واتصل وهو في دمشق بالأمير عبد القادر الجزائري الشهير وله فيه مدائح نشر بعضها في كتابه «النفثات» الذي قدمه له، وتبادل المودة مع أدباء بيروت ودمشق ولبنان.
وعثر وهو في دمشق على كثير من الكتب المخطوطة القديمة وأحرزها، ومن جملتها إنجيل عربي وجده في قرية «عين التينة» قرب معلولا في جبل القلمون نسخ سنة 7045 لآدم و947ه/1540م)، فأهداها إلى المرحوم متري شحادة الدمشقي لما كان في القسطنطينية سنة 1863 وهو الآن في المكتبة البطريركية الأرثوذكسية في دمشق (عدد 1006)، وخطه كنسي جميل، وقد تفقد مكاتب دمشق القديمة ووقف على نوادر مخطوطاتها ونسخ بعض تعاليق مفيدة عنها كان يفيد بها المستشرقين بعد ذهابه إلى أوروبا.
ولما عاد فؤاد باشا إلى الآستانة نائلا منصب الصدارة العظمى سنة (1278ه/1861م) نال المترجم حظوة لديه فكان من خاصته. ولم يلبث فؤاد باشا أن صار عضوا في مجلس الأحكام العدلية في السنة الثانية من صدارته، وذهب إلى معرض مدينة لندن معتمدا عثمانيا سنة (1279ه/1862م) فأخذ المترجم معه، ولما عاد إلى الآستانة أعاده معه فرقاه إلى نظارة جمارك الدخان؛ فكثر حساده ومناوئوه واشتد الأمر بينه وبينهم، فوشي به أنه رمي بالغلول في مال الجمارك هو وبعض المستخدمين فسجن معهم، ثم فر إلى روسيا، وهناك أطلق لسانه بالانتقاد على الحكومة وألف رسالة بعنوان «قول من رزق الله حسون يبرئ نفسه من الغلول»، وذكر البعض أنه أنشأ جريدة في فرنسا لهذه الغاية، وذلك غير ثبت إلا إذا كان قد أعاد نشر جريدة مرآة الأحوال. ثم توسط في أمره فقبلت الحكومة أن ترسل إليه أسرته أي زوجته وأولاده فلم يقبل إلا بجميع مطاليبه منها؛ فأوغر صدر السلطان عبد العزيز عليه، فطلب من الحكومة أن تمنعه عن التنديد بالدولة فلم يصخ لها سمعا بل غادرها وحل لندن، وأصدر فيها جريدته «مرآة الأحوال» وخصها بالشكوى من أعمال بعض موظفي الحكومة لعهده. وقد رأيت منها العدد السادس عشر بتاريخ 18 كانون الثاني سنة 1877 مكتوبا بخطه الجميل مطبوعا على الحجر وفيه مقالات سياسية بليغة. وكان يكتب فيها كثير من أدباء عصره ومواطنيه ولا سيما المرحومان جبرائيل الدلال وعبد الله المراش شقيق الشاعر الشهير فرنسيس مراش. وكان قد أصدر مجلة عربية عنوانها «رجوم وغساق إلى فارس الشدياق» نشر منها عددين في لندن؛ الأول في 4 آيار سنة 1868 في 14 صفحة صغيرة، والثاني في 5 آيار سنة 1868، وذلك ردا على المرحوم أحمد فارس الشدياق صاحب «الجوائب» على أثر ما حدث بينهما من الخصام الشديد. وكانا يتناظران مناظرات موجعة شديدة اللهجة، وكان يبيع من «مرآة الأحوال» في سنتها الأولى في لندن 450 نسخة.
ثم عطل مرآة الأحوال ونشر مجلة عربية طبعت في لندن سنة 1879 كانت تصدر كل خمسة عشر يوما مرة عنوانها «حل المسألتين الشرقية والمصرية». وهي أول مجلة عربية شعرية؛ لأنها كانت قصائد تبحث في هذه المواضيع، فاجتمع منها مجلد بقطع ربع في أكثر من ثلاثمائة صفحة.
ثم انقطع بعد ذلك إلى النسخ والاشتغال بتصحيح حروف الطباعة العربية في أوروبا ومساعدة كثير من المستشرقين حتى بلغ ما استنسخه من نفائس الكتب أكثر من عشرين، أهمها «ديوان الأخطل» و«ديوان ذي الرمة» و«المتمم» لابن درستويه و«الأناجيل المقدسة» ترجمة أبي الغيث الدبسي الحلبي و«ديوان حاتم الطائي» وهذا طبعه كما سيجيء. ولا تزال بعض مخطوطاته في مكاتب روسيا وفرنسا وإنكلترا حيث كان يتردد بين هذه الممالك. وجاء حلب قبل وفاته بسبع سنوات متنكرا فتفقد مكاتبها واستنسخ منها بعض الآثار النادرة، ثم عاد إلى إنكلترا التي اتخذ معظم سكناه فيها ولا سيما قرية وندسورث حيث تفرغ لوضع كتبه وطبعها.
وعلى الجملة فإن رزق الله حسون كان سياسيا حرا يرغب في إصلاح الدولة العثمانية ويذهب مذهب كبار أحرارها كمدحت باشا وأعوانه. ولما ذهب مدحت باشا إلى لندن قابله فيها وسر به، ولا صحة لما شاع من أنه سعى في قتله.
أما منزلته الأدبية فإن نثره من النمط العالي المتين وسجعه كثير ينحو فيه نحو الأقدمين، وشعره يدل كثير منه على طبيعته، ولكنه كان قليل التدقيق في الأوزان ومراعاة الأصول الصرفية والنحوية؛ فيشبع الحروف التي لم يرد مسوغ لإشباعها، ويسكن ويحرك ويختار القوافي الصعبة، وهذا التكلف ظاهر في كتابه «أشعر الشعر». ومع هذا فإن بين قصائده فرائد بليغة فصيحة اللفظ متينة القوافي تعد من الطبقة العليا في الشعر. وقد خرج في بعض القصائد عن الطرق المألوفة؛ فلم يتقيد بقافية كما ترى في كتابه «أشعر الشعر»، وكثيرا ما يميل إلى الألفاظ المهجورة. وبقي بين المحابر والأقلام إلى أن توفي فجأة في مدينة لندن، وقيل إنه توفي مسموما، وذلك نحو سنة 1880 غريبا عن أسرته التي بقيت في الآستانة، وولده ألبير الوحيد حي إلى اليوم فيها. ولما شعر رزق الله بدنو أجله نظم احتضاره (على أصح الروايات التي محصتها) بهذين البيتين:
قد قضى الله أن أموت غريبا
في بلاد أساق كرها إليها
وبقلبي مخدرات معان
অজানা পৃষ্ঠা