তারিক ইখওয়ান সাফা
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
জনগুলি
ثم اعلم أن أحق النفوس الحيوانية أن تنتقل إلى رتبة الإنسانية هي الشقية في أيدي البشر، المسخرة للإنسان، المتعبة في خدمته، المنقادة لطاعته. كما أن أحق النفوس الإنسانية أن تنتقل إلى رتبة الملائكة هي النفوس المتعوبة في التعبد، المنقادة لأحكام الشريعة، الخادمة في الهياكل والمساجد والبيع، والصلوات والصوم والقرابين والدعاء والتأله، كما ذكر الله تعالى بقوله:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ... »
6 (46: 4، 120-121).
يتضح مما أوردناه آنفا أن عقيدة التناسخ عند إخوان الصفاء تختلف عن عقيدة التناسخ في أديان الهند والشرق الأقصى وفي الغنوصية، في أمر جوهري يجعلها نسيجا متفردا. ففي معتقدات التناسخ الأخرى يجري انتقال الأرواح على مستوى أفقي من جسد إنساني إلى جسد إنساني آخر، وعلى مستوى هابط من جسد إنساني إلى جسد حيواني، وعلى مستوى صاعد من جسد إنساني إلى كينونة قدسية؛ أما في معتقد إخوان الصفاء فإن انتقال النفس لا يتم إلا صعودا نحو الأعلى، عندما تصير النفس الجزئية في المرتبة الإنسانية لا يوجد أمامها إلا فرصة واحدة في حياة واحدة تتطور أثناءها داخل المرتبة الإنسانية قبل الانتقال إلى المرتبة الملائكية، وإلا ردت إلى أسفل سافلين وبقيت في البرزخ إلى يوم يبعثون. وهذه نقطة سوف نبحثها بتفصيل أكثر في فصل الآخرة والنشأة الثانية.
في الارتقاء النفسي «اعلم يا أخي بأن أول مرتبة الإنسانية التي تلي مرتبة الحيوانية هي مرتبة الذين لا يعلمون من الأمور إلا المحسوسات، ولا يعرفون من العلوم إلا الجسمانيات، ولا يطلبون إلا إصلاح الأجساد، ولا يرغبون إلا في رتب الدنيا، ولا يتمنون إلا الخلود فيها، مع علمهم بأنه لا سبيل لهم إلى ذلك، ولا يشتهون من اللذات إلا الأكل والشرب مثل البهائم، ولا يتنافسون إلا في الجماع والنكاح كالخنازير والحمير، ولا يحرصون إلا على جمع الذخائر من متاع الحياة الدنيا، ويجمعون ما لا يحتاجون إليه كالنمل، ويحبون ما لا ينتفعون به كالعقعق،
7
ولا يعرفون من الزينة إلا أصباغ اللباس كالطواويس، ويتهارشون على حطام الدنيا كالكلاب على الجيف. فهؤلاء، وإن كانت صورهم الجسدانية صورة الإنسان، فإن أفعال نفوسهم أفعال النفوس الحيوانية والنباتية. فأعيذك أيها الأخ البار الرحيم أن تكون منهم أو مثلهم ...
وأما رتبة الإنسانية التي تلي رتبة الملائكة، فهو أن يجتهد الإنسان ويترك كل عمل وخلق مذموم قد اعتاده منذ الصبا، ويكتسب أضداده من الأخلاق الجميلة الحميدة، ويعمل عملا صالحا، ويتعلم علوما حقيقية، ويعتقد آراء صحيحة، حتى يكون إنسان خير فاضلا وتصير نفسه ملكا بالقوة فإذا فارقت جسدها عند الموت صارت ملكا بالفعل، وعرج بها إلى ملكوت السماء ودخلت في زمرة الملائكة، ولقيت ربها بالتحية والسلام، كما ذكر الله جل ثناؤه: ... تحيتهم يوم يلقونه سلام ... »
