তারিক ইখওয়ান সাফা
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
জনগুলি
ولما دام الفيض من الباري تعالى على العقل، ومن العقل على النفس، عطفت النفس على الجسم فصورت فيه الصور والأشكال والأصباغ، لتتمه بالفضائل والمحاسن بحسب ما يمكن قبول الجسم وصفاء جوهره. فأول صورة عملت النفس في الجسم الشكل الكري الذي هو أفضل الأشكال كلها، وحركته بالحركة الدورية التي هي أفضل الحركات، ورتبت بعضها في جوف بعض من لدن الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وهي إحدى عشرة كرة، فصار الكل عالما واحدا، منتظما نظاما كليا واحدا، وصارت الأرض أغلظ الأجسام كلها، وأشدها ظلمة لبعدها من الفلك المحيط، وصار الفلك المحيط ألطف الأجسام كلها وأشدها روحانية، وأشفها نورا، لقربه من الهيولى الأولى التي هي جوهر بسيط معقول. وصارت الهيولى أنقص رتبة من العقل والنفس لبعدها من الباري جل وعز» (32: 3، 196-198).
وأيضا: «لما كانت الموجودات كلها مرتبة بعضها تحت بعض، متعلقة في الوجود بالعلة الأولى الذي هو الباري تعالى كتعلق العدد وترتيبه عن الواحد الذي قبل الاثنين، وكانت النفس أحد الموجودات، وكانت مرتبتها دون العقل وفوق الجسم المطلق، وكان الجسم فارغا من الأشكال والصور والنقوش والحياة، قابلا لها بالطبع؛ وكانت النفس حية بالذات، علامة بالقوة، فعالة بالطبع، ولم يكن من الحكمة الإلهية والعناية الربانية أن تترك النفس فارغة غير مشغولة بضرب من الحكمة، وأن يكون الجسم، مع قبوله للتمام، عاطلا ناقص الحال؛ ولم يكن للنفس أن تتحكم على الموجودات التي فوق رتبتها والتي هي العقل الفعال، [فقد] عطفت النفس بواجب الحكمة على الجسم المطلق؛ إذ كان دونها في الرتبة، فتحكمت فيه بالتحريك له والشكل والتصاوير والنقوش والأصباغ ليتم الجسم بذلك، وتكمل النفس أيضا بإخراج ما في قوتها من الحكمة والصنائع إلى الفعل والظهور والإظهار ...
فمن أجل هذا ربطت النفس الكلية بالجسم الكلي المطلق الذي هو جملة العالم من أعلى فلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وهي سارية في جميع أفلاكه وأركانه ومولداته، ومدبرة لها ومحركة بإذن الله تعالى وتقدس» (29: 3، 36). «ومكنها الله تعالى من ذلك وجعله جسدا لها ... فأقبلت تمثل فيه ما كان ممثلا فيها، وتخرجه من القوة إلى الفعل، ومن المعقول إلى المحسوس، الشيء بعد الشيء» (30: 3، 88). «واعلم يا أخي أن العقل إنما قبل فيض الباري تعالى وفضائله التي هي البقاء والتمام والكمال دفعة واحدة بلا زمان ولا حركة ولا نصب؛ لقربه من الباري - عز وجل - وشدة روحانيته. فأما النفس فإنه لما كان وجودها من الباري - جل ثناؤه - بتوسط العقل، صارت رتبتها دون العقل، وصارت ناقصة في قبول الفضائل، ولأنها أيضا تارة تتوجه نحو العقل لتستمد منه الخير والفضائل، وتارة تقبل على الهيولى لتمدها بذلك الخير والفضائل. فإذا هي توجهت نحو العقل لتستمد منه الخير اشتغلت عن إفادتها الهيولى ذلك الخير، وإذا هي أقبلت على الهيولى لتمدها بذلك الفيض اشتغلت عن العقل وقبول فضائله.
ولما كانت الهيولى ناقصة الرتبة عن تمام فضائل النفس، وغير راغبة في فيضها، احتاجت النفس أن تقبل عليها إقبالا شديدا، وتعنى بإصلاحها عناية تامة، فتتعب ويلحقها العناء والشقاء في ذلك. ولولا أن الباري، عز وجل، بفضله ورحمته أيدها بالعقل وأعانها على تخليصها، لهلكت النفس في بحر الهيولى ... وأما العقل فليس يناله في تأييده النفس تعب ولا نصب؛ لأن النفس جوهرة روحانية سهلة القبول، تطلب فضائل العقل، وترغب في خيراته ...
