Tashil al-Faraid
تسهيل الفرائض
প্রকাশক
دار ابن الجوزي
সংস্করণের সংখ্যা
١٤٢٧هـ
জনগুলি
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليمًا.
أما بعد: فإن الله فرض المواريث بحكمته وعلمه، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأعدله، بحسب ما تقتضيه حكمته البالغة ورحمته الشاملة وعلمه الواسع، وبيَّن ذلك أتمّ بيان وأكمله، فجاءت آيات المواريث وأحاديثها شاملة لكل ما يمكن وقوعه من المواريث، لكن منها ما هو صريح ظاهر يشترك في فهمه كل أحد، ومنها ما يحتاج إلى تأمل وتدبر.
وكان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يورثون النساء، ولا الصغار من الذكور، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فأبطل الله هذا الحكم المبني على الجهل والظلم، وجعل الإناث يشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهن، فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية، ولا سوّاها بالرجل كما فعله بعض المنحرفين عن مقتضى الفطرة والعقل، ثم قال: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ."النساء: من الآية١١".
وقال في آية أخرى: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ "النساء: من الآية١٢"
1 / 5
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ . "النساء:١٣" ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ . "النساء:١٤" وقال في آية ثالثة: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ."النساء: من الآية١٧٦".
فبيَّن الله تعالى أنه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته، وأن ذلك فرض منه لازم لا يحل تجاوزه ولا النقص منه، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشى فيها على ما حدّه وفرضه، جنات تجري من تحتها الأنهار خالدًا فيها، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وتوعد من خالفه وتعدى حدوده، بأن يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين.
كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التام حتى لا نضل ولا نهلك، فلله الحمد رب العالمين.
واعلم أنك إذا جمعت قوله ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" ١، إلى آيات المواريث؛ وجدتها قد استوعبت عامة أحكام المواريث ومهماته، وها أنا أشرح ذلك بحول الله، فأقول وبالله أقول:
_________
١ رواه البخاري "٦٧٣٢" كتاب الفرائض، ٥- باب ميراث الولد من أبيه وأمه.
1 / 6
آيات المواريث التي ذكرها الله نصًا في المواريث ثلاث:
الآية الأولى: في إرث الأصول والفروع.
الآية الثانية: في إرث الزوجين وأولاد الأم.
الآية الثالثة: في إرث الإخوة لغير أم.
فالآية الأولى: قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ ."النساء: من الآية١١"؛ بيّن الله فيها أن الأولاد وهم الفروع ثلاثة أقسام: ذكور خلّص، وإناث خلّص، ومختلط من الجنسين.
فالذكور الخلّص لم يقدِّر لهم ميراثًا فدل، على أنهم عصبة يرثون بالسوية.
والإناث الخلّص قَدَّر ميراثهن للواحدة النصف، ولمن فوق الثنتين الثلثان، وقد دل الحديث ومفهوم قوله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْف﴾ ."النساء: من الآية١١"على أن للثنتين الثلثين.
والمختلط من الجنسين لم يقدر لهم ميراثًا، فدل على أنهم عصبة ولكن للذكر مثل حظ الأنثيين.
أما الأصول؛ فابتدأ الله بيان إرثهم بقوله: ﴿وَلِأَبَوَيْه﴾ "النساء: من الآية١١"إلى آخره فذكر لهم حالتين:
إحداهما: أن يكون للميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث.
الثانية: أن لا يكون للميت أحد من الأولاد.
ففي الحال الأولى: ميراث كل واحد من الأبوين السدس فرضًا، والباقي للأولاد إن كانوا ذكورًا أو ذكورًا وإناثًا؛ لأنهم حينئذٍ يكونون عصبة، وعصبة الفروع أولى من عصبة الأصول؛ لأن الفروع جزء من الميت.
1 / 7
وإن كان الأولاد إناثًا خلّصًا، أخذن فرضهن والباقي - إن كان - يأخذه الأب؛ لأنه أولى رجل ذكر، ولا يتصور أن يبقى له شيء إذا كن اثنتين فأكثر مع الأم.
وفي الحال الثانية: وهي أن لا يكون للميت أحد من الأولاد، وورثه أبواه، فقد فرض الله للأم الثلث، وسكت عن الأب فيكون له الباقي، إلا أن يكون للميت إخوة اثنان فأكثر، فقد فرض الله لها السدس فقط والباقي للأب.
