وَقَالَ إِمَام الْمُتَكَلِّمين على طَريقَة السّلف تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فِي الرسَالَة الملقبة بالتسعينية وَهِي رِسَالَة تبلغ مجلدا كَبِيرا ألفها فِي الرَّد على الْمُتَكَلِّمين على طَريقَة الْخلف فِي مَسْأَلَة الْكَلَام فِي الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتِّينَ وَيجب أَن يعلم أصلان عظيمان
أَحدهمَا أَن الْقُرْآن لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَالنّظم الْعَرَبِيّ اخْتِصَاص لَا يُمكن أَن يماثله فِي ذَلِك شَيْء أصلا أَعنِي خَاصَّة فِي اللَّفْظ وخاصة فِيمَا دلّ عَلَيْهِ من الْمَعْنى وَلِهَذَا لَو فسر الْقُرْآن أَو ترْجم فالتفسير والترجمة قد يَأْتِي بِأَصْل الْمَعْنى أَو بِمَا يقرب مِنْهُ وَأما الْإِتْيَان بِلَفْظ يبين الْمَعْنى كبيان لفظ الْقُرْآن فَهَذَا غير مُمكن أصلا وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّة الدّين على أَنه لَا يجوز أَن يقْرَأ بِغَيْر الْعَرَبيَّة لَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَلَا مَعَ الْعَجز عَنْهَا لِأَن ذَلِك يُخرجهُ عَن أَن يكون هُوَ الْقُرْآن الْمنزل وَلَكِن يجوز تَرْجَمته كَمَا يجوز تَفْسِيره وَإِن لم تجز قِرَاءَته بِأَلْفَاظ التَّفْسِير وَهِي إِلَيْهِ أقرب من أَلْفَاظ التَّرْجَمَة بِأَلْفَاظ أُخْرَى
الأَصْل الثَّانِي أَنه إِذا ترْجم أَو قرئَ بالترجمة فَلهُ معنى يخْتَص بِهِ لَا يماثله فِيهِ كَلَام أصلا وَمَعْنَاهُ أَشد مباينة لسَائِر مَعَاني الْكَلَام من مباينة لَفظه ونظمه لسَائِر اللَّفْظ وَالنّظم والإعجاز فِي مَعْنَاهُ أعظم بِكَثِير كثير من الإعجاز فِي لَفظه وَقَوله تَعَالَى ﴿قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا﴾ يتَنَاوَل ذَلِك كُله انْتهى
هَذَا وَلم يزل أَمر الحَدِيث فِي عصر الصَّحَابَة وَأول عصر التَّابِعين على مَا ذكرنَا وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى من قَامَ بِحَقِّهَا عمر بن عبد الْعَزِيز أَمر بِكِتَابَة
1 / 47