ولعل هذا كان مما دفع باحثا مثل «جولدتسيهر» إلى تلمس مصادر الزهد العتاهي في الأفكار، والمثل الهندية التي تسربت إلى المسلمين في القرن الثاني من الهجرة، يقول جولدتسيهر في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام»: «نخلص من هذا إلى بيان هذه الحقيقة، وهي أن الفكرة الدينية المسماة بالزهد التي صادفت الإسلام السني، والتي لا تتفق مع السمات المألوفة التي نعرفها في التصوف الإسلامي، تكشف عن آثار قوية تدل على تسرب المثل الأعلى للحياة عند الهنود إلى الإسلام، ومن أعظم المعبرين عن فكرة الزهد هذا الشاعر أبو العتاهية الذي عرض نموذجا للرجل الفاضل الجليل بقوله:
يا من ترفع للدنيا وزينتها
ليس الترفع رفع الطين بالطين
إذا أردت شريف الناس كلهم
فانظر إلى ملك في زي مسكين
أو ليس هذا هو بوذا.»
ويناقش «نيكولسون» في كتابه: «التاريخ الأدبي للعرب» فكرة جولدتسيهر على أساس أن هذين البيتين يحتملان تأويلا آخر وأنه ليس من الضروري أن يكون زهد أبي العتاهية هنا متجها إلى بوذا والتعاليم البوذية، غير أن نيكولسون يعقب على ذلك بقوله: «نعم، إن كثيرا من ديوان أبي العتاهية ليس دينيا خالصا بالمعنى الإسلامي، وربما صح أن يسمى فلسفيا، وقد كان هذا كافيا للحكم عليه بالزندقة والإلحاد في أعين معاصريه من اللاهوتيين المتزمتين الذين كانوا ينظرون شزرا إلى كل تعاليم أخلاقية ليست مصوغة في قالب العقيدة، وربما كان السبب الظاهر الذي قيل في حبس الرشيد إياه من أنه امتنع عن قول الغزل ليس إلا صورة شعبية للحقيقة الواقعة من أنه دأب على نظم قصائد دينية تميل ميلا خطرا إلى ناحية التفكير الحر.»
ويذهب «أحمد أمين بك» في «ضحى الإسلام» إلى أن أبا العتاهية كان زعيم النزعة الفارسية في الزهد العربي وأنه «أتى في هذا الباب بما لم يسبق إليه، وزاد في معانيه زيادة بشار وأبي نواس في أدب اللهو والمجون، وأصح تعبير في ذلك أن نقول: إنه فلسف الزهد وملأ الأدب العربي في عصره بالموت والتخويف منه ومما بعده واحتقار اللذة، والجد في الهرب منها.»
3
ثم يقول المؤلف: «وعلى الجملة، فالشعر الديني الذي كان يحمل لواءه في ذلك العصر «صالح بن عبد القدوس» و«أبو العتاهية» فيه نزعة ثنوية كان ينزعها الفرس قديما، ولنا أن نقول الآن إنه إن كان في نزعة بشار الإباحية عنصر مزدكي، ففي نزعة أبي العتاهية الزاهد عنصر مانوي.»
অজানা পৃষ্ঠা