তারিক ইখওয়ান সাফা
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
জনগুলি
لأن الشمس تفيض الفيض منها على الهواء متواترا متصلا، فإذا حجز بينهما حاجز، عدم ذلك الضوء من الهواء؛ لأنه يضمحل ساعة ساعة، ولا يتواتر الفيض عليه؛ وهكذا الحياة من النفس على الأجسام ما دامت متصلة متواترة، تدوم الحياة، فإذا فارقت النفس الجسد، بطلت حياة الجسد من ساعته واضمحلت. وهكذا حكم وجود العالم وبقائه من الباري تعالى، ما دام الفيض والجود والعطاء متواترا متصلا دام وجود العالم من الله تعالى» (40: 3، 348-350). «اعلم أن وجود العالم عن الباري ليس كوجود الدار عن البناء، أو كوجود الكتاب عن الكاتب، [ذلك الوجود] الثابت المستقل بذاته، المستغني عن الكاتب بعد فراغه من الكتابة، وعن البناء بعد فراغه من أبنية الدار؛ ولكن كوجود الكلام عن المتكلم الذي إن سكت بطل وجود الكلام. فالكلام يكون موجودا ما دام المتكلم به يتكلم ومتى سكت بطل وجوده. أو كوجود نور السراج في الهواء، ما دام السراج باقيا، فالنور باق موجود. أو كوجود ضوء الشمس في الجو، فإذا غابت الشمس بطل وجدان الضوء من الجو ...
ثم اعلم أن كلام المتكلم ليس هو جزءا منه، بل فعل فعله أو عمل عمله وأظهره بعد أن لم يكن. وهكذا حكم النور الذي يرى في الجو عن جرم الشمس ليس هو جزءا منها بل هو أشخاص منها وفيض وفضل منها ... وهكذا الحكم والمثال في وجود العالم عن الباري، وذلك أن العالم ليس بجزء منه، بل فضل تفضل به، وفيض جود أفاضه، وفعل فعله بعد أن لم يكن فعل ... ولا ينبغي أن تظن أن وجود العالم عن الله تعالى طبعا بلا اختيار منه مثل: وجود نور الشمس في الجو طبعا لا اختيار منها، ولا تقدر أن تمنع نورها وفيضها؛ لأنها مطبوعة على ذلك طبعها رب العالمين، فأما الباري تعالى فمختار في فعله إن شاء فعل، وإن شاء أمسك عن الفعل تركا، مثل المتكلم القادر على الكلام، إن شاء تكلم، وإن شاء أمسك وسكت» (39: 3، 337-338).
هذا الفيض الإلهي قاد إلى ظهور عالمين، عالم روحاني: مرتبته فوق الفلك المحيط، وعالم جسماني: هو الفلك المحيط وما يليه من أفلاك، وهو ينقسم بدوره إلى قسمين، الأول: هو الأعلى والأكثر شفافية ونقاء ويمتد من الفلك المحيط إلى منتهى فلك القمر، ويدعى عالم الأفلاك. والثاني: هو الأدنى والأغلظ، ويقع دون فلك القمر، ويدعى عالم الأركان الأربعة، وهو دائم التغير والاستحالة، ولذلك يدعى أيضا عالم الكون والفساد: «ثم اعلم أن لله تعالى عالمين: أحدهما جسماني، والآخر روحاني. فالعالم الجسماني: هو الفلك المحيط وما يحويه من سائر الأفلاك، والكواكب، والأركان، والمولدات الثلاثة [المعادن والنبات والحيوان]، والعالم الروحاني: هو عالم العقل وما يحويه من النفس، والصور التي ليست بأجسام ذوات الأبعاد الثلاثة التي هي ظل ذي ثلاث شعب.
4
ثم اعلم أن العالم الروحاني محيط بعالم الأفلاك، كما أن عالم الأفلاك محيط بعالم الأركان الذي دون فلك القمر. وقد جعل الله تعالى عالم الأفلاك كريات الأشكال، مستديرات الحركات؛ لأن هذا الشكل هو أفضل الأشكال من عدة وجوه ومعان، والحركة المستديرة أفضل الحركات من جهات شتى ...
