بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مكمل الدين وناصره، ومظهر الحق بسيف الوحي، فبه الشرك والباطل قامعه، الذي أتم علينا وافر نعمته. وتفضل فرضى لنا الإسلام دينا بكمال منته. وأمرنا أن نستهديه صراطه المستقيم لعظم شأنه وشرفه. وأوضح لنا قواعد دينه الإسلام وملته، ونصب رايات الهدى فهي تنادي لدار الخلد من جنته، المتحبب إلى خلقه بفتح أبواب رحمته. والمحسن إلى أهل ملته الحنيفية بترادف أنواع الخير من نعمته. وميسر لمن اختاره بنصرة دينه أسباب علو الهمة ه ومانحهم بإقامتهم عليه كشف كل شدة وغمه، والملهم لتوحيده حمدا موافيا لنعمه ومكافئا لمزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع قائلها يوم وعده ووعيده. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، اللهم فصل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما استدار الزمن في تكوره وتكويره.
أما بعد.
فإن الله عز رجل خلق السموات والأرض وما فيهما من الآيات ليعرف وتعلم حكمته، وقدرته، فيعبد وحده لا يشرك به، ويكون الدين كله بأنواعه له مختص بجلاله. وذلك معلوم ضرورة قال الله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} وقال عز من قائل: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} وقال تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم} . وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته ويعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض. كما
পৃষ্ঠা ৫
قال جل ذكره: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} . ومن أعظم القسط التوحيد، بل هو رأس العدل وقوامه. وأن الشرك لظلم عظيم، فالشرك أظلم الظلم والتوحيد أعدل العدل ، وأوجب الواجبات وأفرض الطاعات، ولما كان الشرك بالله منافيا بالذات لتوحيده تعالى وإخلاص العبادة له كان اكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته، وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملا أو يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقيل له فيها عثرة، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه ندا وذلك غاية الجهل به، كما أنه غاية الظلم منه، وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه، رقد أرسل سبحانه وتعالى رسله إلى خلقه، وأنزل كتبه ليعلموا ذلك ويتيقنوه إقامة للحجة علهم، كما قال عز من قائل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا} إلى أن قال: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} فدين الرسل واحد. لم يختلفوا في شيء من أصله. وإنما تحصل الفترة بين الرسولين فيندرس الدين أو بعضه فيجهل ويترك.
وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق على فترة من الرسل وأهل الأرض مقتهم الله عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا أو أكثرهم قبل مبعثه صلوات الله وسلامه عليه، والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب إما مبدل، أو مبدل ومنسوخ، والدين كله أو بعضه مجهول متروك، وأمى من عربي وعجمي مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن أو قبر وتمثال أو غير ذلك، والناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما وهي جهل، وأعمال سيئة يحسبونها صلاحا وهي فساد، وغاية البارع منهم علما وعملا أن يحصل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين قد اشتبه عليه حقه بباطله، أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع وأكثره مبتدع. فهدى الله الناس بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من البينات والهدى
পৃষ্ঠা ৬
هداية جلت عن وصف الواصفين وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموما وأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق العظيمة والسنن المستقيمة ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما وعملا الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم لتفاوتا تفاوتا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما. والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية تدل على ذلك ولله الحمد والمنة. (وقد روى مسلم في صحيحه عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وان ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضا" ورواه أيضا البرقاني في صحيحه وزاد " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي المشركين، وحتى تعبد طوائف من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
فملك الأمة لأقطار الأرض، ثم افتراقهم الحاصل لهم، والاختلاف بينهم محقق مضبوط محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه. وكان صلى الله عليه وسلم يحذر أمته منه لينجو من شاء الله منهم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن شماله وقال هذه السبل المتفرقة وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} رواه الإمام أحمد وغيره. ومع أن الله تعالى حذرنا هذه السبل فقضاؤه سبحانه نافذ بما أخر به رسوله صلى الله عليه وسلم بما سبق به علم الله تعالى، حيث قال الصادق المصدوق فيما خرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
পৃষ্ঠা ৭
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن". وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع" فقيل يا رسول الله فارس والروم قال: "ومن الناس إلا أولئك" فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاة لمن سلف من الأم اليهود والنصارى وهم أهل الكتاب وفارس والروم وهم الأعاجم. وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهي عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء. وليس إخبارا عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه عليه الصلاة والسلام أنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، وأخبر أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة، وأن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته، وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وإني شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو قال مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها" رفي رواية: "ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم" قال عقبة فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. فعلم بخبره الصادق أنه في أمته قوم مستمسكون بهديه الذي هو دين الإسلام محضا، وقوم منحرفون إلى شعبة من شعب اليهود أو النصارى والمشركين. وفي حديث الثوري وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية كان في أمتي من يصنع ذلك وان بني إسرائيل افترقت على اثنين وسبعين ملة وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله قال: "ما أنا عليه وأصحابي" رواه أبو عيسى الترمذي وقال هذا حديث غريب مفسر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهذا الافتراق مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن عوف الأشجعي وغيرهم فعن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
পৃষ্ঠা ৮
قال: " تفرقت اليهود على أحد وسبعين فرقة أو اثنين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ". رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني أهل الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " وقال: "أنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به" هذا حديث محفوظ من حديث صفوان بن عمر. وعن الأزهر بن عبد الله الرازي عن أبي عامر عبد الله بن لحي عن معاوية، رواه عنه غير واحد، منهم أبو اليمان وبقية وأبو المغيرة، ورواه الإمام أحمد وأبو داود في سننه، وقد روى ابن ماجة هذا المعنى من حديث صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن ابن عوف بن مالك الأشجعي، ويروى من وجوه أخر فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة، والثنتان والسبعون لا ريب أنهم الذين خاضوا كخوض الذين من قبلهم. ثم هذا الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إما في الدين فقط، وإما في الدين والدنيا معا، ثم قد يؤول إلى سفك الدماء لأجل الدنيا فقط. أولها وللدين معا، أو للدين فقط. وهذا الاختلاف هو ما نهى عنه الله في قوله سبحانه: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} الآيات وقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} وقول: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} وقوله: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب * فلذلك فادع واستقم كما أمرت} الآية ومنشأ هذا الاختلاف وأصله إما من جهة عدم العمل
পৃষ্ঠা ৯
بالعلم، كالذي يعرف الحق من الباطل ويميز بينهما ولا يتبع الحق علما ولا قولا ولا عملا، وإما من جهة العمل بلا علم فيجتهد في أصناف البدع بلا شريعة من الله ويقول على الله بلا علم.
