بالباص قليل من الطلاب كالمعتاد، هم طلاب كلية الفنون الجميلة، رسامون ومجانين، نحاتون يذهبون في هذه الساعة إلى المرسم المفتوح بالجبل، الذي ابتكره وشيده بأفكاره وماله الفنان الروسي مايازوكوف فلادمير، أو مايا العزيز كما يسميه طلابه، لكثرة ما استقللت هذا الباص عرفت جميع طلاب كلية الفنون وأساتذته، بل أصبحت صديقة قريبة أشاركهم أحزانهم، حيث ليس لديهم ما أشاركهم فيه غير الحزن، هذا الحزن قد يكون مهرجانا صاخبا بالغناء، الأناشيد، الرقص والموسيقى، قد يكون مجرد: لا شيء إطلاقا.
يسمونني القديسة، فما إن توقف الباص في المحطة حتى أطلت وجوه من النافذة هاتفة في وقع واحد مجنون: القديسة ... القديسة.
في الباص حافظ آدم، أيضا سارة حسن، وأستاذ الفنون مايازوكوف فلادمير وكانت امرأة، بل وجه جديد لفتاة، لم أرها من قبل، كانت فيما فوق الأربعين من العمر، أو فيما فوق الثلاثين، لها عينان ضيقتان، لهما رمش أعترف أنه أجمل من رمشي (وأجمل من رمش أية امرأة خلقها الله في الآونة الأخيرة، إن رمشها أحلى من أذني فان جوخ.)
كما قال ذات يوم أمين محمد أحمد.
اتسعت عيناها الضيقتان قليلا لاستقبالي أو ... لدهشتها من هتاف الطلاب أو ...
ثم ضاقتا مرة أخرى في سحر أسطوري شحن المرأة في بالغيرة.
كانت نحيفة تجلس على أول مقعد يسار الباب، تمد ساقين طويلتين رشيقتين في غاية الرقة والنظافة، تمدهما أمامها بزهو وثقة، شعرها منظوم في ضفيرة واحدة مسدلة على كتفها، وبشفتيها أحمر شفاه مرسوم بدقة وأناة، بوجهها غموض وسحر، فتحت فمها الصغير لتقول بصوت ناعم: أهلا تفضلي، وأفسحت لي مكانا قربها، تعانقت والآخرون، أما مايازوكوف العزيز فمد يدا مشيعة بابتسامة: أهلا بك القديسة الحلوة.
ابتسم مرة أخرى ثم أضاف: هل لا تزالين تحتفظين بلوحتي أسفل السرة؟
كان دائما ما يسألني هذا السؤال كلما التقينا، وكنت كثيرا ما أرد إليه: لقد التهمتها الأسماك.
كأنه يصر على تذكيري بذلك اليوم المرعب المثير، الخبيث ...
অজানা পৃষ্ঠা