তাসাউফ ওয়া ইমাম শারানী
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
জনগুলি
بين يدي الطبعة الثانية
الأفق الأعلى
نشأته وحياته
الشعراني طالب العلم
شيوخه في الطريق
الشعراني والخواص
الشعراني في مدرسة خوند
الشعراني والخليفة
زاوية الشعراني
إلى الملأ الأعلى
অজানা পৃষ্ঠা
رسالة التصوف
التصوف الإسلامي والمعارف العالمية
الطريق الرباني والمعارف الإلهية
هل تتعارض المعارف الصوفية مع القرآن والسنة؟
التصوف المفترى عليه
التصوف بريء من وحدة الوجود
مقام الفناء وأخطاء الحلوليين
مقام الفناء وابن تيمية
جهاد الشعراني
بين الشعراني وأدعياء التصوف
অজানা পৃষ্ঠা
موقف الشعراني من المتصوفة العاطلين
الشعراني وفقهاء الأزهر
فقهاء عصر الشعراني
ثورة الأزهر على الشعراني
الشعراني وعلماء الكلام والتوحيد
الجن والأرواح والعوالم غير المنظورة
الشعراني المفترى عليه حيا وميتا
صلاته بالملوك والوزراء
الزعيم الروحي والشعبي
الشعراني رجل المثالية الخلقية
অজানা পৃষ্ঠা
بين يدي الطبعة الثانية
الأفق الأعلى
نشأته وحياته
الشعراني طالب العلم
شيوخه في الطريق
الشعراني والخواص
الشعراني في مدرسة خوند
الشعراني والخليفة
زاوية الشعراني
إلى الملأ الأعلى
অজানা পৃষ্ঠা
رسالة التصوف
التصوف الإسلامي والمعارف العالمية
الطريق الرباني والمعارف الإلهية
هل تتعارض المعارف الصوفية مع القرآن والسنة؟
التصوف المفترى عليه
التصوف بريء من وحدة الوجود
مقام الفناء وأخطاء الحلوليين
مقام الفناء وابن تيمية
جهاد الشعراني
بين الشعراني وأدعياء التصوف
অজানা পৃষ্ঠা
موقف الشعراني من المتصوفة العاطلين
الشعراني وفقهاء الأزهر
فقهاء عصر الشعراني
ثورة الأزهر على الشعراني
الشعراني وعلماء الكلام والتوحيد
الجن والأرواح والعوالم غير المنظورة
الشعراني المفترى عليه حيا وميتا
صلاته بالملوك والوزراء
الزعيم الروحي والشعبي
الشعراني رجل المثالية الخلقية
অজানা পৃষ্ঠা
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
تأليف
طه عبد الباقي سرور
بين يدي الطبعة الثانية
منذ خمسة عشر عاما وهذا القلم ينطلق على أجنحة من هدى الله وتوفيقه، ليحلق في سموات التصوف وآفاقه، يقتبس من كل نجم أبهى أشعته، ومن كل زهر أطهر عبيره، ومن كل لحن أسمى أنغامه، ويمزج الطهر بالخير، والنور بالعطر، والشعاع باللحن، والجمال بالإيمان، ثم يتجلى رضاء الله فتتحول كل هذه المبهجات إلى كلمات مؤمنات مشرقات تضج بالحياة، وتنبض بالقوة، وتقدم زادا روحيا للقلوب المتفتحة، ونغما علويا للأرواح العابدة، ومنهاجا وضاء هاديا لخير أمة أخرجت للناس.
منذ خمسة عشر عاما كان مولد هذه الدراسات الصوفية التي تتابعت أجزاؤها، وتماسكت حلقاتها، واتحدت لبناتها في سبيل السمو والشموخ بالصرح الصوفي الذي تترقبه القلوب العابدة، وتأمل أن يكون حصنا من حصون الإيمان، ونقطة ارتكاز قوية للوثبة الإسلامية الكبرى.
وشاءت عناية الله - ونحن أرقاء هذه العناية - أن يستقبل العالم الإسلامي هذه الدراسات استقباله لأضواء الفجر، وقطرات الغيث، فنفدت طبعاتها سراعا، ولا يزال الحب يطالب بها، ويلح عليها، ويسر الله - جل جلاله - فأعيدت طبعات كتابي «الغزالي» و«محيي الدين»، وها هي ذي الطبعة الثانية من «التصوف الإسلامي والإمام الشعراني» محررة منقحة، مضافا إليها زيادات وتعقيبات لم تتيسر لنا في الطبعة الأولى، نقدمها لعشاق التصوف والروحانية الإسلامية، شاكرين فخورين. وما توفيقنا إلا بالله رب العالمين.
وهذا الكتاب هو واسطة العقد من هذه الدراسات؛ فقد تميز بمناهج كاملة للتصوف وأهدافه ورسالاته، وما يحمل بين أجنحته من خير وهدى ورحمة للموقنين.