وتأمل قوله ﷿: ﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاه﴾ ."النساء: من الآية١١"؛ فإنه ربما يؤخذ منه أنه لو ورثه معهما غيرهما، لم يكن للأم الثلث، فيكون فيه إشارة إلى ميراث الأم في العمريتين، وهما زوج وأم وأب، وزوجة وأم وأب، فإن للزوج أو الزوجة فرضه، ثم تعطى الأم ثلث الباقي بعده، والباقي للأب، وذلك أن الله جعل للأب مثليها إذا انفردا بالمال، فقياس ذلك أن يكون له مثلاها إذا انفردا ببعضه، والله أعلم.
والآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ "النساء: من الآية١٢"، يبيِّن الله تعالى فيها أن للزوج حالين:
إحداهما: أن يكون لزوجته الميتة أحد من الأولاد الذكور أو الإناث؛ ففرضه الربع.
الثانية: أن لا يكون لها أحد من الأولاد؛ ففرضه النصف.
وكذلك بيَّن أن للزوجة حالين:
إحداهما: أن يكون لزوجها الميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث؛ ففرضها الثمن.
الثانية: أن لا يكون له أحد من الأولاد؛ ففرضها الربع.
أما أولاد الأم وهم الإخوة والأخوات من الأم فبيّن الله
1 / 8
تعالى أنهم يرثون في الكلالة، وأن ميراثهم مقدّر للواحد السدس، وللاثنين فأكثر الثلث بالسوية لا فضل لذكر على أنثى؛ وذلك - والله أعلم - لأن اتصالهم بالميت من طريق الأم - وهي أنثى - فليس هنا جهة أبوة حتى يفضل جانب الذكورة.
والآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة﴾ "النساء: من الآية١٧٦"ذكر الله فيها ميراث الإخوة لغير أم، ويؤخذ من الآية الكريمة أنهم ثلاثة أقسام:
أحدها: ذكور خلّص ويرثون بالسوية بلا تقدير.
الثاني: إناث خلّص ويرثن بالتقدير للواحدة النصف، وللثنتين فأزيد الثلثان.
الثالث: مختلط من الجنسين ويرثون بلا تقدير؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأما قوله ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"؛ فيؤخذ منه إرث من عدا الأصول والفروع والإخوة، وأنه لا يرث منهم إلا الذكور بلا تقدير، يقدم الأولى فالأولى كالعم على ابنه، والشقيق على الذي لأب.
ويؤخذ من قوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ "لأنفال: من الآية٧٥"إرث ذوي الأرحام وهم من سوى أهل الفرائض والعصب، ولكن هذه الآية ليست نصًا في الميراث، فمن ثَمّ اختلف أهل العلم في إرث ذوي الأرحام، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
1 / 9
علم الفرائض
حدّه ــ موضوعه - ثمرته - حكمه
حدّه: العلم بقسمة المواريث فقهًا وحسابًا.
موضوعه: التركات وهي ما يخلفه الميت من أموال وحقوق واختصاصات.
ثمرته: إيصال كل وارث ما يستحقه من التركة، ومن ثم نعرف أهميته وحكمه.
حكمه: فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الباقين سنة.
الحقوق المتعلقة بالتركة
يتعلق بالتركة خمسة حقوق مرتبة بحسب أهميتها كالآتي:
١ - مؤن تجهيز الميت: من ثمن ماء تغسيله، وكفنه، وحنوطه، وأجرة الغاسل، وحافر القبر، ونحو ذلك؛ لأن هذه الأمور من حوائج الميت، فهي بمنزلة الطعام والشراب واللباس والسكن للمفلس.
٢ - ثم الحقوق المتعلقة بعين التركة: كأرش جناية العبد المتعلق برقبته، والدَّين الذي فيه رهن، وإنما قدمت على ما بعدها لقوة تعلقها بالتركة حيث كانت متعلقة بعينها.
وعند الأئمة الثلاثة - مالك وأبي حنيفة والشافعي -: تقدم
1 / 11
هذه الحقوق على مؤن التجهيز؛ لأن تعلقها بعين المال سابق، وعلى هذا فيقوم بمؤن التجهيز من تلزمه نفقة الميت إن كان، وإلا ففي بيت المال، وهذا القول كما ترى له حظ من النظر، والله أعلم.
