102

قالت لي - ذات جلسة - عرافة كانت جارتنا في بيت أبي، وقد اعتدت أن ألوذ بخرافاتها كلما تأزمت، قالت لي ذات مرة على هامش حديث طويل عن مستقبل البلاد: هذه البلاد ستعصف بها حمم تحمل ريح السافل، وتعني بريح السافل الريح التي تهب جنوبا، سنة، ثم سنة ... ثم سنة. إلى أن يشاء الله فتهب الرياح الجنوبية الغربية محملة بالسحابات، فتبرأ جراحات الأرض، هكذا تقول الجماعة.

ثم توقف المطر وهدأت الريح؛ فخرجنا نتمشى بين الخيران التي صحت من ثبات العطش الطويل والمجاري ذات الخرير الشجي، فقد صحت أزمنة المكان، صحت شقوق الأرض، استيقظ الزمن النائم في حرقة الطقس. تزحلقنا على الطين، ابتلت ملابسنا واتسخت أيادينا ونحن كالأطفال نضحك ونجري في البرك الصغيرة، أو نركب سوق الأشجار الضخمة الطافحة على مياه السيل، نجمع العصافير الصغيرة المبتلة الأرياش المصقوعة بالبرد، ندفئها بين أكفنا أو نفرك أجنحتها فتسري فيها الحياة.

وكانت سارة والمختار يغوصان بين أشواك الأشجار التي أسقطتها الريح على الأرض، ليأتيا بصغار عصافير الجنة، وود أبرق، وسرو دمامي وبعض صغار أم قيردون وحواء زريقة والهدهد، وأتولى أنا القيام بدور الممرضة والأم. قال: فلنذهب لنلقي نظرة على النهر والمزرعة.

كانت أشجار الفاكهة قد اغتسلت بالمطر، فبدا الليمون والبرتقال كأزهى ما يكون، أما أحواض البصل فقد غرقت تماما وذابت الفواصل الترابية التي تفصلها عن بعضها البعض؛ فأصبحت حوضا واحدا كبيرا غاطسا في الماء أو بحيرة صغيرة.

قال المختار وهو يتفحص حوض البصل الغريق: الملكية تشبه الأبوة، فإحساسي بالبصل الذي يعاني الاختناق تحت مياه المطر إحساس لا يقل حميمية عن إحساس أب يرى ولده يختنق بالغاز، ولكن فلتكن هذه المأساة صلاة من الألم مرفوعة لروح الملكية التي يجب علي التخلص منها ونبذها. - إذن أنت ضد الملكية الخاصة؟ قال: نعم، ولا؛ لأنني ضد كل أشكال الملكية على المستوى الفردي كغريزة، فإننا نتحدث عن الغرائز والشهوات في إطار الذات الواحدة ... فليتملك الفرد ما شاء لكن يجب ألا تكون هذه الملكية عاطفة وغاية في ذاتها، فإذا فقد الحطاب فأسه الوحيدة فإنه لا يتحسر على فأسه التي كان يمتكلها، ولكن لأنه لا يستطيع أن يقطع الأحطاب التي عن طريقها يحصل على خبز أطفاله، فإننا نريد أن نجرد الملكية من بعدها الغرائزي ونجعلها وظيفة إجرائية فحسب. قالت سارة: ربما كان فكرك هذا نمطا من التجريد الوجودي المثالي. - قد تسمونه فكرا مثاليا، ولكنه أكثر واقعية على مستوى الروح، وأكثر واقعية وعملية لأشخاص يؤمنون به.

قمنا بفحص الوابور الشفاط بحجرته الصغيرة المبنية من الطوب الأحمر، تفحصنا براميل الجازولين، صفائح الشحم، والزيوت التي وجدناها غاطسة في مياه بنية يعلوها الزيت.

وعدنا.

الطين

عندما ...

عندما أدارت سارة مؤشر الراديو للمحطة المحلية كان المذيع يعدد الخسائر: احتراق مجمع البترول الكبير، انهيار ألف مسكن وسط المدينة، وكانت مبنية من الطوب اللبن. عدد الموتى والمفقودين لم يتم حصره حتى الآن، والبحث جار لانتشال الجثث وإنقاذ المواطنين الأحياء تحت الأنقاض، سقوط أعمدة الكهرباء والتلفون وانقطاع الاتصالات الخارجية ... تحطيم معمل ومختبر كلية العلوم وسقوط معظم مباني الجامعة الكبيرة، قرى بأكملها تمحى من خارطة البلاد الكبيرة.

অজানা পৃষ্ঠা