وقدّمت وأخرت، وضربت لبعض ذلك الأمثال والأشكال، حتى يستوي في فهمه السامعون.
وأسأل الله التجاوز عن الزّلة بحسن النية، فيما دللت عليه، وأجريت إليه، والتوفيق للصواب، وحسن الثواب.
الحكاية عن الطاعنين
وكان مما بلغنا عنهم: أن يحتجّون بقوله ﷿: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء: ٨٢] وبقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت: ٤٢] .
وقالوا: وجدنا الصحابة، ﵃، ومن بعدهم، يختلفون في الحرف:
فابن عباس يقرأ: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف: ٤٥] وغيره يقرأ: بَعْدَ أُمَّةٍ. و«عائشة» تقرأ: «إذ تلقونه» [النور: ١٥] وغيرها يقرأ: تَلَقَّوْنَهُ. وأبو بكر الصديق يقرأ وجاءت سكرة الحقّ بالموت والناس يقرؤون: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: ١٩] .
وقرأ بعض القراء:
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وقرأ الناس: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يوسف: ٣١] . وكان ابن مسعود يقرأ: إن كانت إلا زقية واحدة [يس: ٢٩] ويقرأ كالصوف المنفوش [القارعة: ٥] .
مع أشباه لهذه كثيرة، يخالف فيها مصحفه المصاحف القديمة والحديثة. وكان يحذف من مصحفه أمّ الكتاب ويمحو المعوّذتين ويقول: لم تزيدون في كتاب الله ما ليس فيه؟.
و(أبيّ) يقرأ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [طه: ١٥] من نفسي فكيف أظهركم عليها.
ويزيد في مصحفه افتتاح (دعاء القنوت) إلى قول الداعي: (إن عذابك بالكافرين ملحق) ويعدّه سورتين من القرآن.
و(القرّاء) يختلفون: فهذا يرفع ما ينصبه ذاك، وذاك يخفض ما يرفعه هذا.
وأنتم تزعمون أن هذا كله كلام رب العالمين، فأيّ شيء بعد هذا الاختلاف تريدون؟ وأي باطل بعد الخطإ واللحن تبتغون؟.
وقد رويتم من الطريق الذي ترتضون: روى أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن (عائشة) أنها قالت:
1 / 24