ثم إن ما يرمى به إذا هو تاب إنما هو ابتلاء وامتحان، ليمتحن أصادق هو أم كاذب؛ فإذا صبر في بداية الأمر هان عليه ما يقال له، وإن حسنت توبته، واستمر على الاستقامة أجله من يعيره، وربما اقتدى به.
أضف إلى ذلك أن الإنسان سيذهب إلى قبره وحيدا، وسيحشر إلى ربه وحيدا؛ فماذا سينفعه فلان وفلان ممن يثبطونه ؟ .
5_ ترك التوبة؛ مخافة سقوط المنزلة، وذهاب الجاه والشهرة: فقد يكون لشخص ما_منزلة، وحظوة، وجاه، فلا تطاوعه نفسه على إفساد ذلك بالتوب، كما قال أبو نواس لأبي العتاهية، وقد لامه على تهتكه في المعاصي:
أتراني يا عتاهي
تاركا تلك الملاهي
أتراني مفسدا بالن
سك عند القوم جاهي(69)
وقد يكون للإنسان شهرة أدبية، أو مكانة اجتماعية، فكلما هم بالرجوع عن بعض آرائه المخالفة للشريعة_أقصر عن ذلك؛ مخافة ذهاب الجاه والشهرة، وحرصا على أن يبقى احترامه في نفوس أصحابه غير منقوص.
ولا ريب أن ذلك نقص في شجاعة الإنسان ومروءته، بل إن ذلك نقص في عقله، وعلمه، وأمانته.
وإلا فالكريم الشجاع الشهم هو ذلك الذي يرجع عن خطئه، ولا يتمادى في غيه وباطله.
وذلك مما يرفعه عند الله وعند خلقه؛ فلماذا يستوحش من الرجوع إلى الحق؟
فمقتضى الدين، والأمانة، والمروءة أن يصدع بما استبان له من الحق، وألا يمنعه من الجهر بذلك أن ينسب إلى سوء النظر فيما رآه سالفا ؛ فما هو إلا بشر، وما كان لبشر أن يبرأ نفسه من الخطأ، ويدعي أنه لم يقل ولن يقول في حياته إلا صوابا.
ثم إن الشهرة والجاه عرض زائل، وينتهي بنهاية الإنسان؛ فماذا ينفعه إذا هو قدم على ربه إلا ما قدم من صالح عمله.
ولقد أحسن من قال:
تساءلني هل في صحابك شاعر
إذا مت قال الشعر وهو حزين
فقلت لها: لا هم لي بعد موتتي
سوى أن أرى أخراي كيف تكون
وماالشعر بالمغني فتيلا عن امرئ
يلاقي جزاء والجزاء مهين
وإن أحظ بالرحمى فمالي من هوى
পৃষ্ঠা ২৪