعروة الوثقى } شبه دين الله والعمل به والوقوف معه بالعقدة القوية والتمسك بها ولزومها مطلقا، أو تدليلا أو تصعدا، أو سمى الدين عروة وثقى كتسمية الشجاع أسدا، وفسر بعض العروة الوثقى بالدين، وبعض بالإيمان، وبعض بالقرآن، وبعض بكلمة الإخلاص، وبعض بالاعتقاد الحق، أو السبب الموصل، وبعض بالعهد، والكلام استعارة تمثيلية، أو العروة استعارة أصلية تصريحية مرشجة باستعارة تبعية هى استمسك { لا انفصام لها } لا انكسارها لها بلا قطع، فضلا عن القطع وما بالقطع يكون بالقاف، وذلك ترشيح لما قبله { والله سميع } عليم بالأقوال { عليم } بما يعتقد ويعمل، وذلك تهديد على الشرك والنفاق.
অজানা পৃষ্ঠা