كما عني عناية كبرى بتنقية التصوف من كل ما نسب إليه ودس عليه من مذاهب فلسفية، ودجليات شعبية، مما امتلأت به حقائب التاريخ، وفاضت به صحف المغرضين ولحونهم.
অজানা পৃষ্ঠা
إنه لصورة كاملة للثروة الصوفية الضخمة، صورة صادقة لأقوى روحانية عالمية مشت بين الناس بالسلام والجمال، والخير والحب، واليقين المشرق المبين.
ولقد جاءت هذه الطبعة الجديدة في ميقاتها الذي أراده الله، جاءت لتكون ردا حاسما على هؤلاء الذين أمسكوا بمزمار إبليس، وراحوا يريقون السحر الخادع المضلل هنا وهناك، لينالوا من التصوف والمتصوفة، وليتسللوا إلى منائر الإيمان محطمين مدمرين.
هؤلاء الذين ملئوا أفواههم بكلمات كأنها رءوس الشياطين غلظة وبشاعة، محاولين أن ينقضوا الصرح من أساسه، ويحطموا المحراب على الساجدين العابدين.
لقد أمسكوا وحدهم برحمة الله، ويبيعون الجنة لأنصارهم، واللظى والكفر والمروق لغير الساجدين على عتبات من يسجدون لهم، كل شيء بدعة، وكل شيء ضلالة، وكل تسبيحة جحود، وكل تكبيرة مروق إلا تكبيراتهم هم؛ حيث يحلو لهم التكبير والتهليل.
ولن نقف طويلا مع خصوم التصوف التاريخيين. لقد صاحوا حتى شقت حناجرهم عبر القرون، ثم ذهبوا قبضة من رماد، وصيحة من شيطان، ذهبوا إلى الفناء، وبقي التصوف بمنابره ومنائره، ومواجيده ولحونه، يرشد الناس إلى ربهم، ويأخذ بأيديهم إلى الحياة الصاعدة الطاهرة.
ولست أدري كيف تكون الحياة لو خلت من ذلك الإيمان الصوفي القوي الحار الذي يملأ سموات الوجود بألحان الحب، وموسيقى السلام، ووثبات الأرواح، وأشواق القلوب.
إن المتصوفة لعمالقة بين أقزام، عمالقة في جهادهم لأنفسهم، عمالقة في أسلوب حياتهم، وألوان تعبداتهم، ومثالياتهم المجنحة المتعالية.
وحسب النهج الصوفي أن الله - جل جلاله - خلده في قرآنه خلودا لا يدنو منه الفناء:
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .
تلك هي حجتنا، وهذه آيتنا.
অজানা পৃষ্ঠা
وبعد ... ترى هل ذهبنا بعيدا ونحن نقدم كتابنا؟ إن الدفاع عن التصوف لهدف من أكبر أهدافنا، وعلى هذا الضوء تكون تلك الكلمات مقدمة طبيعية بين يدي «التصوف الإسلامي والإمام الشعراني».
وتبارك رب العزة القائل:
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين .
طه عبد الباقي سرور
20 / 12 / 1955
الأفق الأعلى
الشعراني هو آخر نجم بزغ في الأفق الأعلى؛ الأفق الأعلى للتفكير الإسلامي والنهج الصوفي.
ولقد درج التصوف مع الإسلام منذ يومه الأول أفقا خاصا للقلوب المتصدعة من خشية الله، المتفجرة الينابيع بحبه ونجواه، وسماء مجلوة للعقول السابحة في عجائب الكون، المفكرة في ملكوت السموات والأرض وما فيهما من آيات للموقنين، العقول التي أودع فيها المهيمن نور الحكمة، ورزقها جلاء البصيرة، وفتوحات العبادة والطاعة، واتقوا الله ويعلمكم الله.
والقلب المتصدع العابد، والعقل المفكر المؤمن، والنفس المطمئنة الذاكرة المحبة يؤلفون معا النفحة العلوية، المعلمة الملهمة، التي ترتفع بالإنسان وترتفع حتى يكون من الملهمين الربانيين المندرجين تحت أفق قوله تعالى:
অজানা পৃষ্ঠা
عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما .
إن شئت فسم تلك المثاليات بالتصوف أو بالأفق الأعلى، وإن أحببت فليكن عنوانها نورانية العبودية أو الروحانية الإسلامية.
فالتصوف هو جماع تلك المثاليات، وهو الذي يرسم الأفق الأعلى لمن يتسامى، الأفق الأعلى المشرق بالروحانية الإسلامية، الأفق الأعلى الذي تتجلى فيه العبودية الكاملة بأنوارها وإلهاماتها.
وسبيل التصوف إلى تلك الآفاق هو الاستعداد الفطري الممثل في الحب الإلهي، ثم الذكر الدائم، والخلق الكامل، والتطوع المتواصل لما فوق الفرائض والنوافل.
وفي الحديث القدسي: «فلا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولإن استعاذني لأعيذنه.»
