তারিক ইখওয়ান সাফা
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
জনগুলি
لقد راقب الإخوان السماء ودرسوا حركة الكواكب السيارة وعلائقها مع بعضها بعضا، وحاولوا بما تيسر لهم من وسائل معرفة الحجم التقريبي من الأكر التي تشكل العالم. ومن بين الظواهر السماوية التي درسوها وأعطونا عنها تفسيرا علميا دقيقا لا يختلف عما نعرفه اليوم، ظاهرتي الكسوف والخسوف التي يدعونها بظاهرة الكسوفين. قد قالوا فيها: «وهذه الكواكب لبعضها في بيوت بعض مواضع مخصوصة فمنها الشرف والهبوط، ومنها الأوج والحضيض، ومنها الجوزهر ... ومعنى الجوزهر تقاطع طريق الكواكب لطريق الشمس بممرها في البروج في موضعين، أحدهما يسمى رأس الجوزهر ... والآخر ذنب الجوزهر، ويقال لهما أيضا العقدتان ... وإذا اجتمع الشمس والقمر في وقت من الأوقات عند أحدهما في برج واحد ودرجة واحدة، انكسفت الشمس، ولا يكون ذلك إلا في آخر الشهر؛ لأن القمر يصير محاذيا لموضع الشمس من البرج والدرجة، فيمنع نور الشمس عن أبصارنا فنراها منكسفة مثلما تمنع قطعة غيم عن أبصارنا نور الشمس إذا مرت محاذية لأبصارنا ولعين الشمس. وإذا كانت الشمس عند أحدهما وبلغ القمر إلى الآخر انكسف القمر، ولا يكون كسوف القمر إلا في نصف الشهر؛ لأن القمر في نصف الشهر يكون في البرج المقابل للبرج الذي فيه الشمس، وتكون الأرض في الوسط فتمنع نور الشمس عن إشراقه على القمر، فيرى القمر منكسفا؛ لأنه ليس له نور من نفسه وإنما يكتسي النور من الشمس» (3: 1، 120-122).
ولحركة الأفلاك في العالم العلوي موسيقى عذبة ناجمة عن دورانها المتسق المتناغم، يسمعها سكان ذلك العالم فتستلذ بها نفوسهم وتذكرهم بسرور عالم الأرواح التي فوق الفلك. نقرأ في رسالتهم عن الموسيقى: «فإذا استوت الأوتار على هذه النسب الفاضلة وحركت حركات متواترة متناسبة حدث عند ذلك منها نغمات متواترة متناسبة ... فإذا وصلت المعاني المتضمنة في تلك النغمات والألحان إلى المسامع، استلذت بها الطباع، وفرحت فيها الأرواح، وسرت بها النفوس؛ لأن تلك الحركات والسكونات التي تكون بينها، تصير عند ذلك مكيالا للأزمان وأذرعا لها، ومحاكية لحركات الأشخاص الفلكية ... إذا كيل بها الزمان كيلا متساويا متناسبا معتدلا، كانت نغماتها مماثلة لنغمات حركات الأفلاك والكواكب، ومناسبة لها ... اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه لو لم يكن لحركات أشخاص الأفلاك أصوات ولا نغمات، لم يكن لأهلها فائدة من القوة السامعة الموجود فيهم. فإن لم يكن لهم سمع فهم صم بكم عمي. وهذه حال الجمادات الجامدات الناقصات الوجود. وقد قام الدليل وصح البرهان بطريق المنطق الفلسفي، أن أهل السماوات وسكان الأفلاك هم ملائكة الله وخالص عباده، يسمعون ويبصرون ويعقلون ويعلمون ويقرءون ويسبحون الليل والنهار ... ويقال إن فيثاغورس الحكيم سمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات حركات الأفلاك والكواكب فاستخرج بجودة فطرته أصول الموسيقى ونغمات الألحان، وهو أول من تكلم في هذا العلم، ثم بعده نيقوماخس وبطليموس وإقليدس وغيرهم من الحكماء. وهذا كان غرض الحكماء من استعمالهم الألحان الموسيقية ونغم الأوتار في الهياكل وبيوت العبادة؛ وخاصة الألحان المحزنة المرققة للقلوب القاسية المذكرة للنفوس الساهية والأرواح اللاهية الغافلة عن سرور عالمها الروحاني ومحلها النوراني ... ولإخراجها من عالم الكون والفساد، ولتخليصها من غرق بحر الهيولى، ونجاتها من أسر الطبيعة» (5: 1، 205-210).
على أن انقسام الموجودات إلى عالم علوي وعالم سفلي، لا يعني استقلال كل عالم بنفسه عن الآخر؛ لأن العالم بأسره يشبه مدينة واحدة أو حيوانا واحدا ذا نفس واحدة تسري قواها في العالمين جميعا من لدن الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض. في هذه المنظومة المتكاملة تلعب الكواكب السيارة دورا فاعلا في نقل النور والفيض والقوى من الأعلى إلى الأسفل: «واعلم يا أخي أن أول قوة تسري من النفس الكلية نحو العالم، فهي في الأشخاص الفاضلة النيرة التي هي الكواكب الثابتة، ثم بعد ذلك في الكواكب السيارة، ثم بعد ذلك فيما دونها من الأركان الأربعة، وفي الأشخاص الكائنة منها من المعادن والنبات والحيوان.
واعلم بأن مثال سريان قوى النفس الكلية في الأجسام الكلية والجزئية جميعا كمثال سريان نور الشمس والكواكب في الهواء ومطارح شعاعاتها نحو مركز الأرض.
