فلما أمر أن يجاهد بمن أطاعه من عصاه وكبر عليه مجاهدة الكثير من المشركين بالقليل من المسلمين ضمن الله له عاقبة العلو والظفر، وشد له أزره وأعانه بابن عمه وابن صنو أبيه، وشريكه في نسبته ، ومؤنسه في وحدته من الشجرة المباركة فرعا هما، دعا فاستجاب له على ضراعة الضرع الصغير من سنه، حتى سيط الإسلام بلحمه ودمه، ولم يخشع بين يدي لاتهم وعزاهم إذ هي تدعى، وغيره خاشع لها عاكف عليها، هي لهم منسك، إلى أن اشتدت على التوحيد أعظمه، وعظمت في أنحاء الخير هممه، إليه يستريح رسول الله بأسراره، فكان هو عليه السلام الصديق الأكبر، الفارس المشتهر، وسابق العرب إلى الغاية، ليس أمامه فيها إلا الرسول المرسل، بالكتاب المنزل يصلي بصلاته ويتلو معه آياته، تفتح لعملهما أبواب السماوات السبع، يهوي بجبهته مع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى القبلة المجهولة عند قومه، ليست تنحى أصبع يمدها متوسل إلى الله جل ثناؤه غير أصبعه، ولا ظهر يحنو لله في طاعته قبل ظهره إلا ظهر نبيه، إن ساماهم بشرفه في أوليته سبق عليهم بفارع غصون مجده، وعواطف شرف من قام عنه من إمهاته، ثم نشأ في حجر من نشأ، يؤدبه بالكتاب إذ غيره يباكر عبادة اللات والعزى، شهد له القلم الجاري بعمله في حال الفردانية، إذ هو يسارق الصلوات أهله إذ لا قلم جار ولا شهيد على مطيع، ولا عاص غيره يكانف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواطنه، ويستريح إليه بأسراره، ويستغديه لهممه، إذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المستوحش من جماعتهم، والخائف على دمه منهم، أين زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم زال معه، وإن غال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر وقاه بنفسه، فمن يساويه وهذه حاله -صلوات الله عليه- والحال الأخرى حال القوم في كفرهم بربهم وإنكارهم رسوله، واختيارهم عبادة أوثانهم، وعلي بن أبي طالب يعظم ماصغروا، ويكرم ما أهانوا حتى دخل من دخل في دين الله رغبة أو رهبة، ولما طال على رسول الله تكذيب قومه إياه استشار عليا صلوات الله عليه فقال له: ((ما ترى؟ قال: يارسول، ها سيفي وكان بالضرب به دونه جوادا، قال رسول الله: ((إني لم أؤمر بالسيف، فنم على فراشي وقي بنفسك نفسي حتى أخرج فإني قد أمرت بذلك)) فنام على فراشه، ووقاه بنفسه باذلا لمهجته، واثقا بأن الله تعالى غير خاذله.
ومن يدعى الفضل عليه إما راصد لرسول الله أو معين عليه، أو جالس عنه، همهم في ذبائح النعم على الأصنام، والاستقسام بالأزلام، وأقلام الملائكة تصعد بعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وبعمل علي عليه السلام فلما استقرت برسول الله الدار وحل في الأنصار، أمره الله جل ثناؤه أن يشهر سيف التوحيد وضمن له التأييد، فجاءت حال المنابذة، وتدانت الزحوف أيد الله جل ثناؤه رسوله بعلي بن أبي طالب، فقام إليهم وله خطرات بسيفه ذي الفقار، فسألوه عن النسبة، فانتهى إلى محل اليفاع الذي لا لأحد عنه مرغب، وأوجل الله قلوبهم من مخافته حتى اجتنبوا ناحيته، فما زالت به تلك المشاهد مع رسول الله حتى سئمته رجال قريش، وحتى تشاغلت نساؤهم بالمآتم، فكم من باكية أو داعية أو موتور قد احتشى عليه بفقدانه أباه أو أخاه أو عمه أو خاله أو حميمه، يخوض مهاول الغمرات بين أسنة الرماح، لا يثنيه عن نصرة رسول الله ثنوة حداثة، ولا ضن بمهجته حتى استولى على الفضل في الجهاد في سبيل الله، وكان أحب الأعمال إلى الله، وزرع إبليس -عدو الله- بغضه في قلوبهم، فلاحظوه بالنظر الشزر، وكسروا دونه حواجبهم، وراشوا بالقول فيه والطعن عليه، فلم يزده الله بقولهم فيه إلا ارتفاعا، كلما نالوا منه نزل القرآن بجميل الثناء عليه في آي كثير من كتاب الله، قد غمهم مكانه في المصاحف، ومن قبل ما أثبته الله جل ثناؤه في وحي الزبور أنه وصي الأوصياء، وأول من فتح بعمله أبواب السماء.
পৃষ্ঠা ৩৮৬