فالأول: من مشابهة اليهود الذين قال الله فيهم: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} .
والثاني: من مشابهة النصارى الغالين في الدين والقائلين فيه غير الحق والضالين عن سواء السبيل. وقد ابتلى الله طوائف من هذه الأمة من المنتسبين إلى العلم بما ابتلى به اليهود من الرياسة وحب الدنيا وإيثارها وكتم الحق، فإن هؤلاء المنتسبين إلى العلم تارة يكتمون العلم بخلا به وكراهة أن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضا برياسة أو مال فيخاف من إظهاره انتقاص رياسته أو ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسئلة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسئلة فيكتم من العلم ما فيه حجة لخالفه وان لم يتيقن أن مخالفه مبطل، ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الهوى لا يكتبون إلا ما لهم. وكان السلف منهم سفيان بن عيينة وغيره يقولون أن من فسد من علمائنا ففيه شبهة من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وليس الغرض من هذا تفصيل ما يجب وما يستحب، وإنما الغرض التنبيه على منهاج الحق المتبع وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه العرباض بن سارية السلمي رضى الله عنه: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح ورواه ابن ماجة وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك" وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني خلفت فيكم ما لم تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض" والنظر بعين الإنصاف إلى ما تشعب فيه الناس، وأصبح غالبهم نابذا كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهره زاعما أن كتاب الله ما بقي من حكمه الآن إلا
পৃষ্ঠা ১০
مجرد التلاوة باللسان، وأما فهم معانيه وتدبره والعمل بما فيه فلا وصول لأحد إليه، وكذلك الأحاديث. فالقرآن مصرح بنقيض قولهم ورد حججهم قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} وقد قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} وقال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وقال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} فهذا كله مشعر بأن القرآن محفوظ ومصون عن التبديل والتغيير والنسخ جملة وعدم فهم معانيه وتدبره فإنه للذين آمنوا نور وهدى، ولم ينزله الله إلا للعمل به، وذلك متوقف على معرفة معانيه. وكذلك الأحاديث فإنها تفسر لقرآن، كما أن بعضه يفسر بعضا. وقد فسره الصحابة رضي الله عنهم وتفقهوا في الدين منه. كما تفقهوا من السنة. وكذلك كتب الأئمة الأعلام الذين يؤخذ بأقوالهم من أهل الملة الغراء والمحجة البيضاء المفسرين له والمؤولين لمعانيه، والجامعين للأحاديث النبوية، المفارقين كل فرقة غوية، ليس في أيديهم منها إلا مجرد تلاوتها من غير تذكر لها ولما فيها ولا عمل بمعانيها، بل استغنوا عن ذلك كله بزخرفات المبطلين وإتباع حجج المعطلين، وإتباع الهوى وذلك كله من عموم البلوى حتى كتب الفقه التي في أيديهم، ويزعمون العمل بها وبما فيها إنما يأخذون منها ومن معاني ما تضمنته ما كان موافقا لتحذيق الكلام والتشدق به من تعلم الدعاوي والخصومات وتعليمها، وأما العبادات والحدود فإنما تتلى باللسان تلاوة وقل ما توجد عند فقيه مستجمع لها، بل إن وجدت فهي عند الخواص من ذوي الثروة يساطرها مخزونة عنده من غير انتفاخ بها ولا عمل بمعانيها، بل تفاخرا وتكبرا وحب رياسة، وهو ربما لا يعلم اسمها ولا اسم مؤلفها، وينضاف إلى ذلك عداوة الحق ودحضه، وإيثار الباطل وحبه، اجتلاب لقلوب العوام، وجمع الحطام، ففي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان قوم يجتلبون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل أبي تغترون وعلي تجترئون فبي حلفت لأبعثن
পৃষ্ঠা ১১
