والوجه السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير. نحو قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: ١٩]، وفي موضع آخر: «وجاءت سكرة الحقّ بالموت» .
والوجه السابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان، نحو قوله تعالى: «وما عملت أيديهم»، وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس: ٣٥]، ونحو قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان: ٢٦] وإن الغني الحميد.
وقرأ بعض السلف: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [ص: ٢٣] أنثى، وإِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [طه: ١٥] من نفسي فكيف أظهركم عليها.
فأما زيادة دعاء القنوت في مصحف أبيّ، ونقصان أمّ الكتاب والمعوّذتين من مصحف عبد الله، فليس من هذه الوجوه، وسنخبر بالسبب فيه، إن شاء الله.
وكل هذه الحروف كلام الله تعالى نزل به الروح الأمين على رسوله ﵇ وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسّر على عباده ما يشاء. فكان من تيسيره:
أن أمره بأن يقرىء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم:
فالهذليّ يقرأ «عتّى حين» يريد حَتَّى حِينٍ [المؤمنون: ٥٤]، لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها.
والأسديّ يقرأ: تعلمون وتعلم وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: ١٠٦] وأَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [يس: ٦٠] .
والتّميميّ يهمز. والقرشيّ لا يهمز.
والآخر يقرأ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ [البقرة: ١١] وَغِيضَ الْماءُ [هود: ٤٤] بإشمام الضم مع الكسر، وهذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف: ٦٥] بإشمام الكسر مع الضم وما لَكَ لا تَأْمَنَّا [يوسف: ١١] بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا ما لا يطوع به كل لسان.
ولو أن كل فريق من هؤلاء، أمر أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا- لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للّسان، وقطع للعادة. فأراد الله، برحمته ولطفه، أن يجعل لهم متّسعا في اللغات، ومتصرّفا في الحركات، كتيسيره عليهم في الدّين حين أجاز لهم على لسان رسوله، ﵌، أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته في فرائضهم وأحكامهم، وصلاتهم وصيامهم، وزكاتهم وحجّهم، وطلاقهم وعتقهم، وسائر أمور دينهم.
1 / 32