ونظر الدكتور إلى رشيدة: رشيدة، الحجرة التي كان يسكنها عبد السلام ما شأنها؟ - خالية يا أبي. - هل أخذ عبد السلام ما له فيها؟ - نعم، فقد حصل على الليسانس، وأحسب أنه لن يعود في العام القادم.
والتفت الدكتور إلى سامي: أقم بهذه الحجرة، وبها حمام أيضا، وتصلح لك.
وارتبك سامي قليلا، وهم أن يقول شيئا، ولكن الدكتور يعاجله: اسكن بها أولا، وسنتحدث عن الأجرة في الغد بعد أن تستريح اليوم من عناء السفر والعراك، وحماية ابنتي من الذئاب.
خذيه يا رشيدة إلى الغرفة، ولا أوصيك به، ففضله علينا كما تعرفين عظيم.
وصعد سامي إلى الغرفة ومعه رشيدة تحمل ملاءات نظيفة فرشتها له على السرير، وتركته بعض الوقت، وعادت له بالعشاء. واستقر به المقام بعد يوم طويل عصيب. •••
في الصباح الباكر كان سامي بمقر التليفون العمومي، وطلب منزل أبيه في البلدة مقدرا أن الإجازة الصيفية لم تنته بعد، وأن مأمون ووالدته سيكونان بالقرية.
وأجاب مأمون على التليفون، وما أن سمع صوت أخيه حتى صاح: سامي أين أنت؟ منيب لم يمت، كان مغمى عليه فقط. - أحقا؟! أحقا؟! - إننا نبحث عنك في كل مكان، أين أنت؟ - أنا في مصر. - عنوانك ... ما هو عنوانك؟ - ما أخبار نتيجتي؟ - أحرزت تسعين في المائة من الدرجات، وقدمت لك في كلية الآداب قسم التاريخ كما كنت تريد ... عنوانك؟ - تعال إلي اليوم أو غدا يا مأمون، واكتب عنواني خمسة وخمسين ميدان وجدي بالجيزة. - كلم يا سامي، كلم.
وتكلمت إليه الأسرة جميعا، وهو يكاد يطير من الفرح. وتنتهي المكالمة، ويخرج إلى أقرب جامع ويروح يصلي ركعات لا عدد لها شكرا لربه، لقد كان ينتوي أن يظل هاربا من الحياة كلها من أجل جريمة توهمها، ولم تقع.
وحين انتهى من صلاته انتحى من الجامع ركنا، وراحت الدموع تنسكب من عينيه راوية بالسعادة، وكأنما أراد أن يغمر بهذه السعادة كل جارحة من جسمه لا يكتفي بها هادرة صاخبة في القلب وحده.
عاد إلى البيت، وصعد إلى غرفته قفزا، فوجد رشيدة تنظم الحجرة. - وبعد يا ست رشيدة؟ - أين ذهبت؟ - تعالي معي. - إلى أين؟ - هل صحا الدكتور؟ - نعم. - إذن فتعالي معي.
অজানা পৃষ্ঠা