موعودة بعد غد. خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به، ونحن بنو اليوم، وهذا عيش حاضر كيف نتركه لعيش غائب في بلد بعيد لا ندري متى نصل إليه؟ ونهض من كل ألف واحد وقالوا: ما مقامنا هنا
14
في ظل زائل تحت شجرة قد دنا قلعها وانقطاع ثمرها، وموت أطيارها، ونترك المسابقة إلى الظل الظليل الذي لا يزول، والعيش الهنيء الذي لا ينقطع، إلا من أعجز العجز
15
وهل يليق بالمسافر إذا استراح تحت ظل أن يضرب خباءه عليه، ويتخذه وطنه خشية التأذي بالحر والبرد؟ وهل هذا إلا أسفه السفه؟ فالسباق السباق والبدار البدار! فاقتحموا حلبة السباق، ولم يستوحشوا من قلة الرفاق، وساروا في ظهور العزائم، ولم تأخذهم في سيرهم لومة لائم، والمتخلف في ظل الشجرة نائم، فما كان إلا قليل حتى ذوت أغصان تلك الشجرة، وتساقطت أوراقها، وانقطع ثمرها، ويبست فروعها، وانقطع مشربها، فقلعها قيمها من أصلها، فأصبح أهلها في حر السموم يتقلبون، وعلى ما فاتهم من العيش في ظلها يتحسرون، ثم أحرقها فصارت هي وما وحولها نارا تلظى، وأحاطت النار بمن تحتها فلم يستطع أحد منهم الخروج، فقالوا: أين الركب الذين استظلوا معنا تحت ظلها، ثم راحوا وتركوه؟ فقيل لهم: ارفعوا أبصاركم تروا منازلهم! فرأوهم من البعد في قصور مدينة الملك وغرفها يتمتعون بأنواع اللذات، فتضاعفت عليهم الحسرات وهذا جزاء المتخلفين.
16
وبقيت عند ابن القيم أمثلة لا تقل قيمة عما أسلفناه، وهي تدور حول محور واحد، ولا تختلف إلا بالصور والأشكال، وهذا وجه البراعة عند أولئك الناس، فالمعنى واحد، ولكن الأداء يختلف، كأنما يتسابقون في التزيين والتلوين. فإذا تأمل القارئ هذا عرف كيف استطاع التصوف أن يخلق ما شاء من الصور الأدبية، وكيف انتقلت الأخيلة على أقلام الصوفية من لون إلى لون، في براعة وحذق، وقوة تصوير وتهويل.
والمعاني النفسية لا تقل في هذا خطرا عن المعاني الأدبية، ففي هذه الصور تصغير وتحقير لمن ينسون الآجل الخالد حين يفتنهم العاجل العابر بما فيه من زخرف وبريق، وفي هذا وذاك هداية للنفس ومتعة للخيال.
حكم ابن عطاء الله السكندري1
سيرورة الحكم العطائية
অজানা পৃষ্ঠা