8 (21: 2، 171-172). «الإنسان إنما هو جملة مجموعة من جسد جسماني في أحسن الصور، ومن نفس روحانية من أفضل النفوس. واعلم يا أخي أن لكل واحد من جزأيه غاية إليها ينتهي، ونهاية إليها يرتقي. فأعلى رتبة ينالها الإنسان بجسده، وأشرف رتبة يبلغها ببدنه هي سرير الملك والعز والسلطان على أجساد أبناء جنسه، والقهر والغلبة بالقوة الغضبية. وأما أعلى رتبة ينالها الإنسان من جهة نفسه، وأشرف درجة يبلغها بصفاء جوهرها، فهي قبول الوحي الذي به يعلو الإنسان على سائر أبناء جنسه، وبه يغلبهم بما يدرك من المعارف الحقيقية بالقوة الناطقة. ولما تبين أن النفس أشرف جوهرا من الجسد، صارت الرتبة التي ينالها الإنسان بنفسه أشرف وأعلى من التي ينالها بجسده؛ لأن هذه جسمانية دنيوية، وتلك روحانية أخروية» (46: 4، 83-84). «إن كل إنسان تكون نفسه أصفى جوهرا وأذكى فهما، كما بينا في رسالة كيفية الطريق إلى الله تعالى، فكانت أخلاقه وسجاياه لأخلاق الكرام أقرب وأشبه، كما بينا في رسالة الأخلاق، وكان مذهبه واعتقاده باعتقاد الأنبياء ومذهب الحكماء أشد تحقيقا، كما بينا في رسالة الناموس، وكانت أعماله وسيرته بأفعال الملائكة وسيرتها أشد تشبها، كما بينا في رسائل إخوان الصفاء. فأقول: إن قبول نفسه لإلهام الملائكة والوحي والأنباء أمكن، وفهمه لمعانيها أسهل، مثل نفوس الأنبياء، ثم بعدهم نفوس الصديقين، ثم بعدهم نفوس المؤمنين المصدقين الأخيار الفضلاء الأبرار، ثم الأمثل فالأمثل والأقرب فالأقرب» (46: 4، 116-117). «ومثل آخر في كيفية قبول الإنسان إلهام الملائكة، فنقول: إن العلماء ذكروا أن العلوم ثلاث مراتب: أولها الرياضيات وبعدها الطبيعيات وبعدها الإلهيات. فمن ابتدأ أولا بتعلم الرياضيات وأحكمها كما ينبغي، سهل عليه تعلم الطبيعيات، ومن أحكم الطبيعيات كما ينبغي، سهل عليه تعلم الإلهيات. فهكذا نقول: من يريد أن يهذب نفسه ويهيئها لقبول إلهام الملائكة إذا ابتدأ أولا فأصلح أخلاقه الرديئة التي نشأ عليها منذ الصبا ثم سار سيرة عادلة في متصرفاته كما رسم له في الشريعة، ثم نظر في العلوم الحسية فأحكمها كما يجب، مثلما ذكرنا في رسالة الحاس والمحسوس، ثم نظر في الأمور العقلية فأحكمها كما يجب ليحل بها عن ضميره، والآراء الفاسدة التي اعتقدها قبل البحث عن حقائق الأشياء، كما بينا في رسالة العقل والمعقول. فأقول: إن نفسه عند ذلك متهيئة لقبول إلهام الملائكة. وكلما زاد في المعارف استبصارا، صارت نفسه لقبول إلهام الملائكة أسهل طبعا، ولطاعة العقل أشد تشبها، وإلى السمائية أقرب قربة. وإنما يمنعها عن الصعود إلى ملكوت السماء نوازع طبيعة الجسد ما دامت تتعلق به. فإذا فارقته عند الممات كانت في طرفة عين مع أبناء جنسها ممن مضى على سنن الهدى ...
واعلم أن كل عالم تكون أكثر معلوماته روحانية فهو إلى الملائكة أقرب نسبة. ومن أجل هذا جعل الله طائفة من بني آدم واسطة بين الناس وبين الملائكة؛ لأن الواسطة هي التي تناسب أحد الطرفين من جهة، والطرف الآخر من جهة؛ وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يناسبون الملائكة بنفوسهم وصفاء جوهرها، ومن جهة أخرى كانوا يناسبون الناس بغلظ أجسامهم» (46: 4، 120 و121). «ثم اعلم أيها الأخ أنه ليس كل نفس وردت إلى عالم الكون والفساد تكون محبوسة فيه، كما أنه ليس كل من دخل الحبس يكون محبوسا فيه، بل ربما دخل الحبس من يقصد إخراج المحبوسين منه، كما أنه قد يدخل بلاد الروم من يستنقذ أسارى المسلمين؛ وإنما وردت النفوس النبوية إلى عالم الكون والفساد لإنقاذ هذه النفوس المحسوبة في حبس الطبيعة الغريقة في بحر الهيولى، الأسيرة في الشهوات الجسمانية» (34: 3، 218). «ثم اعلم أن النفوس التامة الكاملة إذا فارقت الأجساد تكون مشغولة بتأييد النفوس الناقصة المجسدة، لكيما تتم هذه وتكمل تلك، وتتخلص هذه من حال النقص، وتبلغ تلك إلى حال الكمال، وترتقي هذه المؤيدة أيضا إلى حالة هي أكمل وأشرف وأعلى» (40: 3، 371).
অজানা পৃষ্ঠা