٣ - ثم الديون المرسلة التي لا تتعلق بعين التركة، كالديون التي في ذمة الميت بلا رهن، سواء كانت لله كالزكاة والكفارة، أم للآدمي كالقرض والأجرة وثمن المبيع ونحوها، ويسوّى بين الديون بالحصص إن لم تف التركة بالجميع، سواء كان الدَّين لله أم للآدمي، وسواء كان سابقًا أم لاحقًا.
وإنما قدّم الدَّين على الوصية لما روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: إنكم تقرؤون ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن﴾ "النساء: من الآية١٢"
وإن رسول الله ﷺ قضى بالدَّين قبل الوصية ١.
_________
١ علقه البخاري ووصله أحمد "١/٧٩" والترمذي "٢٠٩٧" كتاب الفرائض،
٥- باب ماجاء في ميراث الإخوة من الأب والأم. وقال: تكلم بعض أهل العلم في الحارث.
وقال ابن كثير "١/٤٦٠": لكنه كان حافظا للفرائض معتنيا بتا وبالحساب.
ورواه ابن ماجه "٢٧١٥" كتاب الوصيا، ٧- باب الدين قبل الوصية.
صححه ابن ماجه "٩٥٠" وحسنه الألباني، وضعفه البهقي "٦/٢٦٧" وقال الحافظ في "الفتح" "٥/٣٧٧"، وهو إسناد ضعيف، لكن قال الترمذي: إن العمل على مقتضاه. وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، وإلا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به. وقد أورد في الباب ما يعضده أيضا. ولإجماع حكاه غير الترمذي وابن حجر جمع منهم ابن الملقن في "تحفة المحتاج" "١٣٣٨".
1 / 12
وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أنه يعضده المعنى والإجماع؛
أما المعنى فلأن الدَّين واجب على الميت والوصية تبرع منه، والواجب أولى بالتقديم من التبرع.
وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على تقديم الدَّين على الوصية.
فإن قيل: فما الحكمة في تقديم الوصية على الدين في الآية الكريمة؟
فالجواب: إن الحكمة - والله أعلم - هو أن الدَّين واجب والوصية تبرع؛ والتبرع ربما يتساهل به الورثة ويستثقلون القيام به فيتهاونون بأدائه بخلاف الواجب، وأيضًا؛ فالدَّين له من يطالب به، فإذا قُدِّر أن الورثة تهاونوا به فصاحبه لن يترك المطالبة به، فجبرت الوصية بتقديم ذكرها، والله أعلم.
٤ - ثم الوصية بالثلث فأقل لغير وارث.
فأما الوصية للوارث فحرام غير صحيحة، قليلة كانت أو كثيرة؛ لأنّ الله قسّم الفرائض ثم قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ . "النساء:١٣" ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ . "النساء:١٤"
والوصية للوارث مِنْ تعدِّي حدود الله؛ لأنها تقتضي زيادة
1 / 13
بعض الورثة عما حدَّ الله له وأعطاه إياه، وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" ١. رواه الخمسة إلا النسائي، وقد أجمع العلماء على العمل بمقتضى هذا الحديث.
لكن إن أجاز الورثة المرشدون الوصية لأحد من الورثة، نفذت الوصية؛ لأن الحق لهم، فإذا رضوا بإسقاطه سقط، ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" ٢. رواه الدارقطني.
_________
١ رواه أبو داود "٢٨٧٠" كتاب الوصايا، باب ماجاء في الوصية للوارث.
والترمذي "٢١٢٠" كتاب الوصايا، ٥- باب ماجاء لا وصية لوارث، وقال: حسن صحيح.
وابن ماجه "٢٧١٣" كتاب الوصايا، ٦- باب لاوصية لوارث.
وأحمد في "المستند" "٥/٢٦٧".
٢ رواه الدارقطني "٤/١٥٢" كتاب الوصايا.
وعنه البهيقي "٦/٢٦٣" كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأفربين والوارثين.
وأبو داود في "المراسيل" "٣٤٩"، ٦٣- ما جاء في الوصايا وقال: عطا الخراساني لم يدرك ابن عباس.
وضعفه ابن حزم.