تلك هي مرتبة النوافل، وما أدراك ما هي؟ ولكن فوقها مرتبة التطوع الدائم؛ وهي جعل الحياة كلها ذكرا وعبادة
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ،
كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون ،
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما .
وأفق تلك المرتبة؛ مرتبة العبودية الكاملة، الأثر المشهور: «عبدي أطعني تكن ربانيا؛ تقول للشيء: كن فيكون.»
অজানা পৃষ্ঠা
وهذا الأفق جبار المرتقى لا يذلل لكل طالب، فلا يطيقه ولا يصبر عليه إلا صفوة من عباد الرحمن الذين اجتباهم واصطفاهم، وجعلهم أئمة وهداة وورثة لأنوار النبوة المحمدية
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم .
وليس ما نقول ضربا من الأشواق الوجدانية والسبحات الخيالية؛ «فقد روى أنس - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يمشي إذ استقبله رجل شاب من الأنصار، فقال له النبي - صلوات الله عليه: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنا بالله حقا، قال: انظر ما تقول؛ فإن لكل قول حقيقة، قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، فكأني بعرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وإلى أهل النار كيف يتعاوون فيها، قال: أبصرت فالزم. عبد نور الله الإيمان في قلبه.»
وفي رواية أخرى عن محمد بن الحسن: «لكأني أنظر إلى ربي - عز وجل - فوق عرشه يقضي بين خلقه.»
ذلك عبد نور الله الإيمان في قلبه. وما أجمل وأحلى هذا التعبير النبوي! فعاش في الأفق الأعلى، فتجلت عليه روح الإسلام، فحلق بأجنحة قلبه النورانية حتى رأى الملكوت الأسنى، فشاهد النار والجنة والعرش، ثم ارتقى فرأى الله - جل جلاله - وهو يقضي بين خلقه، رأى وشاهد تلك الآيات بعين الموقنين، عين الإيمان القلبي، وهو يخطر بقدميه على السيار الأرضي.
وقصة الخضر؛ العبد الذي ارتقى فاهتدى، فآتاه الله من لدنه علما باطنيا ربانيا معجزا لا يسامقه علم، ولا تدانيه معرفة.
ذلك هو التصوف الذي كان له أكبر الأثر في توجيهات العالم الإسلامي الفكرية والتعبدية، بل أكبر الأثر في فتوحاته وانتصاراته العالمية، وفي رسم أهدافه ومثله العليا الاجتماعية والخلقية والروحية.
ذلك هو التصوف الذي استحال إلى شخصيات وبطولات ملهمة عبقرية تتفاعل مع الجماهير وتقودها فتهديها وترشدها، واستحالت تلك البطولات إلى قوة روحية زاحفة مشرقة بالنور، فياضة بالإيمان، تطير بألوية الإسلام، وتزكي شعلته، وتحفظ مثاليته، وتفتح له الآفاق في شتى الميادين العقلية والعلمية.
অজানা পৃষ্ঠা
وهذا هو التفسير الصادق لهذا الحشد الخالد من الشخصيات العجيبة والبطولات الفذة التي حفل بها تاريخ التصوف، آيات معجزات لا تسمو عبقريات الدنيا إليهم، ومثاليات تخجل حياتنا حين نتحدث عنهم، وقوة روحية غلابة ملهمة لم يعرفها تاريخ الإيمان العالمي لسواهم.
ولا بد لنا حينما نتحدث عنهم من أن نعقد الصلات بينهم وبين الروح الصوفي الذي يعد مصدر هذه الطاقة، ومشعل نورها، وصانع أجنحتها.
ومقياس عظمة كل عبقرية من تلك العبقريات اللدنية هو استعدادها للترقي في المعارج العلوية، وطاقتها على تحمل العبودية الكاملة، والحب الإلهي الفاتح لباب الفيض الرباني.
والباب الموصل لتلك المعارج هو الاقتداء الكامل، والاحتذاء الصادق الصارم بالمثل الأعلى للإنسان الكامل، بالنبوة المحمدية - صلوات الله وسلامه على صاحبها.
تلك النبوة التي تلقت الفيض كله كاملا، واستوعبته، وأطاقت تلقيه وصبرت عليه، وعاشت له وبه، فكانت رمزه الأعلى، وكانت أفقه الأسمى، وكانت معينه الزاخر الفياض الذي تكفي قطرة منه لصوغ عبقري ملهم من هؤلاء العباقرة الملهمين.
العباقرة الملهمين الذين عاشوا تحت أفق خاتم الأنبياء وسيد المرسلين - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - كل بقدر ما فيه من استعداد للتلقي، واستعداد للاستيعاب، واستعداد للصبر والتحمل، واستعداد للفيض والإشراق.
وهذا هو السر في فهم المتصوفة وإجلالهم للنبوة المحمدية، فهما وإجلالا لا أغالي إذا قلت إنه يفوق مثيله في قلب كل محمدي.
