وَهَذَا من متعلقات مَبْحَث التَّرْجِيح الَّذِي هُوَ من أصعب المباحث مسلكا وأبعدها مدْركا
وَاعْلَم أَن الَّذِي أوجب خَفَاء تفَاوت الْعَدَالَة عِنْد بعض الْعلمَاء أَنهم رَأَوْا أَن أَئِمَّة الحَدِيث قَلما يرجحون بهَا وَإِنَّمَا يرجحون بِأُمُور تتَعَلَّق بالضبط وَسبب ذَلِك أَنهم رَأَوْا أَن التَّرْجِيح بِزِيَادَة الْعَدَالَة يُوهم النَّاس أَن الرَّاوِي الآخر غير عدل فيسوء بِهِ ظنهم ويشكون فِي سَائِر مَا يرويهِ وَقد فرض أَنه عدل ضَابِط
فَإِن قلت فَمَا يَفْعَلُونَ إِذا كَانَ كِلَاهُمَا فِي دَرَجَة وَاحِدَة فِي الضَّبْط قلت يُمكن التَّرْجِيح فِيهَا بِأُمُور عارضة ككون الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ قد تَلقاهُ عَمَّن كثرت ملازمته لَهُ وممارسته لحديثه وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف الرَّاوِي الآخر
وَقد زعم بَعضهم عدم تفَاوت الضَّبْط أَيْضا ورد عَلَيْهِ بَعضهم بقوله لَا شكّ فِي تحقق تفَاوت مَرَاتِب الْعَدَالَة والضبط فِي الْعُدُول والضابطين من السّلف وَالْخلف وَقد وضح ذَلِك حَتَّى صَار كالبديهي
وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَهَا نَظَائِر لَا تحصى قد غلط فِيهَا كثير مِمَّن لَهُ موقع عَظِيم فِي النُّفُوس فَإِنَّهُم يذهلون عَن بعض الْأَقْسَام فتراهم يَقُولُونَ الرَّاوِي إِمَّا عدل أَو غير عدل وكل مِنْهُمَا إِمَّا ضَابِط أَو غير ضَابِط غير ملاحظين أَن الْعَدَالَة والضبط مقولان بالتشكيك فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك فَإِنَّهُ ينْحل بِهِ كثير من المشكلات
اسْتِدْرَاك
وَبعد أَن وصلت إِلَى هَذَا الْموضع وقفت على عبارَة لِلْحَافِظِ أبي مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم الظَّاهِرِيّ خَالف فِيهَا الْجُمْهُور فِي تَرْجِيح الأعدل على الْعدْل فَأَحْبَبْت إيرادها ملخصة
1 / 102