তারিক ইখওয়ান সাফা
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
জনগুলি
34
ونحن قد جعلنا هذه الرسالة تنبيها لإخواننا على نهاية مبلغ طاقة الإنسان في العلوم والمعارف، وتوبيخا لأقوام جهال يعارضون العلماء بالكلام والجدال، ويسألونهم عن علل أشياء ليس في طاقة الإنسان معرفتها، وهم قد تركوا البحث عن أشياء واجب عليهم تعلمها والبحث عنها، ثم لا يسألون عنها ولا يتفكرون فيها بجهلهم» (28: 3، 18-24).
أخيرا نعيد القول بأن معرفة النفس ليست غاية مقصودة لذاتها، بل لغاية أكثر سموا ورفعة، وهي الارتقاء بهذه النفس من عالم المادة إلى ملكوت الروح. وذلك بأن: «النفوس الجزئية إنما ربطت بأجسادها التي هي أجسام جزئية، كيما تكمل فضائلها وتخرج كل ما في القوة والإمكان إلى الفعل والظهور من الفضائل والخيرات، ولم يمكن ذلك إلا بارتباطها بهذه الأجساد وتدبيراتها لها، كما أن الباري، جل ثناؤه، لم يكن إظهار جوده وفيض إحسانه وأفضاله وإنعامه إلا بإيجاده هذا الهيكل العظيم المبني بالحكمة، المصنوع بالقدرة، أعني الفلك المحيط وما يحويه من سائر الأفلاك والكواكب والأركان والمولدات الكائنات، وتدبيره لها وسياسته إياها» (9: 1، 318).
فالغاية القصوى لحياة النفس في الجسد وفي هذا العالم هو الارتقاء بها من الحالة الدنيا إلى حالة الكمال التي تؤهلها للانعتاق والنجاة من أسر الطبيعة. والإخوان في سياق تعليمهم الخاص بارتقاء النفس قد وضعوا الأسس الأولى لنظرية ارتقاء الأنواع مما قالت به الداروينية بعدهم بنحو ألف عام. وهذا ما يقودنا إلى الفصل التالي.
الفصل الرابع
ارتقاء النفس والنجاة من أسر الطبيعة
في الارتقاء الطبيعي
عندما أهبطت الروح من مكانتها العليا إلى عالم المادة تقطعت ثلاث فرق: «فرقة اتحدت بجوهرية المعادن، وفرقة اتحدت بجوهرية النبات، وفرقة اتحدت بجوهرية الحيوان الذي أفضله عالم الإنسان ... ولا تزال الأشياء موجودة على ما هي به من اجتماع الكثيف باللطيف، ما دامت النفوس الجزئية متحركة بالنشوء والبلى، والكون والفساد والترقي من الحال الأدنى إلى الحال الأعلى، حتى تترقى كلها، وتصعد بأجمعها كما تتصاعد المياه من البخارات وتصير في الغمام ولا تبقى في الأواني إلا تفالاتها، فيرمى بها؛ إذ لا حاجة إليها. واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأنه سترجع النفوس الجزئية إلى النفس الكلية بأجمعها، وتصير في عالمها الروحاني ومحلها النوراني وحالها الأزلي ووقتها الدهري الأبدي السرمدي الذي لا نهاية لطوله، الذي كانت فيه قبل تعلقها بالجسم» (جا: 272).
إن العالم الطبيعي مليء بالأرواح، والنفوس التي أهبطت من عليائها لم تسجن فقط في الهيئة الحيوانية التي أشرفها الهيئة الإنسانية، وإنما في الهيئة النباتية، وحتى في العناصر التي تتكون منها الأرض، والتي نظنها مواتا لا حياة فيها: «واعلم يا أخي أن لهذه الجواهر [المعدنية] خواص كثيرة، وطباعها مختلفة، فمنها متضادة متنافرة، ومنها متشاكلة متآلفة، ولها تأثيرات بعضها في بعض، إما جذبا أو إمساكا أو دفعا أو نفورا. ولها أيضا شعور خفي وحس لطيف كما للنبات والحيوان، إما شوقا ومحبة، وإما بغضا وعداوة. والدليل على صحة ما قلنا وحقيقة ما وصفنا، قول الحكماء في كتاب الأحجار ونعتهم لها أن طبيعة تألف طبيعة، وطبيعة تناسب طبيعة أخرى، وطبيعة تلتصق بطبيعة، وطبيعة تأنس بطبيعة، وطبيعة تقهر طبيعة» (19: 2، 110).
وهنالك عملية ارتقاء دائبة تحصل في هذه المستويات الثلاثة التي حبست فيها النفوس الجزئية في العالم الطبيعي الذي هو بمثابة جهنم لهذه النفوس. فالنفوس المعدنية ترتقي وتتحول إلى نفوس نباتية، وهذه بدورها ترتقي وتتحول إلى نفوس حيوانية، وهذه أيضا تصعد نحو المرتبة الإنسانية التي يحصل عندها وحدها التحرر والخلاص من سجن المادة. وهيئة الإنسان المنتصبة هي الصراط المستقيم الذي يصعد بالروح إلى الملأ الأعلى: «ولما أهبطت النفس الجزئية وقرنت بالهياكل الجسمانية، افترقت من حال إلى حال حتى بلغت إلى آخر باب في جهنم عالم الكون والفساد، وهي الصورة الإنسانية ... فإن صورة الإنسان أجل الأشكال وأتم الصور، وذلك أنه منتصب، وهو الصراط الممدود بين الجنة والنار، وهو سيد الصور، وذلك أنه منتصب وجميع الصور التي دونه ساجدة له وراكعة وهو ربها وسيدها ... وهي مكلفة بطاعته والسجود له، كما هو مكلف بطاعة ربه والخضوع إليه ... وعبادته سبحانه وتعالى حق عبادته. ولذلك وجب عليه الطاعة والانقياد لباريه، وسقط ذلك عن غيره من الحيوانات» (جا: 63-64). «إن الأرض بما عليها من المدن والقرى والجزائر التي في البحار، وما فيها من المساكن، كلها حبوس ومطامير وسجون ومضائق للنفوس الجزئية، وكذلك جميع أشخاصها من النبات والحيوان ذوات النفوس كلها قيود وأغلال وكبول للنفوس المتعلقة بما يجذبها إلى أسر الطبيعة؛ وأنها كلها برازخ، ولكنها متفاوتة الصفات ومتغايرة الدرجات، ومتباينة الصور من الضيق والاتساع والاتضاع والارتفاع والآلام واللذات؛ وأن منها ما هو في العذاب المهين والذل المقيم مثل البهائم المستعملة والحيوانات المذبوحة في الهياكل والبيع، والنبات الذي هو في غاية الذل والهوان؛ وأن من أكملها صورة وأتمها بنية وأعلاها منزلة الصورة الإنسانية، وأنها صراط مستقيم وكتاب مبين وطريق قويم، وهي المطية التي من سار عليها قاصدا، وكان في سيره على الحق معتمدا، فلا شك أنه يصل بها إلى دار السعادة، ويفارق دار الهوان» (جا: 53-54). «واعلم يا أخي أن المعادن تستحيل إلى أجسام النبات، وأجسام النبات تستحيل إلى أجسام الحيوان، وأشرف الحيوان الإنسان. فصورة النبات صراط منكوس إلى العمق
অজানা পৃষ্ঠা