على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيرانا" وذكر ابن أبي الدنيا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال علي كرم الله وجهه: " يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود" وذكر الأوزاعي عن حسان بن عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيظهر شرار أمتي على خيارها حتى يستخفي المؤمن كما يستخفي المنافق فينا اليوم" ومنشأ ذلك وسببه إنما هو الإعراض عن منهاج الرسول وما كان عليه هو وأصحابه صلاة الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، والإقبال والانقياد إلى طاعة هذا العدو اللعين، الذي توعد وجد واجتهد في قوله لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. وقد قال تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} فلذلك حصل الران والغمرة، ووجدت الغفلة فانعكس الأمر وهجر ما الله به أمر، وارتكب ما عنه نهي وزجر. فصار المعروف منكرا والمنكر معروفا واتبعت الأهواء وعمت البلوى، فالآمر بالمعروف ينكر عليه، والمتبع لهواه المنقاد إلى الباطل والمتنسك به يجل ويوقف بين يديه. وقد آل ذلك إلى عمى القلوب، والجهل بما هو من العبيد مطلوب حتى إذا أوجد الله رجلا أحيا به قلوبا قد انعكفت وانهمكت في أنواع باطل مضاد للحق متناول للشرك الأكبر فما دونه، فبصرهم به وأنقذهم منه ونهاهم عنه ثم قادهم إلى سبيل الخير والنجاة الذي هو منهاج نبيهم وأصحابه وما أنزل القرآن لأجله قام عليه أهل الأهواء فجرحوه وبدعوه، ومنهم من جعل اليهود والنصارى أخف شرا منه ومن إتباعه بلا تدبر ولا تذكر ولا تفكر في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ولا في كلام الأئمة الأعلام ممن سلف من الأنام، وما حصل لهم وعليهم من الأذى في ذات الله تعالى حسدا وبغيا، إما لأجل حق عملوا به وقالوه ونهوا عن ضده واجتنبوه أو لتصنيف صنفوه أو على غير ما شيء من ذلك أسلفوه، وإنما هو بسبب عدم موافقتهم لهم فيما اعتادوه.
ومن تأمل أحوال السلف وما جرى عليهم من أنواع البلوى إما قتلا وإما حبسا أو نفيا أو ضربا ابتلاء لو ذكرت أسبابه على تفاصيلها وذكر عدد من ابتلى ممن سلف لاحتمل ذلك مجلدات ضخام ولكن لنا في الاختصار أسوة علم علم اليقين أن الله
পৃষ্ঠা ১২
سبحانه يبتلي أحبابه ابتلاء له فيه حكمة، ولو لم يكن فيه إلا رفع المقامات أو تكفير السيئات، خصوصا هذا التوحيد فإنه سبحانه من حكمته لم يبعث به نبيا قط إلا جعل له أعداء يؤذونه كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} .
ولما كان العلماء ورثة الأنبياء جعل الله لمن كان منهم عاملا بعلمه مهتديا بقول الله متبعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوا من الإنس والجن يؤذونه ويشوشون عليه اتباعه ويردون عليه ما قال عن الله ورسوله أقواله، وهذا كله من الله عدل إذ فيه رفع درجات الأنبياء، وإظهار مقامهم صلوات الله وسلامه عليهم، وتكفير سيئات هؤلاء العلماء ورفع درجاتهم وتعظيم أجورهم رضي الله عنهم، ولذلك قال تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه} ومع ذلك فلا بد من نصر ما جاءت به الرسل الذي عملت به هؤلاء العلماء ودعت إليه قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} وقال تعالى: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} فمن صبر من هؤلاء العلماء المذكورين نصره الله كما نصر رسله، وهذا مصداق قوله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} .
وهكذا لم تزل السلسلة في صعود وهبوط إلى أن حل بهذا الرجل ما حل بالأسلاف الذين خلوا من قبله من صالح سلف الأمة وخيارها. لكن قد هدى الله به أمما ضلالا منهمكة في أكبر الكبائر على الإطلاق فحاز من الأجر العظيم مغنما لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء" أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فلله الحمد والمنة.
পৃষ্ঠা ১৩
(1) -
ما ورد إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الرسائل
وقد وردت إليه أسئلة من علماء الحرمين والشام وأقطارها، وعلماء نجد وسكانها، وعلماء الاحساء وأتباعها، متعلقة بكشف أحواله، ومما يدعو الناس إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له، ومتضمنة للسؤال عن بيان ما يدعيه وما يقوله وما دليله فيه، فأجابهم بإجابة من الكتاب والسنة وإجماع صالح سلف الأمة ما بمثلها يهتدي المهتدون، وعليها يقف المنصفون، وبها يأخذ المستدلون، فهدى الله به من اهتدى وخاض في لجج طغيانه من شقى، ولو ذكرنا ما حصل من ذلك على التفصيل اللائق لطال الفصل، وانعكس الوصل، ولكن يكفي اللبيب ما قد شاع عنه وذاع، وتقطعت به الأسماع، من أن يدعو الناس إلى توحيد الله وحده لا شريك له في عبادته ومعاملته وإخلاص وحدانيته وعبادته بأنواعها له وحده ليكون الدين كله له، وهذا ما دعت إليه الرسل وأنزلت به الكتب.