واعلم يا أخي بأن الكواكب السيارة ترتقي تارة بحركاتها إلى أعلى ذرا أفلاكها وأوجاتها، وتقرب من تلك الأشخاص الفاضلة التي تسمى الكواكب الثابتة، وتستمد منها النور والفيض والقوى؛ وتارة تنحط إلى الحضيض، وتقرب من عالم الكون والفساد، وتوصل تلك الفيضات والقوى إلى هذه الأشخاص السفلية، فتسري فيها كما تسري قوة النفس الحيوانية في الدماغ، ثم بتوسط الأعصاب تصل إلى سائر أطراف البدن، كما بينا في رسالة الحاس والمحسوس. فإذا وصلت تلك القوى والفيضات مع شعاعاتها إلى هذا العالم فإنها تسري أولا في الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ثم يكون ذلك سببا لكون الكائنات التي هي المعادن والنبات والحيوان» (3: 1، 146-147).
أما عن كيفية نشوء الجزئيات المولدات، التي هي المعادن والنبات والحيوان، عن الأركان الأربعة، فللإخوان فيها نظرية تدل على تفكير علمي مادي سليم: «واعلم يا أخي بأن هذه الأركان الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض، فيصير الماء تارة هواء، وتارة أرضا، وهكذا أيضا حكم الهواء، فإنه يصير تارة ماء، وتارة نارا. وكذلك النار، وذلك أن النار إذا أطفئت وخمدت صارت هواء، والهواء إذا غلظ صار ماء، والماء إذا جمد صار أرضا، وعكس ذلك أن الأرض إذا تحللت ولطفت صارت ماء، والماء إذا ذاب صار هواء، والهواء إذا حمي صار نارا، وليس للنار أن تلطف فتصير شيئا آخر، ولا للأرض أن تغلظ فتصير شيئا آخر. ولكن إذا اختلطت أجزاء هذه الأركان بعضها ببعض، كان منها المتولدات الكائنات الفاسدات التي هي المعادن والنبات والحيوان. وأصل هذه كلها البخارات والعصارات إذا امتزج بعضها ببعض، فالبخار ما يصعد من لطائف البحار والأنهار والآجام في الهواء من إسخان الشمس والكواكب لها بمطارح شعاعاتها؛ والعصارات مما ينجلب في باطن الأرض من مياه الأمطار، وتخلط بالأجزاء الأرضية وتغلظ، فتنضجها الحرارة المستنبطة في عمق الأرض.
اعلم بأن أول ما يستحيل هي الأربعة الأركان إلى هذين الخليطين، أعني البخارات والعصارات، ويكون هذان الخليطان هيولى ومادة لسائر الكائنات الفاسدات التي تحت فلك القمر، وذلك أن الشمس والكواكب إذا سخنت المياه ... قللت المياه، ولطفت أجزاء الأرض، وصارت بخارا ودخانا. والبخار والدخان يصيران سحابا، والسحاب يصير أمطارا، والأمطار إذا بللت التراب واختلطت الأجزاء الأرضية بالأجزاء المائية، تتكون منها العصارات، والعصارات تكون مادة وهيولى للكائنات التي هي المعادن والنبات والحيوان» (17: 2، 57-58).
وينسب الإخوان كل الحوادث التي تجري في العالم السفلي الذي دون فلك القمر إلى قوى طبيعية يجملونها تحت اسم «الطبيعة»، وهي القوى التي يدعوها الدين بالملائكة. وهي تمارس نشاطها الخلاق بواسطة الأشخاص الفلكية: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الطبيعة: إنما هي قوة من قوى النفس الكلية، منبثة منها في جميع الأجسام التي دون فلك القمر، سارية في جميع أجزائها كلها، تسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكلين بحفظ العالم وتدبير الخليقة، بإذن الله، وتسمى باللفظ الفلسفي: قوى طبيعية، وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري، جل ثناؤه ... والأشخاص الفلكية للطبيعة كالأدوات للصانع، وذلك أن الفلك يدوم دورانه حول الأرض في كل أربع وعشرين ساعة دورة واحدة، وبحركات كواكبه ومطارحه شعاعاته في سمك الهواء على سطح الأرض والبحار وإسخانها لا، يحلل المياه فيصيرها بخارا، ويلطف أجزاء التراب فيصيرها دخانا، وتختلطان، ويكون منهما المزاجات كما يكون من أصباغ المصورين. ثم إن قوى النفس الكلية الفلكية السارية في جميع الأجسام المسماة الطبيعة، تنقش وتصور وتصوغ من تلك المزاجات والأخلاط أجناس الكائنات التي هي الحيوان والنبات والمعادن، بإذن الله، عز وجل» (18: 2، 63-65).
على أن الطبيعة في تكوينها للمولدات الجزئيات في عالم الكون والفساد، لا تعمل مستقلة عن الباري عز وجل، فهي قوة من قوى النفس الكلية، والنفس الكلية فيض عن المبدع الأول: «واعلم أن الله تعالى غير محتاج في أفعاله إلى الأدوات والآلات والأماكن والأزمان والهيولى والحركات، بل فعله الخاص به هو: الإبداع والاختراع، إذ الاختراع هو الإخراج من العدم إلى الوجود ...
واعلم أن طائفة من المجادلة أنكرت أفعال الطبيعة لما جهلت ماهية الطبيعة نفسها، ولم تدر أنها ملك من ملائكة الله تعالى الموكلين بتدبير عالمه وإصلاح خلائقه، فنسبت كل أفعال الطبيعة إلى الباري، جل ثناؤه، حسنة كانت أم سيئة، خيرا كانت أم شرا. وفيهم من نسب ما كان حسنا إلى الباري وما كان قبيحا إلى غيره ...
অজানা পৃষ্ঠা