وفي 29 تشرين الثاني 1912م كتب الطيب بن عيسى صاحب جريدة «المشير» بتونس نبذة في «تاريخ الصحافة التونسية» إجابة لطلبنا، وهي ذات تسع صفحات تتضمن أخبار الصحف التي ظهرت في القطر المذكور باختصار وصدق ونزاهة وتدقيق، وقد ذكرها قاطبة، وما فاته منها سوى الجرائد العربية المطبوعة بحرف عبراني.
هذا ما أمكننا الاطلاع عليه من الكتابات المتعلقة بأخبار صحافتنا سواء كانت من قلم أبناء اللسان العربي أو الأجانب، وقد حملنا داعي البحث على إبداء رأينا الضعيف في كل من الكتابات المذكورة توصلا للحقيقة لا تنكيتا بأصحابها الأجلاء الذين سبقونا في هذا الميدان الوعر، وحاشا لنا أن نقصد في هذا العمل مس حاساتهم أو الخفض من قدرهم؛ لأننا نعتقد فيهم صلاح النية والتجرد عن كل غاية في خدمة هذا الفن الشريف، وليس من منكر ما لهم من المساعي المشكورة في سبيل تعزيز شأن الصحافة التي تتحدث بفضلهم، وترفع لواء الثناء على منزلتهم الرفيعة في عالم الآداب.
الفصل الرابع
وجوه تسمية الصحف الدورية لدى العرب
لما ظهرت الصحافة العربية كان أكثر أسمائها مبتكرا؛ لأن الكتاب تبعوا فيها اصطلاحات اللغة وذوق أهل العصر، فلقبوا الصحف بأسماء تطيب معانيها وتروق ألفاظها كقولهم: حديقة الأخبار ومرآة الأحوال ونزهة الأفكار وغيرها، ثم توسعوا شيئا فشيئا بحيث حذوا حذو الغربيين في مسميات الجرائد والمجلات فعربوها وأطلقوها على صحفنا. هكذا درج عندنا كما درج عند الإفرنج أسماء: الزمان، والوقت، والصباح، والفجر، والأيام، والحضارة، والمدنية، والعمران، والترقي، والتقدم، والنجاح، والتمدن، والنهضة، والإصلاح. وتبعوهم أيضا في أسماء المدن: كالقاهرة والإسكندرية وطنطا وحلوان والفيوم والخرطوم والقدس وبيروت ودمشق وحمص وطرابلس واللاذقية وبغداد والبصرة وباريس ودير القمر، وقس عليها أسماء الدول: كتركيا ومصر وتونس وزنجبار والبرازيل وصدى المكسيك، أو أسماء الأقاليم والولايات كسورية، والحجاز، وفلسطين، وبين النهرين، والسودان، وطرابلس الغرب.
ومن هذا القبيل أسماء البحار والأنهار والينابيع: كالمحيط، والكوثر، والفرات، والأمازون، والنيل، والبردوني، وبردى، ونهر العاصي، والشاغور، ومثلها أسماء الجبال: كلبنان، والكرمل، وصهيون، وعرفات، والمقطم، وجبل عامل، أو أسماء الجهات: كالشرق والمشرق والمغرب وصدى الجنوب، تليها أسماء القارات كقولهم: كوكب أمريكا، وكوكب أفريقيا، والعالم الجديد، وجريدة العالمين.
وقلد صحافيونا كتاب الإفرنج في استعمال أسماء الكواكب والسيارات فدعوا بها بعض صحفهم وهي: الشمس، والزهرة، والهلال، والقمر، والمشتري، والشهاب، والثريا، ونجم المشرق، واتخذوا مثلهم ثلاث كلمات الدستور: الحرية والمساواة والإخاء، ومن ذلك أسماء الفضائل: كالعدالة والاستقامة والحق والصدق والحكمة والثبات والوفاء والإخلاص والسلام والإيمان والرجاء والأمل والمحبة، ومنها الأسماء الدالة على النور: كالمصباح والفانوس والنبراس، أو على فصول السنة: كمجلة الشتاء ومجلة الربيع، أو على الآفات: كالطاعون، ثم اقتفوا آثارهم أيضا في أسماء العلوم والصنائع والفنون: كالزراعة والتجارة ومجلة المساحة والاقتصاد والحقوق والشرع والقضاء والبيان والبلاغة والآداب، وجروا مجراهم في الأسماء الهزلية كقولهم: المسخرة، وعيواظ، وكراكوز، وحط بالخرج، وضاعت الطاسة، وانخلي يا هلالة، والحشاش، والمكنسة، وأبو نظارة، وأبو صفارة، وأبو زمارة، والجاسوس، وحمارة منيتي، وحمارة بلدنا، والعصا وظهرك بالك.
وعمد بعض الصحافيين إلى استعمال الأسماء الدينية أو الواردة في كتب الدين فأطلقوها على صحفهم تبركا: كالصليب والكلمة والنعمة والمسرة والصخرة والحرمين والخلافة والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية والمجمع الفاتيكاني ومظلة داود وأخبار عن انتشار الإنجيل، ورغب بعضهم في ألفاظ التحبب: كالفتى والفتاة والعريس والعروس والنديم والحسناء وأنيس الجليس وفتاة الشرق واللطائف والظرائف والتودد والشبيبة، وعول بعضهم على أسماء تشير إلى النبات وما له علاقة بالطبيعة: كالحديقة والبستان والريحانة والروضة والرياض والجنان والجنة والجنينة والمرج والفردوس والثمرة والثمرات والزهور، كذلك قل عن أسماء الحيوان: كالنحلة والغزالة والطاووس والأسد الإسلامي والأسد المرقسي والفيل الأبيض ويعسوب الطب والحمارة، وقس عليها الأسماء الدالة على الصوت وآلات الطرب كالنفير ونفير سوريا ونفير الحرب والصدى ورجع الصدى وصدى الأهرام وصدى بابل ولسان الحال ولسان العرب ولسان الشرق ولسان المغرب والصيحة والأرغول، ومن هذا القبيل ما استعملوه من الأسماء الدالة على الجولان: كالجوائب والبريد والطواف والطائف والسيار والسفير ورائد النيل والرائد التونسي والرائد المصري.
محمد عثمان؛ مدير مجلة «الصدق العثماني» في القاهرة.
ولبعض الصحف أسماء تدل على المهن: كالطبيب والرسام والأستاذ والمهندس والمحامي والخطيب والمبشر والمرشد، وغيرها يشير إلى العظمة والافتخار: كالسلطنة واللواء والعلم والبيرق والمنار والطغراء والمنبر والمفتخر والممتاز والعجائب والمستقل والاستقلال ودار الخلافة وطوالع الملوك والكائنات وضياء الخافقين والدنيا في باريس، وبعضها يتناول الآثار العتيقة والمدن المندرسة: كالأهرام وأبي الهول والأرز والفسطاط ونينوى ومنفيس والكنانة، ومنها ما هو منسوب إلى المعاهد العلمية الكبرى أو الجمعيات الشهيرة: كالأزهر والكلية والشرقية والجمعية العلمية السورية وأعمال شركة مار منصور والعروة الوثقى والتوفيق ومجلة الملاجئ العباسية، وغيرها يعبر عن أسماء الشعوب أو الطوائف أو القبائل: كجريدة آل سام ونهضة العرب والاتحاد العربي والاتحاد العثماني والائتلاف العثماني والإخاء العثماني والعالم الإسلامي والاتحاد المصري والمارونية الفتاة والأقباط الكاثوليك وجراب الكردي .
অজানা পৃষ্ঠা