القول على خطبة رسالة عبد الله الراوي:
وقد وردت إليه رسالة تنسب إلى عبد الله أفندي الراوي البغدادي خطيب المسجد المنسوب للوزير سليمان باشا، وقيل لعبد القادر الجيلي رحم الله روحه ونور مرقده وضريحه، وكان إرسالها بأمر الوزير سليمان باشا المقيم فيه الآن، هداه ربنا الرحمن في السر والإعلان، ومضمونها: أن التوحيد إنما هو مختص بمعنى الربوبية، فالإله اسم مختص بالخالق الرازق الضار النافع وهو الله، ولا يكون اسما لغيره إلا إن اعتقد أن ذلك الغير يوجد ذلك الضر والنفع اعتقادا علميا مع اعتقاد ذلك الغير أيضا شريكا لله حتى يطلق على ذلك المعتقد اسم المشرك واسم الكفر الموجب لسفك دمه وخلوده في النار، فأما من قال بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله وآمن بالله واليوم الآخر ثم دعا غير الله من ولي أو ملك أو نبي بشيء لا يقدر عليه إلا الله تعالى، واعتقد في ذلك الغير أنه يضر وينفع فهو يعتقد فيه ذلك الذي لا يقدر عليه إلا الله، ولكن لا يعتقد أنه
পৃষ্ঠা ১৪
شريك لله. بل إذا سئل فقيل له الله شريك، قال لا. ولكني أدعو هؤلاء لقربهم وصلاحهم، فهم يكشفون شدتي، ويفرجون كربتي، وأطلب منهم شفاعتهم، فإن ذلك لا يخرج عن الملة بل فيه مجرد الحرمة والإثم فقط. ثم استثنى جواز سؤال الشفاعة منهم في هذه الدار وأنه إن دعاهم لشفاعتهم له وطلبها منهم فلا بأس بذلك، وفيه أيضا: أن تارك الصلاة عامدا لا يكفر فلا يقتل وفيها أيضا: جواز شد الرحال إلى زيارة القبور، وانه قريب من الواجب حيث كانت قبور الأنبياء، وفيها مسائل ومسائل واعتراضات كما سنذكرها إن شاء الله تعالى، وقد أرسلها الوزير المكرم لننظر فيها ثم نجيب عنه، فنقول بعد الاستعانة بالله والاتكال عليه والبراءة من الحول والقوة.
أما قولكم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وجنده وحزبه وعلى من تبعهم بإحسان، وقفى أثرهم إلى آخر الزمان.
فنقول هذا الابتداء بالبسملة، والحمد له، والاستعانة، والاستغفار، والاستعاذة بالله من شرور النفس وسيئات الأعمال والاخبار، بأن من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له والشهادة بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، والاخبار بإرساله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وإنشاء الصلاة عليه وعلى آله وأصحابه وجنده وحزبه ومن تبعهم بإحسان وقفي أثرهم إلى آخر الزمان، مشروع للتأسي بالكتاب العزيز ومأمور به في قوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر" وفي رواية فهو أجذم. وفي رواية فهو أقطع. والأبتر في اللغة مقطوع الذنب. والأجذم مقطوع الأنف. والأقطع مقطوع اليد. أطلق الشارع صلى الله عليه وسلم كلا منها في الحديث على ما فقدت البركة منه تشبيها له بما فقد ذنبه الذي به تكمل خلقته؛ أو بمن فقدت يداه اللتان يعتمدهما في البطش ومحاولة تحصيل ما يروم تحصيله. فإطلاق كل منها في هذا على وجه التشبيه البليغ أو الاستعاذة، ومعنى ذلك في هذا المعنوي ناقص البركة فهذا حث منه صلى الله عليه وسلم على البدء بالبسملة التي هي سبب لتمام البركة في كل ما يهتم به شرعا، وكما أن الحديث وارد بالبدء بالبسملة فكذلك
পৃষ্ঠা ১৫
الحمدلة. ولذلك المصنفون يجمعون بينهما. لكن الابتداء بالبسملة حقيقي، وبالحمدلة إضافي، ليندفع التعارض. والاسم مشتق من السمو، وهو العلو، أو من السمة وهي العلامة. وفيه ست لغات كما هي مبسوطة في محالها من مطولات ومختصرات، ووشرت سينه للتمييز بينه وبين الفاصل للميم عنه. ولذلك كان عمر بن الحطاب رضي الله عنه يضرب الناس على توشيره، وعلى مد الألف المتصلة به قدام الباء، التي وضعت عوضا عن الألف المتصلة بالباء في حال انفرادها عن السين، كما في باسم ربك، وأفردت نقطة الباء التي تحت الاسم إشارة إلى تفرده تعالى بالألوهية والوحدانية، ودورت ميمه إشارة إلى احاطة ملكه سبحانه وتعالى جميع الكائنات، فاجتمع فيه معنى الألوهية والربوبية، ثم هذا المبدوء به المذكور في صدر المقدمة يحتاج كل ذاكر له وقائل به إلى علم معانيه والعمل بما يدعيه، فإن معنى قول القائل بسم الله، أي أستعين وأتبرك بكل اسم للذات الأقدس، المسمى بهذا الاسم الأنفس، الموصوف بكمال الإنعام وما دونه، فالباء متعلقة بمحذوف مقدر بقوة المذكور وكونه فعلا أولى لأنه الأصل في العمل، وعمل الاسم بالحمل عليه وخاصا من مادة المفعول أولى أيضا، فمريد السفر يقدر بسم الله أتبرك وأستعين به على السفر، والمؤلف يقدر على التأليف، فهو في معنى أسافر أو أؤلف ونحو ذلك، لما فيه من الاستعانة والتبرك في جميع أجزاء الفعل، بخلاف الابتداء والافتتاح سواء قلنا معنى الباء الاستعانة أو المصاحبة أو التعدية، وكونه مؤخرا عن لفظ بسم الله أولى أيضا، ولا يجوز بينهما والأولى تأخيره عن الرحمن الرحيم لمن أتى بهما، وذلك لأن رتبة العامل التقديم، فتأخيره لنكتة وهي إفادة الاهتمام مطلقا والاختصاص والحصر غالبا وهو من حمر القلب ان كان المشركون يتبركون بأسماء آلهتهم وما يعبدون من دون الله، أو من قصر الإفراد ان كانوا يتبركون بالابتداء بأسماء الله وأسماء آلهتهم، واستظهره السعد وغيره.