فإذا قيل: لم جعل الباري تعالى عالم الأجسام قسمين، أحدهما: علوي هو عالم الأفلاك وما فيها من أصناف الأكر والكواكب، والآخر: سفلي وهو عالم الأركان وما فيها من أجناس الخلائق؟ فيقال له: لعلل شتى وأسباب عدة، ولما فيه من إتقان الحكمة وإحكام الصنعة ما لا يبلغ فهم البشر كنه معرفتها، ولكن نذكر طرفا منها فنقول: ليكون في ذلك تبصرة للعقلاء وبيان لأولي الأبصار. فإن لله دارين اثنتين، إحداهما: هي الدنيا التي هي عالم الأجسام ومسكن الأجرام، والأخرى: هي الدار الآخرة التي هي عالم الأرواح ومحل النفوس» (40: 3، 361-362).
وكما سيشرح لنا الإخوان فيما بعد عبر تصوراتهم عن الآخرة والنشأة الثانية، فإن النفوس الجزئية التي اتحدت بالأجسام الإنسانية تنتقل عبر هذه المراتب الثلاثة للوجود. فإذا هي حققت العرفان الذي يقود إلى نجاتها من أسر الطبيعة، انتقلت إلى عالم الأفلاك الذي هو الجنة، فتقيم هناك حتى يحين موعد انسحاب النفس الكلية من جسد العالم، ويخرب العالم المادي، فتعود هذه النفوس إلى الالتحاق بالنفس الكلية في العالم الروحاني الأعلى.
ولكن هل تم إبداع هذه العوالم الروحانية والجسمانية دفعة واحدة، أم على مراحل؟ إن الإخوان في جوابهم عن هذه المسألة يقفون على جانب النظرية التطورية التي أثبتتها العلوم الكونية الحديثة: «ثم اعلم أن كل لبيب عاقل إذا فكر في كيفية حدوث العالم وإبداع الباري له، وخلقه أطباق السماوات والأرض، وتركيبه أكر الأفلاك، وتدويره أجرام الكواكب البسيطة والأركان الأربعة، وتكوينه المولدات الثلاثة منها، فلا بد له أن يعتقد فيها أحد الآراء الثلاثة: إما أن يظن ويتوهم بأنها أبدعت دفعة واحدة، وأخرجها الباري تعالى من العدم إلى الوجود على ما هي عليه الآن، أو يظن ويتوهم بأنها أبدعت على تدريج فأخرجت على ترتيب أولا فأولا إلى آخرها على مر الدهور والأزمان، أو يقول بعضها دفعة، وبعضها على التدريج؛ إذ ليس في القسمة العقلية غير هذه الثلاثة.
فأما من يظن ويقول إنها أبدعت دفعة واحدة بلا زمان، فلا يجد لما يقول دليلا من الشاهد، فيتشكك فيما يقول. وأما من يقول: إنها أبدعت وأخرجت من العدم إلى الوجود على تدريج ونظام وترتيب، فهو يجد على ما يقوله شواهد كثيرة من الموجودات باستقراء واحد. وأما من يقول: إن بعضها أبدع وأحدث دفعة واحدة، وبعضها على التدريج [وهذا رأي إخواننا الكرام]، فهو يحتاج إلى أن يبينها ويشرحها ويفصلها، فنقول:
إن الأمور الطبيعية أحدثت على تدريج مر الدهور والأزمان، وذلك أن الهيولى الكلي، أعني الجسم المطلق، قد أتى عليه دهر طويل إلى أن تمخض وتميز اللطيف منه من الكثيف، وإلى أن قبل الأشكال الفلكية الكرية الشفافة وتركب بعضها في جوف بعض، وإلى أن استدارت أجرام الكواكب النيرة، وركزت مراكزها، وإلى أن تميزت الأركان الأربعة، وترتبت مراتبها وانتظمت نظامها. والدليل على ذلك قوله تعالى:
অজানা পৃষ্ঠা