(ابن التيميه [1])
تقي الدين [2] أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية.
الإمام الحبر البحر، العلم الفرد، شيخ الإسلام، ونادرة العصر، تقي الدين أبو العباس أحمد الحراني الحنبلي نزيل دمشق.
ولد بحران يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمئة، وهاجر والده به وبإخوته إلى الشام عند جور التتار. فسار بالليل بهم وبالكتب على عجلة؛ لعدم الدواب، وكاد العدو أن يلحقهم، ووقفت العجلة؛ فابتهل إلى الله واستغاث به، فنجوا وسلموا.
وقدموا دمشق في أثناء سنة سبع وستين؛ فسمعوا من الزين بن عبد الدائم نسخة ابن عرفة، وغير ذلك.
[ثم] [3] سمع شيخنا الكثير من ابن أبي اليسر، والكمال بن عبد، والمجد [4] ابن عساكر _ أصحاب الخشوعي _، ومن الجمال يحيى بن الصيرفي، وأحمد بن أبي الخير سلامة، أبو القاسم الإربلي، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر، وأبي الغنائم بن علان، وخلق كثير.
وسمع مسند أحمد مرات، والكتب الكبار، والأجزاء، وعني بالحديث، ونسخ جملة صالحة، وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، ثم أقبل على الفقه.
وقرأ أياما [5] في العربية على ابن عبد القوي؛ ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه، وبرع في النحو، وأقبل على التفسير إقبالا كليا حتى حاز فيه قصب السبق [6]، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك، هذا كله وهو بعد ما بلغ سن [7] بضع عشرة سنة [8]؛ فابتهر [9] الفضلاء من
فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة [10] إدراكه.
ونشأ في تصون تام وعفاف، وتأله [11] وتعبد، واقتصاد في الملبس والمأكل.
وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره، فيتكلم، ويناظر [12]، ويفحم الكبار، ويأتي بما يتحير [13] منه [أعيان البلد في العلم] [14]؛ فأفتى وله تسع عشرة سنة؛ بل أقل [15].
وشرع في الجمع والتأليف [من ذلك الوقت، وأكب على الاشتغال] [16].
ومات والده [_ وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم _ فدرس بعده [وقام] [17] بوظائفه] [18] وله إحدى وعشرون سنة، [واشتهر أمره] [19]، وبعد صيته في العالم، [فطبق ذكره الآفاق] [20].
وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام [21] الجمع على كرسي من حفظه، وكان [22] يورد المجالس [23] ولا يتلعثم.
وكذا كان يورد [24] الدرس بتؤدة، وصوت جهوري فصيح؛ فيقول في المجلس أزيد من كراسين أو أقل [25]، ويكتب على الفتوى في الحال عدة أوصال بخط سريع إلى غاية التعليق والاغلاق [26].
قرأت بخط شيخنا العلامة كمال الدين علم الشافعية في حق ابن تيمية: (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم بأن [27] لا يعرفه [28] أحد [29] مثله، وكان [30] الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه [31] استفادوا منه في مذاهبهم [32] أشياء [33].
قال: ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم؛ سواء كان [34] من علوم الشرع أو [35] غيرها = إلا فاق فيه أهله [والمنسوبين، إليه وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين.
ووقعت مسألة فرعية في قسمة جرى فيها اختلاف بين المفتين في العصر فكتب فيها مجلدة كبيرة، وكذلك وقعت مسألة في حد من الحدود فكتب فيها مجلدة كبيرة، ولم يخرج في كل واحدة عن المسألة، ولا طول بتخليط الكلام والدخول في شيء والخروج من شيء، وأتى في كل واحدة بما لم يكن يجري في الأوهام والخواطر] [36]. واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها) [37].
قلت [38]: وله خبرة تامة [39] بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح [40] والسقيم، مع حفظه لمتونه الذي انفرد به. [فلا يبلغ أحد في العصر رتبته، ولا يقاربه] [41]، وهو عجب [42] في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند؛ بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث. ولكن الاحاطة لله؛ غير أنه يغترف فيه [43] من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي.
পৃষ্ঠা ৫