وأما [الأولى] فلولا وجودها لم يثبت التكليف بقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [الأعراف: ٤٢] وأمثال ذلك، فهؤلاء المفرطون والمعتدون في أصول الدين إذا لم يستطيعوا سمع ما أنزل إلى الرسول فهم من هذا القسم.
وكذلك أيضا تنازعهم في [المأمور به] الذي علم الله أنه لا يكون أو أخبر مع ذلك أنه لا يكون، فمن الناس من يقول أن هذا غير مقدور عليه.
كما أن غالية القدرية يمنعون أن يتقدم علم الله، وخبره، وكتابه بأنه لا يكون. وذلك لاتفاق الفريقين على أن خلاف المعلوم لا يكون ممكنا، ولا مقدورا عليه. وقد خالفهم في ذلك جمهور الناس. وقالوا: هذا منقوض عليهم بقدرة الله تعالى وقالوا: أن الله يعلمه على ما هو عليه فيعلمه ممكنا مقدورا للعبد؛ غير واقع، ولا كائن لعدم إرادة العبد له، أو لبغضه إياه، ونحو ذلك، لا لعجزه عنه، وهذا النزاع يزول بتنويع القدرة عليه كما تقدم، فإنه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل، وإن كان مقدورا [القدرة المصححة للفعل] التي هي مناط الأمر والنهي.
[وأما النوع الثاني] فكاتفاقهم على أن العاجز عن الفعل لا يطيقه كما لا يطيق الأعمى، والأقطع والزمن نقط المصحف وكتابته والطيران، فمثل هذا النوع قد اتفقوا على أنه غير واقع في الشريعة.
1 / 32