لقد آمنوا بأن محمدا رسول الله هو المفتاح الرباني للأبواب الإلهية؛ حيث تهطل الفيوضات والفتوحات، وأن السر كل السر في المفتاح والباب، فكل من حاد عن الطريق السوي؛ طريق الهدى المحمدي، فقد المفتاح وتوارى عنه الباب، فحرم من الفتح والعطاء، وضل سواء السبيل.
تلك هي المدرسة التي أنجبت عباقرة التصوف، مدرسة الاحتذاء والاقتداء بالسنن المحمدي، مدرسة العبودية الكاملة. ولقد كانت تلك المدرسة - ولا تزال - قلب الإسلام وروحه وأفقه الأعلى.
وتلك المدرسة المحمدية؛ مدرسة التفكر في آيات الله، والتعبد المتواصل في محاريب الحياة، وكل ما في الحياة محاريب ومساجد للمؤمنين الموقنين، مدرسة الحب الإلهي بما فيها من إشراق وإلهام وفيوضات، هي التي أنجبت أبا المواهب الزعيم العملاق عبد الوهاب الشعراني.
অজানা পৃষ্ঠা
والشعراني عجيبة ضخمة من عجائب تلك المدرسة، أو إن شئت فعجيبة من عجائب التصوف، وصنيعة من صنائع الإيمان، ولطيفة من لطائف التقوى، وقبس من أقباس النور المفاض على الأرواح المتطهرة العابدة.
فدعك من البحث عن مدرسته العلمية، ودعك من البحث عن مناهجه ودراساته، فقد كونته إلهامات القلب وسبحات الروح، وأبرزته الطاعة والخلوة والمحبة والحضرة، ورعته وحبته وزكته عناية الله ورضاه.
وليس معنى هذا أن الشعراني لم يكن عالما فحلا، ودارسا مبرزا على معاصريه في علومهم ومعارفهم، وإنما نريد أن نقول إن تلك العملاقية العلمية التي ارتفعت به منارا، فنت في نوره علوم معاصريه، وتضاءلت حياله معارف مصاوليه ومجادليه، كان سرها أنها من الأفق الأعلى، من النبع الرباني الذي لا تفنى إلهاماته، ولا تنضب إمداداته.
وحسب الشعراني أن رجال الاستشراق عكفوا على كتبه يستنطقونها، ويتلمسون أسرارها، ويقبلونها على أوجه شكوكهم الملحة، ويعرضونها على موازينهم القاسية، وخرجوا بعد الشوط الطويل يحنون الهامات أمام العملاق الضخم الشامخ، ويطلقون القول معترفين في وضوح وصراحة بأن الشعراني أعجوبة من أعاجيب العباقرة المتصوفين، أعجوبة لا يكاد تاريخ الإسلام يعرف لها مثيلا.
يقول المستشرق «فولرز»: «إن الشعراني كان من الناحية العلمية والنظرية صوفيا من الطراز الأول، وكان في الوقت نفسه كاتبا بارزا أصيلا في ميدان الفقه وأصوله، وكان مصلحا يكاد الإسلام لا يعرف له نظيرا، وإن كتبه التي تجاوزت السبعين عدا، من بينها أربعة وعشرون كتابا تعتبر ابتكارا محضا أصيلا لم يسبق إليه أبدا، ولم يعالج فكرتها أحد قبله.»
ويقول العلامة «ماكدونالد»: «إن الشعراني كان رجلا دراكا نفاذا مخلصا واسع العقل.» ويقول في موضع آخر: «إنه كان يجمع بين أعظم المميزات، وإنه كان مشرعا ذا أصالة ونفاذ، وكان عقله من العقول النادرة في الفقه بعد القرون الثلاثة الأولى في الإسلام، وإنه رجل أخلاق تهزه أنفة عالية.»
ويقول المستشرق «نيكلسون» عنه: «إنه أعظم صوفي عرفه العالم الإسلامي كله، وإنه منذ فتح المغول العالم الإسلامي ركدت الحركة الفكرية في الإسلام، واقتصر علماؤه على الجمع والتقليد، فلا نجد بوادر انطلاق، أو إنتاج خصب منتج، أو أي أثر لتفكير أصيل وضيء، باستثناء شخصيتين شاذتين؛ هما: ابن خلدون المؤرخ، والشعراني الصوفي. وكان الشعراني بالذات مفكرا مبدعا أصيلا أثر تأثيرا واسع المدى في العالم الإسلامي، يشهد به إلى يومنا إلحاح القراء إلحاحا متواصلا في طلب مؤلفاته.»
تلك هي شهادات العلماء العالميين الذين وزنوا الشعراني بموازينهم العلمية الدنيوية، لا بميزان النورانية الصوفية، ومع هذا فقد ارتفعت به موازينهم إلى القمة المنفردة شموخا وخلودا.
ولنعد إلى الأفق الأعلى؛ أفق التصوف الوعر العسير المرتقى، لقد صعد الشعراني في معارجه، وتنسم الذروة في محرابه، وتزعم وساد في آفاقه.
