فلو كان الناس إذ ابتدأوا وعندما فطروا وأنشئوا، لم يجعل لهم ولا فيهم من يعدوهم، ويقوم عليهم لهلكوا ولم يبقوا وقت يوم واحد، لما يحتاجون إليه في النفاس وعند المولد من تلفيف الولدان خرقها، وتسوية أعضاء خلقها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل لهم في الابتداء آباء قاموا بكفاية المصلحة والغذاء في العلم بمصلحتهم غير حلهم 30، فغذوهم برأفة الأبوة، وبضي التربية في مولدهم إلى بلوغ قوة الرجال ، والاستغناء بنهاية الكمال.
ولا بد لهذه الآباء التي قامت على الأبناء من أن تكون في المبتدأ وعند أول المنشأ من الجهالة في نيل ما لأبنائهم من حاجة إلى تربية آبائها؟ ولا بد كيفما ارتفع الكلام في هذا المعنى من أبناء يقوم عليها آباؤها، وأيا كانوا كذلك في الأصل، إذا ابتدئ إنشاءها في مثل حد أبنائها من جهلها، وقلة اكتفائها حتى يعود ذلك إلى أب واحد منه كان مبتدأ النسل والتوالد.
ولا بد للأب الأول من أن يكون أدبه وتعليمه على خلاف أدب من يكون بعده، إذ لا أب له ولا يكون أدبه وتعليمه إلا من الله أو من بعض من يؤدبه ويعلمه تعليمه إلا من الله أو من بعض من يؤدبه ويعلمه من خلق الله (31)، فإن كان من مخلوق أخذ أدبه، فلا يخلوا ذلك من أن يكون الله أو غيره أدبه.
وكيفما أرتفع الكلام في هذا المعنى فلابد من أن يعود إلى أن خلق ابتداء أدبه من قبل الله للأول الندى ولابد للأب أو الذي هو أصل التناسل من أن يكون مؤدبا معلما للجوامع من معرفة جهات المضار والمنافع، مخلوقا على الفهم وقبول
পৃষ্ঠা ৪৬