فلذلك وجب على الموحد قصر الاستعانة والتبرك على اسم الله تبارك وتعالى، أي الإتيان بما يفيد ذلك وان لم يلاحظه أو لم يعرفه، ولا يغني عنه كون المتكلم لا يعتقد ذلك لعدم إطلاعه عليه ومعرفته إياه، إذ الجهل بالشيء لا يزيل حكمه. وأما قوله تعالى اقرأ باسم ربك فللاهتمام بالقراءة لخصوص المحل، فان أول هذه السورة أول ما نزل من القرآن واقرأ فيها راجع للبسملة لأنها بعض ذلك الأول ومقدمة عليه، فهي أول آية نزلت على الإطلاق كما اقتضى الاختصاص والحصر، إياك نعبد وإياك نستعين، والمعنى نخصك بالعبادة
পৃষ্ঠা ১৬
والاستعانة، فلا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك، ففي تقديم اسم الله اهتمام به للتعظيم واختصاص أيضا، وحصر للذوق السليم، وتنبيه على أنه ينبغي للعابد أن يكون نظره ابتداء إلى المعبود ثم إلى العبادة، لا من حيث أنها عبادة صدرت عنه بل من حيث أنها نسبة شريفة إليه، ووصلة بينه وبين معبوده، وقدمت العبادة على الاستعانة لتوافق رؤوس الآي، ولأن تقديم الوسيلة التي هي القربة والأعمال الصالحة على طلب الحاجة أدعى إلى القبول والإجابة، وللإشارة إلى أنه لا توجد العبادة من العابد إلا مع الاستعانة، ولذلك قيل إن الواو للحال، وكرر الضمير إشارة إلى حصر الاستعانة به تعالى، وذكر السين في بسم الله للفرق بين التيمن واليمين.
(والله) أصله اله زيدت فيه اللام وشددت وفتحت همزته فصار الله؛ وهو علم على ذاته تعالى وتقدس يوصف ولا يوصف به (والرحمن الرحيم) اسمان بنيا للمبالغة من رحم، كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمن أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وإنما قدم، والقياس يقتضى الترقي لأنه صار كالعلم من حيث أنه لا يوصف به غيره تعالى لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره، أو لأن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها، فيكون كالتتمة، وفي إيثار هذين الوصفين المفيدين المبالغة في الرحمة إشارة لسبقها وغلبتها على أضدادها وعدم انقطاعها، فلينظر القائل بسم الله أهو عامل بمعناه، لقصره الاستعانة والبركة على اسم الله خاصة، فلا يعتقد معنى ذلك في غيره تعالى كما كان يعتقده المشركون في آلهتهم ولا يرضى به أيضا، وان أشعر تقديم العامل بالاحتمال فاعتقاده باق على حاله، أو هو يعتقد ذلك المعنى في غير الله مع كونه إنما ذكر اسم الله خاصة، أو لم يعتقده لكنه يرضى به من غيره، فهذا لم يقصر الاستعانة والبركة على اسم الله وان أتى بما يفيدهما لفظا، لأن عقيدته أفسدت عليه.
(ومعنى الحمد لله) أي جنس الوصف بالجميل أو كل فرد منه مملوك أو مستحق للمعبود بالحق المتصف بكل كمال على الكمال. والحمد هو الثناء بالصفات الجميلة الاختيارية، والأفعال الحسنة المرضية، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. وفي الاصطلاح فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه على الحامد أو غيره. والشكر لغة هو الحمد ومعناه اصطلاحا صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه لما خلق لأجله.