والصعود في تلك المعارج، وتنسم الذروة والزعامة والسيادة الصوفية قد أتيحت من قبل الشعراني لغير قليل في هذا الأفق.
অজানা পৃষ্ঠা
ولكن الشعراني كان آخر نجم في ذلك الأفق؛ آخر نجم بحسب الترتيب الزمني؛ ولهذا انفرد وحده بخوض أعنف معارك التصوف في أحلك الأزمنة وأقساها وأشدها.
وحسبه أنه حارب كل معاصريه حتى المتصوفة، المتصوفة اسما لا معنى، فلقد فقد التصوف في عصره حلاه وعلاه.
حارب وحده، وانتصر وحده، وارتقى الذروة وحيدا، وأقام للتصوف دولة عاشت طوال حياته عزيزة غلابة.
حارب وانتصر في أشد العصور الإسلامية رهبة وظلاما وجمودا وجهلا، فأطلق آية النور المبصرة التي تمحو الظلمات، وأعاد للفكر الإسلامي قوته وهداه، وأعاد إلى القلوب القلقة إيمانها وتقواها.
كانت الأمة الإسلامية قبيل عهده تعيش في ظلمات يعلو بعضها بعضا، ظلمات خارجية تمثلت في أمواج بربرية من جنود المغول والتتر قادمة من المشرق تجتث الشعوب الإسلامية من أساسها، وتدمر حضارتها، وتطفئ شعلتها، وأمواج صليبية قادمة من المغرب فوارة بالغضب والتعصب، مشرعة السيف بالحقد والبغضاء.
وفي الداخل كانت الظلمات أشد وأقسى، كان الركود الروحي هو العلة الكبرى؛ فإن التسوية التي قام بها الغزالي بين المتصوفة والفقهاء كانت قد أهدرت من جانب الأشاعرة، الذين سلوا سيف الإجماع المصطنع ضد المفكرين تارة، وضد المتصوفة تارة أخرى.
حتى إن تاريخ الفكر الإسلامي بعد الغزالي منذ القرن السادس الهجري هو تاريخ النزاع المشبوب بين المتصوفة والأشاعرة من جهة، وبين المتصوفة ورجال الحديث من جهة أخرى، وأعقب هذا الصراع العنيف هبوط فكري عام في قواهم جميعا، كما تنتج المعارك الحربية الضعف والانهيار في القوات المتحاربة، وتحمل العالم الإسلامي بأسره وزر تلك المعارك الجدلية الهوجاء جهلا وجمودا، وبلادة ذهنية، وخمودا روحيا قاتلا.
وجاء ابن تيمية في أواخر القرن الثاني عشر للميلاد في قعقعة وزوبعة، يملأ الدنيا صياحا ضد كل مفكر سواه، ويخص بحملته الكبرى ومعركته العظمى التصوف والمتصوفة.
نادى ابن تيمية بالمعنى الحرفي للقرآن، ولم يقبل في الآيات المجسمة تأويلا، وفسق كل المذاهب الإسلامية في علم الكلام، وحرم الاجتهاد على الناس جميعا وأباحه لنفسه، فحدد صفات الله تعالى حسب رأيه، وحرم زيارة الأولياء وقراءة القرآن لهم، وتغالى فنادى بأن من يزور قبر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - تقربا أو طلبا للشفاعة فهو ضال مبتدع.
وعاش ابن تيمية حليف السجون، ومات سجينا، ولكنه كان قد أطلق صيحة ملتهبة متوقدة الجمر، وتناول أتباعه كلماته فضخموها وألبسوها أردية فضفاضة زادت نار الحرب وقودا وضراما، حتى امتلأت شوارع القاهرة بالصراع والدماء بين أتباعه والمتصوفة، كما يقول الجبرتي.
অজানা পৃষ্ঠা
وكان السبب الأكبر في هذا الجدل والحوار، وفي تلك الخصومات المجنونة الرعناء، هو أن النهضة الإسلامية العلمية كانت قد خمدت جذوتها، وخبا ضوؤها، وأخذت البدع والخرافات والأساطير تنطلق في أفق العالم الإسلامي.
لقد ذبل المشعل الذي ظل يتقد عشرة قرون، والذي أنارت أشعته الفكرية أرجاء الوجود، ذبل بل فني مخنوقا في الظلمات.
ويكفي لتصوير ظلمات هذا العصر أن التصوف، وهو قلب الإسلام النابض، أصبح في تلك الصورة المهلهلة التي رسمها الشعراني بقلمه: «كان التصوف حالا فصار كارا، وكان احتسابا فصار اكتسابا، وكان استنارا فصار اشتهارا، وكان اتباعا للسلف فصار اتباعا للعلف، وكان عمارة للصدور فصار عمارة للغرور، وكان تعففا فصار تملقا، وكان تجريدا فصار ثريدا.»
