فَيحْتَاج الشَّارِح أَن يذكر الْمُقدمَات المهملات وَيبين مَا يُمكن بَيَانه فِي ذَلِك الْعلم وينبه على الغنية عَن الْبَيَان ويرشد إِلَى أَمَاكِن مَا لَا يتَبَيَّن بذلك الوضوع من الْمُقدمَات ويرتب القياسات وَيُعْطِي علل مَا لَا يُعْطي المُصَنّف علله
وَثَالِثهَا احْتِمَال اللَّفْظ لمعان تاويلية كَمَا هُوَ الْغَالِب على كثير من اللُّغَات أَو لطافة الْمَعْنى عَن أَن يعبر عَنهُ بِلَفْظ يُوضحهُ أَو للألفاظ المجازية وَاسْتِعْمَال الدّلَالَة الالتزامية فَيحْتَاج الشَّارِح إِلَى بَيَان غَرَض المُصَنّف وترجيحه وَقد يَقع فِي بعض التصانيف مَا لَا يَخْلُو الْبشر عَنهُ من السَّهْو والغلط والحذف لبَعض الْمُهِمَّات وتكرار الشَّيْء بِعَيْنِه لغير ضَرُورَة إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَقع فِي الْكتب المصنفة فَيحْتَاج الشَّارِح أَن يُنَبه على ذَلِك
وَإِذا تقررت هَذِه الْقَاعِدَة نقُول إِن الْقُرْآن الْعَظِيم إِنَّمَا أنزل بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ فِي زمن أفْصح الْعَرَب وَكَانُوا يعلمُونَ ظواهره وَأَحْكَامه أما دقائق بَاطِنه فَإِنَّمَا كَانَت تظهر لَهُم بعد الْبَحْث وَالنَّظَر وجودة التَّأَمُّل والتدبر مَعَ سُؤَالهمْ النَّبِي ﷺ فِي الْأَكْثَر ودعا لحبر الْأمة فَقَالَ اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل
وَلم ينْقل إِلَيْنَا عَن الصَّدْر الأول تَفْسِير الْقُرْآن وتأويله بجملته فَنحْن نحتاج إِلَى مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ زِيَادَة على مَا لم يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من أَحْكَام الظَّوَاهِر لقصورنا عَن مدارك أَحْكَام اللُّغَة بِغَيْر تعلم فَنحْن أَشد احتياجا إِلَى التَّفْسِير
وَمَعْلُوم أَن تَفْسِيره يكون من قبيل بسط الْأَلْفَاظ الوجيزة وكشف مَعَانِيهَا وَبَعضه من قبيل تَرْجِيح بعض الِاحْتِمَالَات على بعض لبلاغته وَحسن مَعَانِيه وَهَذَا لَا يَسْتَغْنِي عَن قانون عَام يعول فِي تَفْسِيره عَلَيْهِ وَيرجع فِي تَأْوِيله إِلَيْهِ ومسبار
1 / 86