لم أثر، صوتنا يكدر صفاءه.
ليتأمل ما شاء.
حاولت ألا أهتم به، أن ألغيه، إلى أن يفيق من تأمله العميق فلا يشغله نشاطي الذهني، فيخسر ساعات قضاها ليدخل في الحال، ولجت المحراب، ألقيت نظرة على زهرة الغاردينيا برقة وحيوية.
تذكرت نوار سعد حينها، نوار سعد، كانت تحدثني عن عودة الإنسان إلى جذوره، إلى أمه الشجرة؛ حيث كانت تؤكد لي أن الإنسان أصله شجرة، وتقول: إن شجرة مسكيت واحدة وعصفور ود أبرق أكثر أهمية من عشرة مصانع للغذاء، ومليون من الجنود المدججين بالسلاح، وترسانة الأسلحة الأمريكية لا تساوي في أهميتها ريشة فنان، فنان فقير بائس كهنري رسو، قالت: ولو أن المدينة هنا ما زالت طفلة، وأنها مثل قرية بإسبانيا إلا أنها مملة وملوثة ورديئة كمرحاض عام، فهي ليست كبراءة الريف.
فهي ليست كتعقد المدينة، هي شيء مشوه.
فأنتما سعيدان بعودتكما لله، للشجرة والنسيم، أنتما سعيدان. وقلت لها: ننشد التأمل والعزلة لا أكثر. قالت: ولو أن الغابة ليست منعزلة تماما ... وهنالك الأشجار والخيران والثعالب، هنالك الطيور والأرض.
الأرض الطينية السوداء ...
حاولت تحريك الأصيص من مكانه، قائلة: فلأغير قليلا من مرأى المحراب، قطية الروح، ولكني عجزت تماما، كانت هناك قوة طاغية تجذبه للأسفل، وفي نفس اللحظة التي هممت فيها بتركه وشأنه دخل الحجرة المختار.
طويل كعادته ومبتسم، وعلى رأسه شال نظيف، لفني بساعديه الطويلتين وهو يضحك من أعماقه قائلا: لقد جاء زوجك هنا، اليوم ... - هل قال شيئا مهما؟! - لا شيء سوى بعض السخرية المرة.
قلت متجاهلة الأمر ما أمكن: إذن دعنا نتناول الغداء في هدوء، لقد أحضرت معي عسلا ومحبرتين وخبزا وهربت من محاضرة الباطنية، فالمحاضرة الجديدة متعالية ومتكبرة كأنها أول من تخصص في الباطنية، لكنني وجدت نفسي أسأله عن زوجي: من أين جاء؟!
অজানা পৃষ্ঠা