وقد اتهمه السلطان محمد بن ملكشاه بسوء علاجه، وسوء تدبيره، فحبسه مدة. وفي شهور سنة سبع وأربعين وخمسمائة أصاب السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه قولنج بعد ما افترسه أسد، فحمل من بغداد إلى همذان أبا البركات. فلما يئس الناس من حياة السلطان خاف أبو البركات على نفسه، ومات ضحوة، ومات السلطان بعد العصر، وحمل تابوت أبي البركات إلى بغداد مع الحجاج. ولما أخذ أبو البركات في مصاف المسترشد بالله والسلطان مسعود وقرب حينه أسلم في الحال وكان من قبل يهوديًا فنجا من القتل، وخلع عليه السلطان وحسن إسلامه ومن كلمات (الحكيم) أبي البركات: الخطيب هو الذي تصدر عنه الخطابة، ومن شرطه أن يكون متنسكًا متعففًا فصيحًا بليغًا، يقدر على استمالة السامعين واستدراجهم، ويعرف أخلاق الناس، ويكلمهم على قدر عقولهم، ويكون قوي العزم على الأمر، لا ينفعل من المغضبات، والمخطوب هو السامع، وقد يكون خصمًا، وقد يكون نظارًا، والمخطوب به الضمير والتمثيل، والمخطوب فيه المشوريات والمنافريات والمشاجريات فيجب أن يعرف الخطيب في المشوريات الخير من الشر وخير الخيرين وشر الشرين، والخير الحقيقي أربعة: العفة والشجاعة والحكمة والعدالة.
وسعادة الدنيا لطف الحواس، وجودة المشورة في الآراء، والبراءة من الخطأ والزلل، والإسجاح في الطلب وكرم الأصل، وإن يكون له أولاد ذكور، وإناث حسان عفيفات، ويكون له إخوان يساعدونه على ما يهواه، ويكون له الغنى والتجمل والثروة، وهو في الاستمتاع لا في القنية.
وإن شئت جمعت هذا الكلام في المقولات، أما في " الجوهر " فإن يكون كريم الأصل، وفي " الكم " أن يكون جزل العطاء، وفي الكيف أن يكون له اليسار والإقتدار، وفي الإضافة الرياسة، وفي الأين المكان الأنيق المبهج، وفي متى الوقت الطيب وفي الموضع الهيئة الحسنة وفي الفعل نفاذ الأمر وفي الانفعال السماع الطيب.
ولا أدري إن كان هذا الكلام له أم لغيره
الفيلسوف بهاء الدين أبو محمد الخرقي
كان من حكماء مرو، وله تصانيف في علم الهيئة والمعقولات، وحمله الملك العالم العادل خوارز مشاه إلى خوارزم للإستفادة منه، وله تصانيف أيضًا في التاريخ. وكان حسن الأخلاق.
ومما رأيت من فوائده ما كتبه إلى بعض تلامذته أن الرياضيات تسمى التعاليم الأربعة، وإنما كانت أربعة لأن موضوعها الكمية وهي إما أن تكون متصلة أو منفصلة، والمتصلة متحركة أو غير متحركة والمتحركة هي الهيئة وغير المتحركة هي الهندسة، والمنفصلة إما أن تكون لها نسبة تأليفية وهي الموسيقى، أو لا تكون وهي الأعداد.
وقال: كمال النفس إدراك المعقولات، وجمال النفس الهندسة والهيئة والعدد والموسيقى والهندسة صقال النفس المهذبة كصقال السيف وصداؤها تتناول اللذات الحيوانية.
الإمام أحمد بن حامد النيسابوري
كان ممن رسا طوده في الرياضيات، وقد رأيته في آخر عمره واستفدت منه، فقيل له لم لا تشتغل بالأعمال النجومية فقال: ما أحتاج إليه من تحويلي وتسيير طالعي يكفيني غيري مؤنته بدراهم معدودة، وما لا يحتاج إليه أو يحتاج إليه غيري يكفيني مهمه بعض التلاميذ، وهل يضر الطبيب أن يركب غيره أدويته وعقاقيره؟ وقال: خير العمل ما مصدره عن نية فاض بالعلم نميرها.
من سلمت من الرذائل نفسه، فقد أفل نحسه.
وله بيت قديم في الإمامة، وتقدم الأصحاب.
عين الزمان الحسن القطان المروزي
كان من تلامذة الأديب أبي العباس اللوكري، وكان طبيبًا حكيمًا مهندسًا أديبًا، له طبع في الشعر، وله تصانيف منها " كيهان سياحت " في الهيئة وكتاب في العروض وكتاب الدوحة في الأنساب ورسائل في الطب، وأكثر معالجاته يؤول إلى تقليل الطعام وتلطيفه، وربما ينهى المريض عن الدواء الغذائي فضلًا عن الغذاء.
ومن فوائده: أم الفضائل النفسانية الحكمة، وظئرها المزاج المعتدل، وأبوها الإستعداد الكامل، وابنها السعادة العظظمى.
وقال: الرياء أخس الأعمال، والإحتمال أزكى السير.
الإمام الفريد عمر بن غيلان البلخي
أفضل حكماء الحضرة، وله محصول من الحكمة كامل. وكأن الحكمة عنده عاذت بحقوة مستحقها. ورأيته يومًا مشتكيًا من واحد من الأفاضل. فقال: إن الشرير لا يميز بين من يهرب من شره وبين من يقابل شره بشره.
الأجل الأعز بهاء الدين محمد بن محمود
1 / 31