قال الحافظ في "الدراية" "٢/٢٩٠": رجاله لا بأس بهم، ولم يجب عن الانقطاع. وثبته في "التخليص" "٣/٩٢".
وله شاهد من حديث عمرو بن خارجة عند:
الترمذي "٢١٢١" كتاب الوصايا، ٥- باب ما جاء لا وصية لوارث.
وقال: حسن صحيح. والنسائي "٦٤٦٨" كتاب الوصايا، ٥- باب إبطال الوصية للوارث وابن ماجه "٢٧١٢" كتاب الوصايا، ٦- باب لاوصية لوارث. وصححهما الألباني.
1 / 14
وأما الوصية لغير الوارث فإنها تجوز وتصح بالثلث فأقل، ولا تصح بما زاد عليه؛ لأن الثلث كثير، فيدخل ما زاد عليه بالمضارة، ولحديث ابن عباس أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع! فإن النبي ﷺ قال: "الثلث والثلث كثير" ١ متفق عليه.
فإن أجاز الورثة المرشدون الوصية بما زاد على الثلث صح ذلك؛ لأن الحق لهم فإذا رضوا بإسقاطه سقط.
وقد اختلف العلماء ﵏: متى تعتبر إجازة الورثة الوصية للوارث أو بما زاد على الثلث؟
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه: أنها لا تعتبر إلا بعد الموت، فلو أجازوا قبله لم تصح الإجازة ولهم الرجوع.
والراجح أن الإجازة إن كانت في مرض موت المورث صح وليس لهم الرجوع، وإن كانت في غير مرض موته لم تصح ولهم الرجوع، وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ذكره في "بدائع الفوائد" صفحة "٤" من الجزء الأول".
_________
= قال ابن عبد البر في "التمهيد" "١٤/٢٩٩": هذا إجماع علماء المسلمين.
قال ابن المنذر في "الإجماع" "ص٨١": وأجمعوا على أن لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك.
قال ابن حزم "١١٣": واختلفوا إذا أذن في ذلك سائر الورثة وأجازوه، أيجوز أم لا؟.
١رواه البخاري "١٢٩٥"كتاب الجنائز، ٣٧- باب رثى النبي صالى الله عليه وسلم سعد بن خولة، ومسلم "١٦٢٨".
1 / 15
٥- ثم الإرث لأن الله سبحانه قال بعد قسمة المواريث: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَار﴾ "النساء: من الآية١٢"ويبدأ بذوي الفروض وما بقي فللعصبة لقول النبي ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" ١ متفق عليه، فإن لم يكن عصبة ردّ على ذوي الفروض بقدر فروضهم، إلا الزوجين. فإن لم يكن عصبة، ولا ذوو فرض يرد عليهم، فلذوي الأرحام؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ "لأنفال: من الآية٧٥"، فإن لم يكن ورثة فلبيت المال.
"تنبيه": إذا قيل: ما معنى تقديم الوصية على الإرث، مع أنها لا ينفذ منها - إذا لم تجز الورثة - إلا الثلث، والباقي للورثة؟
فالجواب: أن معناه أن الموصَى به يُخْرَجُ من التركة قبل المواريث كاملًا، ثم يقسم الباقي على الورثة كتركة مستقلة فيدخل النقص عليهم دون الوصية، ويتبين ذلك بالمثال:
فإذا هلكت امرأة عن زوجها وأختها الشقيقة وقد أوصت بالثلث؛ فالمسألة من ثلاثة: للوصية الثلث واحد، ويبقى اثنان هي التركة الموروثة؛ للزوج نصفها وهو واحد، وللأخت نصفها وهو واحد.
فأنت تعرف في هذا المثال أن للوصية الثلث، وللزوج النصف، وللأخت النصف، ولم يحصل لكل من الزوج والأخت حقيقة إلا الثلث.
أما الوصية فَأُعْطِي الموصَى له الثلث كاملًا، وصار النقص على الورثة. ولو قلنا بعدم تقديم الوصية لجعلنا الثلث الموصَى به
_________
١ سبق "ص٦" وأنه في "الصحيحين".
1 / 16
كثلث مفروض؛ فتكون المسألة من ستة، وتعول إلى ثمانية؛ للوصية الثلث اثنان، وللزوج النصف ثلاثة، وللأخت النصف ثلاثة، وتعول إلى ثمانية فيدخل النقص على الجميع.