পৃষ্ঠা ১৭
قال تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} وبين الحمد والشكر اللغوي عموم وخصوص من وجه، فان الحمد مورده خاص، ومتعلقه عام، والشكر مورده عام، ومتعلقه خاص كقوله:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
(ولينظر القائل الحمد لله) أيضا هل هو خاص بالمعبود بالحق المتصف بكل كمال على الكمال بما هو حق له، فما كان من جلب نفع أو كشف ضر فلا ينسبه إلا إليه تعالى ويثني عليه به، لأنه المنعم الحقيقي. وغيره وان أسدى معروفا فالثناء عليه مجاز، لأن الله هو الخالق لذلك الغير، وهو المعطي له ما أسداه وحببه إليه وقواه عليه، فهو سبحانه المعطي المانع الضار النافع، وأزمة الأمور كلها في يده ومرجعها إليه، فصار معنى الحمد مختص لله تعالى بهذا الاعتبار، وان أثنى على الناس خيرا، أو هو ينسب شيئا من ذلك لغيره تعالى فقد عدله به. وان قال الحمد لله لفظا، فان كان قد خص المعبود بما هو حق له فقد أتى بمعنى أحمده، لأن معناه أصفه بجميع صفاته التي كل منها جميل، وأثنى عليه بها فان رعاية الجميع أبلغ في التعظيم، وهذه الصيغة يدل معناها على إيجاد الحمد الذي هو الثناء على الله بجميع المحامد لا الإعلام بذلك، وان لم يخصه تعالى بما هو حقه لم يأت بالمعنى وإنما هو مجرد لفظ خال منه.
(ومعنى) أستعينه أي أطلب المعونة في أموري كلها منه، فأنا متوكل عليه ومتبرئ من حولي وقوتي ولا أرضى من نفسي ولا من غيري إلا بذلك، فان عمل به فقد أتى بمعناه، وإلا فهو مجرد لفظ.
(ومعنى) استغفره أي أطلب منه المغفرة. ثم إن كان المستغفر قد فعل ذنبا أقلع عنه وندم عليه وعزم أن لا يعود إليه فذلك توبة، وإلا فهو مجرد دعاء، والمستغفر المقيم على ذنبه كالمستهزئ بربه.
(ومعنى) أعوذ أي ألوذ وأتحصن واعتصم وأستجير بالله من شر هذه النفس الأمارة أن تصدني عن فعل ما أمرت به، أو تحثني على فعل ما نهيت عنه، فيحصل لي الشر من قبلها لأنها قد حسنت لي سيئات الأعمال، فأعوذ بالله من شرها ومن سيئات أعمالها. فعلامة الصدق في ذلك فعل المأمورات واجتناب المنهيات والانقياد إلى قول الله والإتباع لدين محمد بن عبد الله، وإلا فهو مجرد لفظ خال من معناه. (ومعنى) من يهد الله فلا مضل له أي من يرشده الله إلى
পৃষ্ঠা ১৮
سبيل الرشاد وهو الصراط المستقيم الذي أنعم الله به على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فلا محيد له عن ذلك، ومستهل الهداية دخول الدليل إلى الفؤاد والانبساط له كما يراد، ثم خفة الطاعة بعد القيام بمعنى الشهادتين والحمد على الخروج من ساحة الإضاعة ونور البصيرة وجلاء عين السريرة والسلوك في مدارج السالكين، ومناهج المتقين، والسفر إلى أعلى عليين، ومحبة أرحم الراحمين، والإقتداء بأفضل المرسلين، وأما من كان من الضالين- أي الهالكين الغائبين- عن الهدى الزائغين عنه بتقدير الله عليه ذلك فلا هادي له مصداقه قوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} بل قلبه عن الحق مقفل قد نابذ جميع أوامر الله عز وجل، وانتقش في خاطره الكثيف بغض الحق وأهله، وامتلأ قلبه وقالبه بحب الباطل وأهله، والشيطان وحزبه والتلذذ بكل نوع من الطغيان، فنفرت منه كل جارحة عن حزب الرحمن، لا شيء أحب إليه من إطفاء نور الإيمان وتكثير جند الطغيان، وفي المعنى يقول الرحمن: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} وهذه الآية على هؤلاء أشد بلية وأجل رزية، فإنهم يحاولون بجدهم وجهدهم إغواء المؤمنين، ونقض عهدهم مع الموحدين ليراجعوا إلى ما هم عليه من الباطل والطغيان. ومن ذاق طعم الإيمان لأن يقذف في النار أحب إليه من أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه رب العالمين. فحلاوة الإيمان لا ألذ منها عند الموحدين، ثم النصر والتأييد لهم في كل حين. وحزب الشيطان يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. والمهتدي إذا صارت نفسه لوامة خاف من مورثات الندامة فحزن على ما فات وخاف مما هو آت. ومقام الخوف من أجل المقامات {ولمن خاف مقام ربه جنتان} {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى} وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه أخوف الأمة لمولاه. فلينظر الإنسان من أي الفريقين هو أمن حزب الرحمن، أم من أولياء الشيطان الذين لم ينقادوا لإتباع ما جاءت به الرسل فقلب قلبه عن الحق بعدم الانقياد كما قال تعالى {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} وكقوله: {كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} فجعل علة التقليب والطبع عدم الانقياد لاتباع ما جاءت به الرسل، وذلك أنه تعالى قد فطر عباده على الهدى فمن بقي على الفطرة وقبل ما جاءت به الرسل زاده هدى ولطفا وتوفيقا. ومن
পৃষ্ঠা ১৯
غير الفطرة وعاند ما جاءت به الرسل ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا، ويسره للعسرى وخذله. (ثم ليعلم) أن إرادته تعالى الخير من عباده، وإرادته الشر لا يستلزم وقوع المراد منهم ضرورة، إنه أراد ذلك فهم مع بقائهم مختارين كما أراد الإيمان منهم فهو أراد وقوع الخير منهم وهم مختارون، فقد يقع ما أراده تعالى منهم وقد يتخلف هذا بخلاف ما يريده تعالى من أفعاله فإنه لا يتخلف عن إرادته وقوع مراده مثل قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} بخلاف الأول ومنه {يريد الله أن يتوب عليكم} فإن المراد يريد منكم أن يتوب عليكم فيتوب عليكم أي يتقبل توبتكم، إلا أن مع إرادته تعالى الخير لعبده يكون أقرب إلى فعل ما أراده منه لأنه من اللطف، وعكسه إرادته بعبده الشر. إذا عرف هذا فليجعل هذا البحث نصب العينين فقد زلت بجهله عوالم وتهاوش حوله طوائف ولم يقع لهم محررا مقررا.