يكفي لتصوير هذا العصر المظلم أن الشعراني يحدثنا عن رجل يسمى الشيخ شعبان المجذوب كان يجلس على كراسي المساجد أيام الجمع وغيرها، ويقرأ ما يزعم أنه قرآن كريم، وقد سمعه الشعراني يقول على طريقة قراءة القرآن: «وما أنتم في تصديق هود بصادقين، ولقد أرسل الله لنا بالمؤتفكات يضربوننا، ويأخذون أموالنا، وما لنا من ناصرين.»
ثم يعقب على هذا قائلا: «اللهم اجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان.» ويعلق الشعراني قائلا: «ولم أسمع أحدا ينكر عليه شيئا من حاله، بل يعدون رؤيته عيدا عندهم.»
1
وكان زميله إبراهيم العريان يصعد إلى منبر المسجد عاريا ويخطب الناس قائلا: السلطان ودمياط وباب اللوق وبين الصورين وجامع طولون، والحمد لله رب العالمين؛ فيحصل للناس بسط عظيم، كما يقول الشعراني.
2
في تلك الظلمات، وفي هذا الجو الزاخر بالجهالات، بزغ نجم الشعراني متلألئا مشرقا كأنه ظاهرة كونية جاءت في موعدها المحدد، ووقتها المرسوم.
جاء كموجة صوفية أطلقها البحر الأعظم لتجتث كل شيء من جذوره، ثم تنحصر فتملأ الدنيا خصبا ونماء وبركة ونورا.
অজানা পৃষ্ঠা
وهبه الله ومن عليه فكان كما صاغته عناية الله ورحمته، وكان أينما شرع قلمه تحف به الهبات والمنن؛ فيأتي كلمه زخارا باليقين والهدى.
جاء مكافحا مصلحا، وزعيما قائدا، ومرشدا هاديا، فتمثلت فيه خصائص تلك الصفات، فكان كما لقب: أبا المواهب.
حرر التصوف من الأساطير والبدع، وجلاه محمديا قرآنيا، كما أراده الله لعباده، قوة روحية محلقة في الأفق الأعلى.
وحرر الفقه من جموده وتزمته، فكان الأصولي الألمعي الذي مزج الفقه بحرارة الإيمان، فأنقذه من الجفوة والجفاف، وحببه إلى الجماهير يوم جعله لا مجرد أحكام شرعية فحسب، بل حقائق روحية مشرقة.
وحرر علم الكلام - التوحيد - من نزوات المجسدين، وأهواء المجادلين، وأعاده إلى نوره ورونقه الإيماني الذي عرفه واهتدى به الصدر الأول والتابعون.
وأنقذ الأمة الإسلامية من الجدل والحوار والجري وراء الأوهام والخيالات، وردها إلى النبع الصافي والعمل الخالص لوجه الله.
ولم ينسه جهاده الديني زعامته الشعبية، فكان المصلح الاجتماعي المدافع عن الفقير والمسكين والضعيف، القائم في وجه الولاة والحكام يرفع كلمة الحق، وينتزع حقوق الضعفاء من الأقوياء.
ووقفت الدنيا في عهده ترقب كلمة من فيه، أو إشارة من يده، فهو الملجأ والملاذ للمظلوم ينشد حقا، وللظالم يطلب رحمة، وهو المرشد الهادي إلى حقائق الإيمان، ولطائف العقائد، ومشكلات الفكر والحياة، وهو الزعيم الحبيب الذي إذا غضب اضطربت لغضبه قلوب الملايين.
وهو - بعد هذا وذاك - مؤرخ التصوف والمتصوفة، وخليفة الغزالي الأوحد على الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والتعبدية في الإسلام، والمدافع الأكبر عن الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، فيلسوف التصوف العبقري، ومحيي عالم الزوايا التي يعمرها القرآن، والتي يسمع فيها ذكر الله آناء الليل وأطراف النهار.
وقد روي عن النبي - صلوات الله عليه وسلامه عليه - عن ربه - عز وجل - في الحديث القدسي: «إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم.»
অজানা পৃষ্ঠা
تلك علامة المتصوفة، وآية الشعراني، وفي الخالدين من يذكر بذكر الله، ومن يذكر الله بذكره ...
نشأته وحياته
أسرته
إلى الدوحة العلوية الهاشمية يرتفع نسب الشعراني، فجده الأعلى هو محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما.
وقد هاجر أجداده إلى المغرب الأقصى في الموجات المهاجرة من البيت العلوي التي اختارت الأطراف النائية من الإمبراطورية الإسلامية، فرارا من الملاحم المتتابعة بينهم وبين البيت الأموي تارة، وبين البيت العباسي تارة أخرى.
وفي المغرب الأقصى استطاع العلويون أن يؤسسوا دولا، وأن ينشئوا حضارات، وأن يظفروا بالحب والتأييد من شعوب الشمال الأفريقي كافة.
