وترتب على ذلك أن ناظرة المدرسة كانت تكرهني كراهة شديدة، ولولا حسن الحظ في أنها اصطدمت بالمرحومة السيدة فاطمة عمر، وكان ذلك الاصطدام سببا في خروج المرحومة، وكانت أولى الفرقة التي كانت قبلي بسنة واحدة، لولا ذلك لسعت الناظرة في الإخراج، ولكن عدد الطالبات في ذلك الوقت كان قليلا كما قدمت، وكانت هي سببا في إخراج أولى السنة الثانية، وقد لفتت نظرها الوزارة لهذا الأمر فخشيت إن هي فصلتني، أو اضطرتني إلى الخروج أن لا توافقها الوزارة على ذلك؛ ولذلك تحملتني سنتين على مضض وضغينة، فلما نقلت إلى السنة الثالثة بلغ الأمر بيننا أشده، فكانت تتعمد إيلامي في كل صغيرة أو كبيرة، وكان لا بد من إخراجي، أو تركي المدرسة لشدة تعنتها لولا أن زميلتي السيدة الفاضلة عائشة صبحي تركت المدرسة في نهاية السنة الثانية، وكانت ثانية الفصل، ولم يعد في فصلي بعد ذا إلا ثلاث أنا رابعتهن، وقد خشيت الناظرة إن هي طلبت إخراجي، أو اضطهدتني إلى حد يضطرني إلى الخروج أن لا توافقها الوزارة على ذلك العمل، فكانت تؤلمني حتى إذا صممت على ترك المدرسة عادت تلين وترجو.
وفي ذات يوم قالت لي كلمة جارحة آلمتني كل الإيلام، وكان ذلك عند خروجي من آخر حصة من حصص الصباح، تألمت إلى حد تدفقت معه دموعي سيولا، وتأثرت تأثرا جعل حرارتي ترتفع إلى 39 درجة، وبدلا من أن أذهب إلى الغذاء ذهبت إلى مستشفى المدرسة، وكان به في ذلك الوقت طبيب المدرسة المرحوم الدكتور علوي باشا، وقد أخفيت دموعي أمامه، وتظاهرت أن المسألة مرض فجائي؛ وذلك لأني كنت في شبابي أتعالى عن الشكوى، أما في كهولتي اليوم فقد أصبحت لا أجد في بث شكواي من الغضاضة ما كنت أجده قبل ذلك؛ لهذا كتمت شكواي من حضرة الناظرة، وكشف علي الطبيب كمريضة فصرح لي بإجازة خمسة عشر يوما، وما كاد خبر الإجازة يصل إلى حضرة الناظرة، وقد ارتديت ملابسي، وعولت أن أذهب إلى منزلي ولا أعود، ما كاد يصلها ذلك الأمر حتى هرعت إلى الطبيب، وهي ترغي وتزبد، وتقول: كيف تصرح لها بالإجازة وهي ليست بمريضة؟ وقد أدت كل حصص الصباح وهي في غاية الصحة، وكل الأمر أنها غضبت مني فتصنعت المرض. فقال لها الطبيب: إن حرارتها يا سيدتي 39 درجة بل تزيد على ذلك قليلا، وما علمت بمريض يتصنع المرض فترتفع حرارته. قالت: لعل هذا سبب غضبها؟ قال: وإذا كان غضبها منك قد رفع حرارتها إلى درجة 39، فهل يجوز لي أن أبقيها معك لترتفع حرارتها إلى درجة الموت إذا أنت أغضبتها مرة أخرى؟
صمم الطبيب على إعطائي الإجازة، وذهبت جهود الناظرة سدى، وخشيت إن أنا خرجت في حالة غضبي هذه أن لا أعود، فأتت إلي في غرفة الانتظار حيث كنت أنتظر الإجازة بالخروج، وقبلتني قبلة حارة تدل على شغفها بي إلى حد الغرام، وقالت إنها لا تمانع في أن أخرج، لكن لا بد من أن أخرج مسرورة لا غاضبة، وحتمت أن أستريح، وأن آكل قبل خروجي، وما كاد يتم هذا حتى هبطت حرارتي، الأمر الذي أدهشني كل الدهشة، وهنا تأكدت أن للغضب أو السرور أثرا عظيما في صحتي، ولقد سبق أني ذكرت أني لما سررت في طفولتي شفيت من مرضي.
أحضرت لي الناظرة في غرفة الانتظار قليلا من الطعام، وشيئا من الفاكهة، وجلست تواسيني، وتطلب مني أن لا أتغيب كل تلك المدة التي صرح لي بها، وكان ذلك يوم أربعاء فوعدتها بالطاعة، وخرجت بعد أن قبلتني ثانية وثالثة، وعدت يوم السبت، ومن ذلك اليوم جعلت تتحاشى إيلامي، لكنها كانت تتمنى لي من صميم قلبها أن لا أنجح، على أنها كانت تعلم حق العلم أن أملها في عدم نجاحي ضائع لا محالة.
كنت أكن للناظرة ما كانت تكنه لي، وفي يوم دخلت علينا في المذاكرة فحركت حقدي، وما كادت تخرج حتى ابتدأت أكتب في كناشة الأعمال الأبيات الآتية:
حلوا فراح الحزم وارتحل الحجا
وانهد جاه العلم والآراء
حملوا على جيش الفضيلة فانثنوا
متسربلين بحلة حمراء
هذا دم الإنصاف فوق ثيابهم
অজানা পৃষ্ঠা