وأما الهيولى فلبعدها من الباري، تعالى ذكره، صارت ناقصة المرتبة، عادمة الفضائل، غير طالبة لفيض النفس ولا راغبة في فضائلها، ولا علامة ولا مفيدة ولا حية، بل قابلة فحسب. فمن أجل هذا يلحق النفس التعب والعناء والجهد والشقاء في تدبيرها الهيولى وتتميمها لها» (32: 3، 185-186). «واعلم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الوجود متقدم على البقاء، والبقاء متقدم على التمام، والتمام متقدم على الكمال؛ لأن كل كامل تام، وكل تام باق وكل باق موجود. ولكن ليس كل موجود باقيا ، ولا كل باق تاما، ولا كل تام كاملا. وذلك أن الباري، جلت أسماؤه، الذي هو علة الموجودات ومبدعها ومبقيها ومتممها ومكملها، أول فيض فاض منه الوجود، ثم البقاء، ثم الكمال» (32: 3، 182). «واعلم أن علة وجود العقل هي وجود الباري، عز وجل، وفيضه الذي فاض منه. وعلة بقاء العقل هو إمداد الباري، عز وجل، له بالوجود والفيض الذي فاض أولا، وعلة تمامية العقل هي قبول ذلك الفيض والفضائل واستمداده من الباري تعالى. وعلة كمال العقل: هي إفاضة ذلك الفيض والفضائل على النفس بما استفاده من الباري عز وجل. فبقاء العقل إذا علة لوجود النفس، وتمامية العقل علة لبقاء النفس، وكماله علة لتمامية النفس، وبقاء النفس علة لوجود الهيولى، وتمامية النفس علة لبقاء الهيولى. فمتى كملت النفس تمت الهيولى. وهذا هو الغرض الأقصى في رباط النفس بالهيولى، ومن أجل هذا دوران الفلك وتكوين الكائنات لتكمل النفس بإظهار فضائلها في الهيولى، وتتم الهيولى بقبول ذلك. ولو لم يكن هذا هكذا لكان دوران الفلك عبثا» (32: 3، 185).
وإذا كان ما دون الله قد ظهر عنه من خلال فعالية الفيض، فإن هذا الفيض يبقى متواترا لا يفتر؛ لأن به وجود العالم وبقاءه واستمراره. فالخلق والحالة هذه ليس عملا إلهيا تم في مطلع الزمن ثم توقف، بل هو فعالية دائمة تحفظ الكون في كل لحظة: «ثم اعلم أن الأشياء هي أعيان، أي صور غيريات أفاضها تعالى، وأبدعها كما أن العدد هو أعيان، أي صور غيريات، فاض من الواحد بالتكرار في أفكار النفوس، والأشياء كانت في علم الباري تعالى قبل إبداعه واختراعه لها، كما أن الواحد لم يتغير عما كان عليه قبل ظهور العدد منه في أفكار النفوس.
ومن أخص أوصاف الباري أنه غير الوجود، وأصل الموجودات وعلتها، كما أن الواحد أصل العدد ومبدؤه ومنشؤه، ولو كان للباري تعالى ضد لكان العدم، ولكن العدم ليس بشيء، والباري تعالى في كل شيء، ومع كل شيء، من غير مخالطة لها ولا ممازجة معها، كما أن الواحد في كل عدد ومعدود، فإذا ارتفع الواحد من كل الموجود توهمنا ارتفاع العدد كله، وإذا ارتفع العدد لم يرتفع الواحد، كذلك لو لم يكن الباري لم يكن شيء موجودا أصلا، وإذا بطلت الأشياء لا يبطل هو ببطلان الأشياء ...
ثم اعلم أن كل موجود تام فإنه يفيض منه على ما دونه فيض ما، وأن ذلك الفيض هو من جوهره، أعني صورته المقومة التي هي ذاته. والمثال في ذلك حرارة النار فإنها تفيض منها على ما حولها من الأجسام، من التسخين والحرارة، وهي جوهرية النار التي هي صورتها المقومة لها، وهكذا أيضا يفيض من الماء الترطيب والبلل على الأجسام المجاورة له. والرطوبة جوهرية في الماء، وهي صورة مقومة لذاته، وهكذا أيضا يفيض من الشمس النور والضياء على الأفلاك والهواء؛ لأن النور جوهري في الشمس، وهي صورته المقومة لذاته. وهكذا أيضا تفيض من النفس الحياة على الأجسام؛ لأن الحياة جوهرية لها، وهي الصورة المقومة لذاتها.
ثم اعلم أنه ما دام الفيض من الفائض يكون متواترا متصلا، دام ذلك المفاض عليه، ومتى لم يتواتر متصلا، عدم [المفاض عليه] وبطل وجوده؛ لأنه يضمحل الأول فالأول. والمثال في ذلك الضوء في الهواء، فإذا تواتر البرق واتصل، بقي الهواء مضيئا مثل النهار؛ [وكذلك الشمس إذا تواتر ضوءها]
3
অজানা পৃষ্ঠা