ولكنهم مع هذا لم يستطيعوا أن يوحدوا كلمتهم ودولتهم، بل انقسم بيتهم إلى بيوت، وتفرق جمعهم إلى قبائل وبطون؛ ولهذا تعددت دولهم، وتعددت بيوتهم المالكة، وتعددت قبائلهم الحاكمة.
وكان الملك في مدينة تلمسان وما جاورها لقبيلة بني زغلة، وإلى تلك القبيلة ينتسب عبد الوهاب الشعراني.
ومن خصائص العلويين أن الملك لم يصرفهم عن العلم، ولم يباعد بينهم وبين الولاية الدينية والزعامة الروحية، فكان منهم الملوك، وكان منهم الأئمة الهداة.
ولهذا نرى في تاريخ بني زغلة «أسرة الشعراني» الملك والتصوف يدرجان معا، ويعيشان معا، ويتقاسمان الحياة سويا، ونشاهد جده موسى ابن السلطان أحمد يؤثر طريق الله على الملك ومجده، فيتتلمذ على ابن مدين الصوفي، ويترك المغرب مهاجرا إلى مصر تلبية لأمره.
অজানা পৃষ্ঠা
ولقد أرخ الشعراني لنفسه في كتابه المنن، فلنتركه يحدثنا عن نسبه: «أحمد الله تعالى حيث جعلني من أبناء الملوك
1
فإني - بحمد الله تعالى - عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن زوفا بن الشيخ موسى، المكنى في بلاد البهنسا بأبي العمران، جدي السادس ابن السلطان أحمد ابن السلطان سعيد ابن السلطان فاشين ابن السلطان محيا ابن السلطان زوفا ابن السلطان ريان ابن السلطان محمد بن موسى ابن السيد محمد ابن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه.
وكان جدي السابع الذي هو السلطان أحمد
2
سلطانا بمدينة تلمسان في عصر الشيخ أبي مدين المغربي، ولما اجتمع به جدي موسى قال له الشيخ أبو مدين: لمن تنتسب؟ قال: والدي السلطان أحمد، فقال له: إنما عنيت نسبك من جهة الشرف، فقال: أنتسب إلى السيد محمد ابن الحنفية، فقال له: ملك وشرف وفقر - أي تصوف - لا يجتمعن، فقال: يا سيدي، قد خلعت ما عدا الفقر، فرباه، فلما كمل في الطريق أمره بالسفر إلى صعيد مصر، وقال له: اسكن بناحية «هو»
3
فإن بها قبرك، فكان الأمر كما قال.»
وإذن فالشعراني يقرر أن جده موسى قد حضر إلى مصر بإشارة صوفية من الإمام أبي مدين؛ ليتولى تربية المريدين والسالكين، ويقيم للإيمان دولة على ضفاف النيل، مؤثرا طريق الله ومجاهداته على نعيم الملك وأمجاده.
وهذا الأمر نهج صوفي نعرفه من تاريخ التصوف، فالمتصوفة يعتبرون أنفسهم المدرسة الإسلامية الكبرى التي تهيمن وتشرف على القلوب المحمدية، وتهيمن وتشرف وتسأل أيضا عن النهضة الإسلامية والعبادات الربانية. ينظر المتصوفة إلى العالم الإسلامي على اعتباره أمة واحدة، هم رأسه المفكر وقلبه النابض؛ ولهذا درج كبار المتصوفة على تربية أفذاذ الرجال، حتى إذا كملوا وأعدوا بعثوا بهم إلى المراكز الإسلامية التي تحتاج إليهم دعاة وهداة.
অজানা পৃষ্ঠা
وإذن فقد استقر الشيخ موسى أبو العمران ببلدة «هو» - وهي قرية كبرى من قرى الصعيد الأعلى، وأهلها من قبائل الهوارة أولي البأس والعصبية الإسلامية - وأسس الشيخ موسى فيها زاوية غدت مركزا من مراكز التصوف في مصر، ومهدا من المهود التي يستنبت بها رجال الدعوة الصوفية.
ولم يحدد لنا التاريخ السنة التي هاجر فيها موسى إلى مصر، ولكن كتب التاريخ حددت لنا تاريخ وفاته، فقد توفي ببلدة «هو» عام 707ه، بعد أن نجحت دعوته، واهتدى بهديها جمهور ضخم من الصعيد الأعلى.
واستمرت أسرة الشعراني بالصعيد تحمل لواء العلم والولاية حتى مطلع القرن التاسع الهجري، فهاجر عميدها أحمد إلى ساقية أبي شعرة بالمنوفية، وأسس بها زاوية للعلم والعبادة، والتف الناس حوله ينهلون من معارفه وفتوحاته؛ فقد عرف بالتفوق في العلوم الصوفية رغم أميته، كما اشتهر بالولاية والنفحات، وانتقل إلى جوار ربه عام 828ه.