وخلاصة ما سبق أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة مرتبة كالآتي:
الأول: مؤن التجهيز.
الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة، ومذهب الأئمة الثلاثة أن هذا مقدّم على مؤن التجهيز.
الثالث: الديون المرسلة.
الرابع: الوصية لغير وارث بالثلث فأقل.
الخامس: الإرث.
1 / 17
الإرث
أركانه - شروطه - أسبابه - موانعه - أقسامه
أركان الإرث ثلاثة: مورِّث، ووارث، وموروث.
فالمورِّث: من انتقلت التركة منه وهو الميت.
والوارث: من انتقلت التركة إليه.
والموروث: التركة.
وشروط الإرث ثلاثة:
- أحدها: موت المورِّث حقيقة أو حكمًا.
- الثاني: حياة الوارث بعده ولو لحظة، حقيقة أو حكمًا.
- الثالث: العلم بالسبب المقتضي للإرث.
أما موت المورِّث فلقوله تعالى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك﴾ "النساء: من الآية١٧٦"والهلاك الموت، وتركه لماله لا يكون إلا بعد انتقاله من الدنيا إلى الآخرة.
ويحصل تحقق الموت بالمعاينة والاستفاضة وشهادة عدلين.
وأما الموت حكمًا: فذلك في المفقود إذا مضت المدة التي تحدد للبحث عنه؛ فإننا نحكم بموته إجراء للظن مجرى اليقين عند تعذره، لفعل الصحابة ﵃.
وأما اشتراط حياة الوارث بعد موت مورِّثه؛ فلأن الله تعالى
1 / 18
ذكر في آيات المواريث استحقاق الورثة باللام الدالة على التمليك، والتمليك لا يكون إلا للحي.
ويحصل تحقق حياته بعد موت مورثه بالمعاينة، والاستفاضة، وشهادة عدلين.
وأما حياة الوارث حكمًا: فمثلوا له بالحمل يرث من مورثه إذا تحقق وجوده حين موت مورثه، وإن لم تنفخ فيه الروح بشرط خروجه حيًا.
وأما اشتراط العلم بالسبب المقتضي للإرث؛ فلأن الإرث مرتب على أوصاف كالولادة والأبوة والأخوة والزوجية والولاء ونحو ذلك، فإذا لم نتحقق وجود هذه الأوصاف، لم نحكم بثبوت ما رتب عليها من الأحكام؛ لأن من شروط ثبوت الحكم أن يصادف محله، فلا يحكم بالشيء إلا بعد وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه.
ومعنى العلم بالسبب المقتضي للإرث: أن تعلم كيف يتصل الوارث بالمورث؛ هل هو زوج أو قريب أو ذو ولاء أو نحو ذلك؟ لكن ههنا حالان:
إحداهما: أن يكون للميت وارث معلوم فيدعي آخر أنه أولى بإرث الميت منه؛ ففي هذه الحال لا بد أن نعلم بكيفية اتصال المدعي بالميت، وبمنزلته منه أيضًا؛ بأن نعلم أنه أخوه أو عمه أو ابن أخيه أو ابن عمه، وهل هو بعيد المنزلة من الميت أو قريب؛ لتعلم بذلك أيهما أولى بالإرث، ولا يكفي في هذه الحال أن تعلم أنه قريبه ونحوه؛ لئلا ندفع به حق الوارث المعلوم بلا علم.
1 / 19
الثانية: أن لا يكون للميت وارث معلوم ففي هذه الحال يكفى أن نعلم أنه قريبه أو من قبيلته ونحوه، ويستأنس لهذا بما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: مات رجل من خزاعة فأتى النبي ﷺ بميراثه فقال: "التمسوا وارثًا أو ذا رحم"، فلم يجدوا له وارثًا ولا ذا رحم، فقال النبي ﷺ: "انظروا أكبر رجل من خزاعة". رواه أبو داود"١".
وأسباب الإرث ثلاث: نكاح، ونسب، وولاء.
فالنكاح عقد الزوجية الصحيح؛ فيرث به الزوج من زوجته والزوجة من زوجها بمجرد العقد، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم﴾ ."النساء: من الآية١٢" ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ ."النساء: من الآية١٢": ١٢] . والمرأة تكون زوجة بمجرد العقد ولا تكون زوجة إلا بعقد صحيح، وروى الخمسة من حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود: أنه قضى في امرأة توفي عنها زوجها ولم يكن دخل بها أن لها الميراث، فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي ﷺ قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى به. وصححه الترمذي"٢".
