ইসলামী সভ্যতার ইতিহাস (প্রথম খণ্ড)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
জনগুলি
على أن تلك الأمم لم تستطع الظهور في عالم الحضارة إلا بعد أجيال متوالية، أما العرب فلم يمض على نشوء دولتهم قرن حتى ظهر تمدنهم وبانت ثمار عقولهم، وفي القرنين الثاني والثالث الهجري ملأوا الأرض علما وأدبا ومدنية وحضارة.
وزد على ذلك أن الجرمان الذي نشأ منهم فيما بعد عدد من أعظم دول الأرض، قضوا أجيالا متطاولة وهم يغيرون على الدولة الرومانية قبل الإسلام وبعده، وفتحوا كثيرا من مدنها ودخل بعضهم رومية نفسها ولم يكن من ثمار فتوحهم في القرون الأولى غير النهب والقتل، واعتبر ذلك في غزوات الهون في القرن الخامس للميلاد، فإنهم اكتسحوا شمالي الدولة الرومانية وشرقيها، وفتحوا المجر ورومانيا وسائر شرق أوروبا، وأنشأوا هناك دولة عرفت بدولة الخاقانات حكمت مائتي سنة - كما فعل العرب باكتساح سوريا ومصر والعراق - لكن الهون لم ينشؤوا تمدنا ولا خلفوا حضارة مع أنهم أقرب إلى مركز التمدن اليوناني من العرب. وغزا الصقالبة في القرن السادس للميلاد الدولة الرومانية الشرقية حتى طرقوا أبواب القسطنطينية ثم عادوا ولم يتمدنوا. ألا يدل ذلك على أن في العرب استعدادا خاصا للحضارة؟ (2) الحجاز في العصر الجاهلي
لجاهلية العرب عصران الجاهلية الأولى في عهود من ذكرنا من أمم العرب البائدة ومن خلفهم في اليمن وغيرها، والجاهلية الثانية نريد بها حالة جزيرة العرب ولا سيما الحجاز قبل الإسلام بعدة قرون، وللحجاز شأن خاص في ذلك، ففي الجاهلية الثانية تمدن العرب في جنوبي جزيرة العرب وفي شماليها وظل أهل الحجاز في أواسطها على بداوتهم، لجدب أرضها وجفاف تربتها مع بعدها عن الاحتكاك بالدول المتحضرة، لتوسطها في الصحراء ووعورة المسالك إليها، حتى امتنعت على الفاتحين العظام مثل رعمسيس الثاني في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، والإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبله، وإيليوس غالوس على عهد يوليوس قيصر في القرن الأول للميلاد، وامتنعت أيضا على ملوك الفرس في إبان دولتهم فآل امتناعهم هذا إلى اطمئنانهم وسكونهم، والإنسان لا ينزع إلى الإصلاح إلا مضطرا، بخطر أو نحوه، ولكنه مفطور على الأثرة والمنافسة، فقامت المنازعات بين العرب أنفسهم وأصبحت مصادر الارتزاق فيها الغزو والنهب ... فشغلهم ذلك عن الالتفات إلى المصادر الأخرى.
على أنهم كانوا على جاهليتهم أهل أنفة وذمام وكرم ووفاء، مما يدل على استعدادهم لمستقبل عظيم.
قضى أهل الحجاز في جاهليتهم الثانية قرونا لا يعلم مقدارها إلا الله وهم في حال البداوة، إلا ما اقتبسوه ممن هاجر إليهم من جالية اليمن جيرانهم، أو من لجأ إلى بلادهم من اليهود، وخصوصا في القرون الأخيرة قبل الميلاد والأولى بعده، فرارا من اضطهاد حكامهم الرومانيين ولا سيما بعد خراب بيت المقدس، وربما هاجر إليهم أيضا قوم من الأنباط وهم أهل تمدن كما تقدم، فجعلوا مكة والمدينة والطائف دار هجرتهم بعد استبداد الرومان بهم، أما اليهود فكانوا يقيمون في يثرب على الأكثر. (2-1) مكة
وكان لليهود تأثير عظيم على عرب الحجاز من حيث الآداب الدينية وطقوسها، فاقتبس العرب منهم أمورا كثيرة كانوا يجهلونها، كالحج والذبائح والزواج والطلاق والكهانة والاحتفال بالأعياد ونحوها، وعلموهم بعض أقاصيص التوراة وفصولا من التلمود، ونشروا بينهم كثيرا من تقاليدهم وعاداتهم، وقد يكون بعض تلك الآداب أو الطقوس متسلسلا إليهم مما كان عند أسلافهم في الجاهلية الأولى، فضلا عمن هاجر إلى الحجاز من أهل اليمن وغيرهم من الأمم التي كانت تحيط بجزيرة العرب، كالكلدان والمصريين والأحباش وغيرهم، فأصبح أهل الحجاز بعد ذلك الاختلاط فئتين أهل البادية الباقين على الفطرة وهم العرب الرحل، وأهل المدن المقيمين في مكة والطائف والمدينة وهم الحضر.
مكة ومسجدها وفي وسطه الكعبة في القرن الثامن عشر للميلاد.
وكانت مكة أشهر مدن الحجاز لاتخاذها محجا يؤمه الناس من أقاصي البلاد لزيارة الكعبة، فأصبحت بتوالي الأجيال مركزا للتجارة لمن يتوافد إليها من الحجاج في المواسم كل عام، فطمحت إليها أنظار أهل السلطة من القبائل القوية، وكانت في أوائل أزمانها في حوزة الحجازيين بني إسماعيل وهم سدنة الكعبة أي حجابها، ثم نزح إليها بنو خزاعة من اليمن بعد سيل العرم نحو القرن الثاني للميلاد وتسلطوا عليها، وغلبوا الحجازيين عليها بما تعودوه من السيادة في عهد دولتهم باليمن، وكان الإسماعيليون (أو العدنانيون) يومئذ ضعافا لا يقوون عليهم، ولكن ناموس الاجتماع قضى عليهم كما قضى على سواهم فدارت الدائرة بعد عدة أجيال على بني خزاعة وضعف أمرهم، وقوي أمر العدنانية، فتفرع منهم كنانة وتشعب من كنانة قريش.
قصي بن كلاب والكعبة
ففي نحو القرن الخامس للميلاد كان سيد قريش ورئيسها قصي بن كلاب بن مرة، وكان حكيما عاقلا ذا سياسة ودهاء، فتزوج ابنة ولي الكعبة (وهو من خزاعة)، طمعا في السدانة، فولد له أولاد اعتز بهم، واشتغل بالتجارة حتى صار غنيا، ولما اقترب أجل حميه أوصى بسدانة الكعبة لابنته زوجة قصي فاعتذرت بأنها لا تستطيع فتح الباب وإغلاقه - وهو عمل سادن البيت عندهم - فأوصى بالولاية لابن له اسمه المحترش أو أبو غبشان، وكان ضعيفا فابتاع قصي ذاك المنصب منه بزق من الخمر.
অজানা পৃষ্ঠা