وحمل اللواء بعده حفيده أحمد الذي أوتي حظا من العلم المعروف في الأزهر في عهده، وحظوظا من العلوم الربانية التي اختص بها المتصوفة.
ثم تأذن ربك لهذا البيت الكريم؛ بيت الملك والدين ، بأن عهد كماله وتمامه قد حان، فوهبه في ليلة مباركة الطفل العملاق عبد الوهاب الشعراني.
مولده
ولد الشعراني على أصح الروايات وأشهرها في 27 من شهر رمضان عام 898ه، وكان مولده في بلدة «قلقشندة» - وهي قرية جده لأمه - ثم انتقل بعد أربعين يوما من مولده إلى قرية أبيه، وإليها انتسب، فلقب بالشعراني، وعرف بهذا اللقب واشتهر به، وإن كان هو قد سمى نفسه في بعض مؤلفاته بالشعراوي.
ولقد اضطرب رجال التاريخ في تحديد مولده، فقد ذكر صاحب النور السافر تاريخا لمولده قبل هذا التاريخ بقليل، وقد ذكر صاحب المناقب الكبرى تاريخا آخر، وأما المناوي وعلي مبارك والمستشرق شاخت فقد أيدوا التاريخ الذي ذكرناه.
ونحن نرجح رواية المناوي؛ لأنه تلميذ الشعراني الأول وصفيه وصديقه، وهو بعد هذا أكبر المؤرخين الصوفيين بعد الشعراني، ويزداد ترجيحنا لهذه الرواية اتفاقها مع رواية علي مبارك، وهو من أدق من أرخ لهذه الفترة من التاريخ.
واضطرب رجال التاريخ أيضا في الحديث عن طفولته ونشأته، فذهب المستشرقان «كرويمر» و«نيكلسون» إلى أنه اشتغل في مطلع حياته بالحياكة.
অজানা পৃষ্ঠা
ولكن المستشرق «فولرز» يسخر من هذا القول قائلا: «إن حياة الشعراني كانت زاخرة بالعبادة، حافلة بالتعليم، فلم يكن من الميسور أن يجد وقتا يحترف فيه عملا.»
ولست أدري من أين جاء المستشرقان بتلك الأقصوصة وتاريخ طفولة الشعراني صريح في أنه لم يضيع لحظة واحدة في غير العلم والعبادة؛ فقد حفظ القرآن وهو في سن التمييز، كما يقول، ودرس كتب النحو قبل العاشرة.
فهل هذا تاريخ رجل وهب نفسه للعلم والعبادة، أم تاريخ من يشتغل بالارتزاق من الحياكة؟ والشعراني يقول في صراحة: إن من منن الله عليه «أنه لم تكن هناك عوائق دنيوية تعيقني عن طلب العلم والعبادة، وكانت القناعة من الدنيا باليسير سداي ولحمتي، وهذه القناعة أغنتني عن الوقوع في الذل لأحد من أبناء الدنيا، ولم يقم لي أنني باشرت حرفة ولا وظيفة لها معلوم دنيوي من منذ بلغت، ولم يزل الحق تعالى يرزقني من حيث لا أحتسب إلى وقتي هذا، وعرضوا علي الألف دينار وأكثر فرددتها ولم أقبل منها شيئا، وكان التجار والكبراء يأتون بالذهب والفضة فأنثرهما في صحن جامع العمري فيلتقطه المجاورون.»
وجرى رجال التاريخ على أنه انتقل إلى القاهرة مع والده، وأن والده قد سعى له حتى أدخله الأزهر الشريف.
وتلك الروايات أيضا تنحرف عن الحق وتجانب الصواب، فإن الشعراني - وهو أصدق من يؤرخ لنفسه - يقول في المنن: «إنه حفظ في قريته القرآن الكريم وهو في باكورة طفولته، ثم حفظ «أبو شجاع» والأجرومية ودرسهما على أخيه الشيخ عبد القادر بعد وفاة والده.»
وإذن فقد مات والده، كما ماتت والدته، قبل حضوره إلى القاهرة، وكان هذا - كما يقول - من منن الله عليه؛ إذ نشأ يتيما من الأبوين، فكان نصيره ووليه الله.
ولقد مات والده عام سبع وتسعمائة للهجرة، ودفن في زاويته بساقية أبي شعرة، وتاريخ انتقال الشعراني إلى القاهرة كما أرخه بنفسه يأتي بعد تاريخ وفاة والده بثلاثة أعوام.
الشعراني في القاهرة
مات أبوه وتركه طفلا يتيما فقيرا، ولكن هذا الطفل اليتيم الفقير كان عجبا، كان عابدا متبتلا مستغرقا في صلواته وأذكاره استغراقا لا يعرف في مثل سنه، وحسبك أنه كان يقوم الليل وهو في الثامنة من عمره.
وكان يؤمن في أعماق نفسه بأنه قد حف بعناية ربانية تعصمه من النقص في دينه، كما تعصمه من السوء في حياته.
অজানা পৃষ্ঠা