_________
١ رواه أبو داود "٢٩٠٣، ٢٩٠٤" كتاب الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام، والنسائي "٦٣٩٤" كتاب الفرائض، ٢٨- توريث ذوي الأرحام.
وأحمد "٥/٣٤٧".
وضعفه المنذري والألباني.
٢ رواه أحمد "١/٤٣٠".
وأبو داواد "٢١١٤ - ٢١١٦" كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات. والترمذي "١١٤٥" كتاب النكاح، ٤٤- باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها. وقال: حسن صحيح
1 / 20
والنسب: هو الرحم، وهو الاتصال بين إنسانين بولادة قريبة أو بعيدة، لقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ ."لأنفال: من الآية٧٥"
والولاء: ولاء العتاقة وهي العصوبة التي تثبت للمُعْتِقِ وعصبته المتعصبين بأنفسهم، سواء كان العتق تبرعًا أو عن واجب؛ من نذر أو زكاة أو كفارة؛ لعموم قول النبي ﷺ: "إنما الولاء لمن أعتق" ١. متفق عليه.
_________
= والنسائي "٥٥١٥" كتاب النكاح، ٧٠- إباحة التزوج بغير من صداق.
وابن ماجه "١٨٣١" كتاب النكاح، ١٨- باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك.
وصححه ابن حزم والألبان، والحاكم "٢/١٩٦-١٩٧".
١ رواه البخاري "٢١٥٥" كتاب البيوع، ٦٧- باب البيع والشراء مع النساء، ومسلم "١٥٠٤" كتاب العتق، ٢- باب إنما الولاء لمن أعتق.
من حديث عائشة.
1 / 21
فروع تتعلق بأسباب الإرث
الفرع الأول: يمتد التوارث بين الزوجين إلى أن تحصل البينونة بينهما بطلاق أو فسخ، فإذا حصلت البينونة انقطع التوارث بينهما، وعلى هذا فيثبت التوارث بين الزوجين في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة؛ لأن الرجعية لا تبين إلا بانقضاء عدتها.
وأما الفسخ والطلاق البائن فينقطع التوارث فيهما بين الزوجين بمجرد الفرقة، إلا أن تقع من أحدهما في حال يتهم فيها بقصد حرمان الآخر من الإرث؛ فإن المتهم يُوْرَث ولا يَرِث معاقبة له بنقيض قصده السيّئ، ومثَّلوا لذلك بأمثلة منها:
١- أن يطلق زوجته في مرض موته المخوف متهمًا بقصد حرمانها، فلا يرثها لو ماتت؛ لأن البينونة منه، وأما هي فترثه ما دامت في العدة، وأما بعد انقضائها فلا ترثه في قول أبي حنيفة وأصحابه وقديم قولي الشافعي، وعن أحمد ما يدل عليه، لكن المشهور عنه أنها ترثه ما لم تتزوج، قال الأصحاب: أو ترتد، فإن ارتدت أو تزوجت سقط إرثها سواء عادت إلى الإسلام أم لا، وسواء فارقها الزوج الثاني أم لا. وقال مالك: لا يسقط إرثها بالزواج فترث ولو كانت مع الزوج، والله أعلم بالصواب.
وفي هذا المثال التهمة من الزوج.
٢ - أن تفعل الزوجة في مرض موتها المخوف، ما يفسخ نكاحها من زوجها متهمة بقصد حرمانه، مثل: أن يعقد عليها
1 / 22
لطفل صغير فترضعه رضاعًا تثبت به الأمومة، فإن النكاح ينفسخ ويرث منها لو ماتت ولا ترثه.
والتهمة في هذا المثال من الزوجة.
الفرع الثاني: القرابة ثلاثة أصناف أصول، وفروع، وحواشي.
فالأصول: من لهم ولادة على الشخص كالأم والأب وإن عَلَوا، والوارث منهم:
١ - كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى، كالأب وأبيه، وإن علا بمحض الذكور، فإن كان بينه وبين الميت أنثى فهو من ذوي الأرحام كأبي الأم ونحوه.