(ومعنى نشهد) أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أي أذعن بقلبي واعترف بلساني وأعمل بمقتضى ذلك أن لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ فمن عبد من دونه أو معه فعبادته زور وظلم وبهتان، وأنا برئ من العابد وعبادة المعبود واشتقاق الإله من التوله، ومعناه المألوه وهو الذي تتألهه القلوب بالمحبة والتعظيم والإجلال والخوف والرجاء والالتجاء والتوكل والإنابة وذبح النسك. قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} فالمحبة التي في الله غير التي كحب الله لأن الأولى محمودة شرعا كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله والثانية تأله: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين} وكذلك الخوف {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} والتوكل {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} وقوله تعالى: {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} فهذا كله يفيد الحصر. ثم استعمل في كل ما يعبد بما تقدم ذكره من دون الله أو معه، فنفى ذلك بلا النافية للجنس وأثبت الألوهية لمستحقها وهو الله بألا المفيدة للحصر.
(وحده) أي حال كونه مفردا بها عما سواه (لا شريك له) حال ثانية مؤكدة للأولى. أي لا شريك له في هذه الألوهية التي نفيت عن غيره واختصت بجلاله وعظمته، فالعبادات بأنواعها له خاصة به ليس لأحد منها شيء البتة، فهذه الكلمة
পৃষ্ঠা ২০
الطيبة التي قد قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد وبها أمر الله سبحانه جميع العباد، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ومفتاح عبوديته التي دعا الأمم على ألسنة رسله إليها فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأساس الفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. ضد الكلمة الخبيثة التي كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، فهي خراب الكائنات وعليها تثبت أنواع المنكرات، وبها وجد الذل والصغار ولأجلها فتحت أبواب النار فكل من لم يعمل بمعنى هذه الشهادة التي قد شهد بها فهو كاذب في ادعائه إياها كما كذب الله الذين شهدوا بالرسالة فلم يعملوا بمعناها. (وان محمدا عبده ورسوله) أي أشهد أن محمدا عبده ورسوله، فمحمد اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو القاسم، وسمي به لكثرة خصاله الحميدة سمي به قبله سبعة عشر شخصا على ما قاله ابن الهائم عن بعض الحفاظ، بخلاف أحمد فإنه لم يسم به قبله عبد قالي أبو علي الدقاق ليس شيء أشرف ولا أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية، ورسوله إلى كافة الخلق. والرسول إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه أخص من النبي. فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في مادة وينفرد أحدهما في أخرى، وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين، وحجة على المعاندين، وحسرة على الكافرين، (أرسله بالهدى ودين الحق) الذي هو التوحيد بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. فأنعم به على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكورا فأمده بملائكته المقربين، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين الفارق بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشكر واليقين، فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، وفرض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال، والفرقان المبين الذي باتباعه يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فلم يزل صلى الله عليه وسلم مشمرا في ذات الله لا يرده عنه راد، صادعا بأمره لا يصده عنه صاد، صادع إلى أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، فأشرقت برسالته الأرض بعد
পৃষ্ঠা ২১
ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، وامتلأت به الدنيا نورا وابتهاجا، ودخل الناس في دين الله أفواجا فلما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة على عباده المؤمنين، استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى، والمحل الأسنى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء، والطريق الواضحة الغراء، فصلى الله وسلم وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه. كما وحد الله وعرف به ودعا إليه. ومن لازم صحة هذه الشهادة الإيمان بما أرسل به وهو التوحيد قولا وعملا واعتقادا، وتصديقه بجميع ما أخبر به وإلا فهو مكذب ودين