فنحن نتعلم في المدرسة أو نتخرج في الجامعة، ولكننا في النهاية لن نجد شيئا يعلمنا أكثر من اختباراتنا، ولن نبلغ الحكمة إلا إذا خرجتنا الحياة نفسها بما نمارسه فيها وننتفع به، ولو كان هذا من الكوارث التي حزت في أجسامنا أو في نفوسنا.
ولذلك يجب أن نعيش حياتنا بروح المتعلم الذي يبغي زيادة في الفهم، وأن نجعل هذا الفهم أعظم من الصحة، والمال، والجاه، والثقافة؛ لأن كل هذه الأشياء تحمل في طياتها ألوانا من الغش، فالصحة قد لا تكون أكثر من القوة العضلية الحيوانية، وقد يكون المال وفرة مرهقة لا تحررنا بل تقيدنا، وقد يكون الجاه عبسا وغطرسة، كما قد تكون الثقافة دجلا لا قيمة له.
ولكن الفهم الذي يستخلص الحقائق من المعارف يزيدنا إنسانية، ويرفعنا فوق كثير من الأوهام الاجتماعية، ويقرر لنا قيما وأوزانا من السعادة أو الشرف لا يمكن أن نصل إليها إلا بذكاء العقل المدرب الذي جعل من الحياة مدرسة كثيرة الاختبارات والتجارب.
والرجل الحكيم هو الذي يجعل حياته تربية له، وعلى هذا الأساس أخرجت كتابي «تربية سلامة موسى»، فإن هذا الكتاب هو تاريخ حياتي التي أنظر إليها من زاوية معينة هي؛ كيف حققت تربيتي منها، وقد يجد القارئ أخطاء كثيرة في الأسلوب أو التفاصيل، ولكني لا أظن أنه يستطيع أن يخالفني في الهدف، وهو أن الحياة تربية تزيدنا وجدانا وفهما، أو يجب أن تكون كذلك.
وما أحرى الشباب بأن يهدفوا إلى هذا الهدف، وهو أنهم يعيشون كي يربوا أنفسهم، وكي يزيدوا فهما للدنيا، وأن خريج الحياة خير من خريج الجامعات.
الفصل السابع
يجب أن نعمل كي نعيش
كتب إلي أحد الشبان يقول: إن مرتبه الشهري أقل من خمسة عشر جنيها، وأنه يعول زوجته، وأولاده، وأبويه، وبعض أقاربه المحتاجين بهذا المبلغ، ولذلك هم في قحط، وهو يطلب إلي أن أحل هذه المشكلة.
وواضح أن هذا المبلغ لا يكفي كل هؤلاء، وفي أوروبا المتمدنة يمنح المسنون الذين بلغوا الستين معاشات من الحكومة يعولون بها أنفسهم، سواء كانوا من رجال أم نساء، وكذلك الحكومات المتمدنة تعالج الغلاء الذي نعانيه في مصر ولا نجد له أي علاج.
ولكن، حتى مع هذه الاعتبارات، يبقى هناك اعتبار ضخم له أكبر الشأن فيما يعاينه هذا الشاب؛ إذ لو كان هو أوروبيا لعملت زوجته وكسبت، بل لعمل كل فرد يتجاوز سن التعليم من أولئك الذين يعولهم هو الآن في مصر، وكانوا عندئذ يكسبون، ويصونون صحتهم بالطعام الوفير، وكرامتهم باحترام المجتمع لهم.
অজানা পৃষ্ঠা