٢ - كل أنثى ليس بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى، كالأم وأمها وأم الأب وأم الجد وإن علون بمحض الإناث، فإن كان بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى فهي من ذوي الأرحام كأم أبي الأم؛ لأنها مدلية بمن هو من ذوي الأرحام، فكانت من ذوي الأرحام.
واختلف أهل العلم في الجدة المدلية بذكر وارث فوق الأب كأم الجد وأبيه وإن علت، والصواب أنها وارثة لأنها مدلية بوارث كأم الأب، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. قال في "المغني": وروي عن ابن عباس، قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذًا. انتهى.
والفروع: كل من للشخص عليهم ولادة كالأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والوارث منهم كل من ليس بينه وبين الميت أنثى، كالأولاد وأولاد الأبناء، فأما من بينه وبين الميت أنثى كأولاد البنات فمن ذوي الأرحام.
1 / 23
والحواشي: فروع الأصول كالإخوة والأعمام وأبنائهم، وإن نزلوا، والوارث منهم:
١ - الأخوات مطلقًا، فأما غيرهن من إناث الحواشي فمن ذوي الأرحام؛ كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت العم ونحوهن.
٢ - الإخوة من الأم دون فروعهم.
٣ - كل ذكر أدلى بذكر كالإخوة والأعمام لغير أم وأبنائهم، فأما المدلي بأنثى كالخال والعم لأم وابن الأخت ونحوهم فمن ذوي الأرحام.
الفرع الثالث: لا يرث بالولاء إلا المُعْتِق وعصبته المتعصبون بأنفسهم؛ كابن المعتق وأبيه وجده وأخيه لغير أم ونحوهم، وذلك لأن الولاء يورث به ولا يورث، هذا قول جماهير العلماء، وقال شريح: "إن الولاء يورث كما يورث المال، فلا يختص بالعصبة المتعصبين بأنفسهم"، وهو مروي عن الإمام أحمد.
فلو مات العتيق عن ابن معتقه وابنة معتقه فالمال للابن فقط على قول الجمهور؛ لأنه عاصب بنفسه، وليس للبنت شيءٌ لأنها عاصبة بغيرها، وعلى قول شريح المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
الفرع الرابع: ليس للميراث سبب غير هذه الأسباب الثلاثة عند جمهور العلماء، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية عند عدم الأسباب المذكورة أسبابًا أُخر، وهي: الموالاة، والمعاقدة، والإسلام على يديه، والالتقاط، وكونهما من أهل الديوان، وقال: هو رواية عن الإمام أحمد، قال: "ويرث المولى من أسفل وهو العتيق عند عدم الورثة، وقاله بعض العلماء". انتهى.
1 / 24
وفي بعض ذلك أحاديث في "السنن" منها:
١ - عن ابن عباس أن النبي ﷺ آخى بين أصحابه، وكانوا يتوارثون بذلك حتى نزل قوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ "لأنفال: من الآية٧٥"
]، فتوارثوا بالنسب. رواه أبو داود والدارقطني"١"، وفي إسناده من فيه مقال.
٢- عن قبيصة عن تميم الداري قال: سألت رسول الله ﷺ: ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد رجل من المسلمين؟ فقال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته". رواه الخمسة وصححه أبو زرعة، وقال الشافعي: ليس بثابت. وقال الترمذي: ليس بمتصل"٢".
_________
١ رواه الدراقطني "٤/٨٨".
والطبراني في "الكبير" "١١/٢٨٤/١١٧٤٨"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" "٧/٢٨": رجاله رجال الصحيح.
ويلاحظ أن لفظ أبي داود "٢٩٢١، ٢٩٢٤" في إرث الحلف لا إرث المؤاخاة. كتاب الفرائض، باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم.
وانظر عنده "٢٩٢٢". وكلها صححها الشيخ الألباني.
٢ علقه البخاري في "صحيحه".
قال: ويذكر عن تميم الداري واختلفوا في صحة الخير.
وجزم في "التاريخ الكبير" "٥/١٩٨" أنه لا يصح.
ووصله الترمذي "٢١١٢" كتاب الفرائض، باب في الرجل يسلم على يدي الرجل.
وابن ماجه "٢٧٥٢" كتاب الفرائض، ١٨- باب الرجل يسلم على يدي الرجل. =
1 / 25