تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد، فإن كتاب الفروق في القواعد الفقهية لمؤلفه الإمام العلامة، الفقيه الأصولي الكبير، الجامع بين علوم النقل والعقل، أبي العباس، شهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي الصنهاجى ﵀، كتاب جليل القدر، عظيم الفائدة، انتشر نفعه، وذاع صيته بين العلماء منذ تأليفه، وظل عمدة للفقهاء، ومرجعا لهم في كثير من الأحكام الفقهية، والفروع والمسائل الجزئية، المؤسسة على أصول الشريعة، أو قاعدة من قواعدها الكلية، بحيث لا يكاد كتاب من أمهاث الفقه يخلو من ذكره والإشارة إليه.
ومن ثم كان لهذا الكتاب أهميتُه الخاصة، ومكانته البارزة بين تلك الكتب والمؤلفات القيمة التي ألفها العلماء في هذا الموضوع على مختلف مذاهبهم الفقهية في تأصيله لملك القواعد على مذهب الامام مالك ﵀ وأصوله المعتمدة.
غير أن الإمام القرافي ﵀ لم يأخذ في كتابه هذا بالطريقة المعروفة والمعتادة عند الفقهاء في التصنيف على الأبواب، فلم ينهج فيه منهج الترتيب والتبويب، ولم يسلك فيه مسلك التصنيف الذي يضم مجموعة من القواعد والأحكام، ويُدْرِجها في باب، وإنما جمع الفروق بين القواعد الفقهية التي اشتمل عليها، وضمها بكيفية متتابعة تجعل القارئ والدارس ينتقل بين فرق وآخر، وقاعدة وأخرى، متتبعا للكتاب، وباحثا عن الفرق الذي يعنيه ويهمه في مسألة من السائل أو جزئية من الجزئيات، أو قاعدة من قواعدها الكلية.
وقد يسر الله لهذا الكتاب ولمؤلفه من يقوم في عصره بدراسة وافية له، فاستوعبه وحصله وتعمق فيه، فعمل على اختِصَارِهِ وترتيبه على أساس إرجاع كل مجموعة من القواعد فيه الى العلم الذي تنتمي إليه، والى الباب الذي يناسبها وتندرج فيه من الأبواب الفقهية، فكان ذلكم هو العالِمَ الجليل، والفقيه الكبير، والصوفي الورع الشهير تلميذ القرافي، أبو عبد الله محمد بن ابراهيم البقوري المتوفى بمراكش عام سبع وسبعمائة هجرية (٧٠٧ هـ).
فقد عمد هذا الفقيه المتمكن من علوم النقل والعقل، إلى كتاب شيخه القرافي في الفروق، فاختصره ورتبه وبوبه، ونبه على ما ظهر له فيه، وألحق به ما يناسبه مما لم يذكره القرافي من المسائل والقواعد. فجاء كتاب الترتيب هذا كتابا مكتملا وافيا، وفي صياغة وصورة جديدة، جمعت بين ما اشتمل عليه الكتاب الأصلي من القواعد الكلية وتفريعاتها الجزنية، وبين تلك المزايا والفوائد المشار إليها، والتي ميزت كتاب ترتيب الفروق واختصارها، مما يساعد على الرجوع إليها والانتفاع بها في يسر وسهولة ووضوح وجلاءٍ.
1 / 3