الحق هو المؤيد المنصور لقوله تعالى {ليظهره} أي يعليه ويعزه {على الدين كله} سائر الأديان المخالفة لدينه (صلى الله وسلم عليه) قال الأزهري معنى الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدمي التضرع والدعاء بخير، وقال أبو العالية صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، والسلام إما بمعنى التحية أو بمعنى السلامة من النقائص والرذائل وتستحب الصلاة عليه بتأكد، وتتأكد كلما ذكر. وقيل بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه (وعلى آله) وهم في مقام الدعاء أتباعه على دينه عند أكثر أهل العلم، قال تعالى: {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} أي أتباعه. وقيل هم الأتقياء من أمته. وأما في مقام الزكاة فهم أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف، وقدموا على الصحب للأمر بالصلاة عليهم وإضافته إلى المضمر جائزة عند الأكثر، وعمل أكثر المصنفين عليه، ومنعه جمع منهم الكسائي والنحاس والزبيدي (وصحبه) جمع صاحب، وجمع الصحب أصحاب، والصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع به مؤمنا ومات على ذلك. وعطفهم على الآل من عطف الخاص على العام، وفي الجمع بين الصحب والآل مخالفة للمبتدعة لأنهم يوالون الآل دون الصحب (وجنده) هم خاصته من المؤمنين (وحزبه) المعاونين له بالنصرة (وعلى من تبعهم بإحسان) لم يغيروا بعدهم ولم يبدلوا سيرتهم الحسنى (وقفى أثرهم) على السيرة المحمودة (إلى آخر الزمان) فمن لم يتبع بل غير وبدل فهو مبتدع، وقد أثنى الله على الذين يطلبون المغفرة من ربهم لأنفسهم ولمن سبقهم من المؤمنين فقال تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} فهذا هو المطلوب بعكس
পৃষ্ঠা ২২
ما عليه أهل الأهواء من الوثوب على مسبة الحق الذي جاء من عند الله فهو له غير محبوب، وتفريق كلمة المؤمنين وسب أكابر الصحابة والتابعين.
وما أمروا إلا ليستغفروا لهم ... فسبوا كراما سبهم لم يحلل
وقال الإمام مالك رحمه الله: من أصبح وفي قلبه بغض لأحد من الصحابة فقد أصابته الآية يعني قوله تعالى: {ليغيظ بهم الكفار} .
وصرح بعض الحنفية بتكفير الرافضة لسبهم الصحابة. فقال صاحب تبيين المحارم:
واعلم أن الروافض كفار عندنا لأنهم يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وكذا من أنكر خلافتهما يكفر عندنا في الأصح وقد أثنى الله سبحانه على السابقين من الأولين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} وإنما المتبع لهم العامل بمنهاجهم، والمقتدي بهديهم هو الذي لم يحدث في الدين ولم يغير ما جاءت به سنة سيد المرسلين.
পৃষ্ঠা ২৩
سبب تأليف الرسالة
وأما قولكم (وبعد فلما أن ورد كتابكم إلى حضرة سليمان باشا طلبتم منه أن يجمع علماء مملكته لينظروا في كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كي يطلعوا على ما انطوى عليه من الأحكام ويميزوا بين ما يستوجب النقض والإبرام صدر منه الأمر الواجب القبول والإتباع وأشار إلي وإشارته حكم وطاعته غنم فامتثالا لأمره نظرنا فيه فبعد أن طالعناه، وفهمنا فحواه، وجدناه كتابا جامعا لشتات من المسائل مشتملا على عدة رسائل لكنه قد جمع فيه بين غث وسمين، وقوي ووهين ووجدنا أحواله أحوال من عرف من الشريعة شطرا، ولم يمعن فيها نظرا، ولا قرأ على أحد ممن يهديه إلى النهج القويم ويدله ويوقفه على العلوم النافعة التي هي الصراط المستقيم.
فنقول (وبعد) هذه الكلمة يؤتى بها للانتقال من غرض إلى غرض آخر ويندب الإتيان بما في الخطب والمكاتبات كما كان صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خطبه ومكاتباته. رواه عبد القادر الرهاوى في الأربعين له عن أربعين صحابيا، وأول من تكلم بها داود صلى الله عليه وسلم فهي فصل الحطاب الذي أوتيه، والصحيح أنه فصل الخصومات كما عليه جل العلماء، وقيل أول من تكلم بها يعرب بن قحطان، وقيل قس بن ساعدة، وقيل غير ذلك، وهي من الظروف التي تقع على الزمان والمكان، ويجوز هنا إرادة كل منهما، وهي مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليها ويجوز نصها لنية لفظه كما لو ذكر وان لم ينو شيء من ذلك جاز تنويها نصبا وضما، والواو نائبة عن أما، وأما نائبة عن مهما، والأصل مهما يكن من شيء بعد الحمدلة إلى آخره. (فلما) أو غير ذلك (ان ورد) من ورد الشيء إلى مستقره أي وصل (كتابكم) أي مكتوبكم (إلى الوزير) المذكور اسمه أعلاه وفقه الله وهداه وأصلح أحوالنا وإياه (وطلبتم منه أن يجمع علماء مملكته) أي دولته وسلطته وهم علماء بلده المقيمون فيه.
পৃষ্ঠা ২৪