فأما الذي إتفق له في فتح اليمن فشي ء لم يتفق مثله إلا للأنبياء، وذلك الذي أنفذ من أساورته ستماية إلى ثلاثين ألف نفر، فقتلوهم كلهم حتى لم ينج منهم إلا من لجأ من حر السيف إلى ماء البحر فغرق نفسه فيه وكان سبب ذلك أن الحبشة عبرت البحر إلى اليمن، فأخرجت من فيها من الرجال وتخلت بإفتراش النساء، فخرج ملكهم سيف بن ذي يزن إلى أنوشيروان وأقام على بابه سبع سنين حتى وصل اليه، ورفع إليه خبر الحبشة وما حل منهم بالحرم. وكان أنوشيروان شديد الغيرة فرحمه وقال: سأنظر في أمرك فأفكر! قال: لا يجوز لي في ديني أن أغرر بجيشي فأحملهم في البحر إلى معونة من ليس على ديني، ولكن في سجوني من قد إستحق القتل، فالصواب أن أرمي بهم في نحر هذا العدو فإن ظفروا جعلت تلك البلاد لهم طعمة، وإن هلكوا لم آثم فيه.
فأمر المحبوسين فبلغ عددهم ثمانماية رجل وتسعة رجال، أكثرهم من ولد ساسان وولد بهمن بن أسفنديار، وولى عليهم وهرز وكان من ولد بها فريدون بن ساسان بن بهمن بن أسفنديار. فقال له سيف ابن ذي يزن: يا ملك الملوك أين يقع هؤلاء ممن خلفت ورائي؟ فقال كسرى : «أخبرك أن كثير الحطب يكفيه قليل النار». فساروا في ثماني سفن غرق منها اثنتان ونجت ست، فخرجوا من السفن فأمر وهرز أصحابه أن يأكلوا فأكلوا، ثم عمد إلى باقي المطعوم فغرقه في البحر فقال أصحابه: عمدت إلى زادنا فأطعمته السمك! فقال: إن عشتم أكلتم السمك، وإن لم تعيشوا فلا تأسفوا على عدم الطعام مع تلف الأرواح.
পৃষ্ঠা ৪৬