مقدمة
القسم الأول: من سنة 754ق.م إلى سنة 510ق.م
تأسيس مدينة رومة
الملك نومابونبيليوس
الملك أنكوس مارسيوس
الملك تركان الأول
الملك سرفيوس تليوس
الملك تركان الثاني
القسم الثاني: الحكومة الجمهورية
تأسيس الجمهورية
অজানা পৃষ্ঠা
نظامات الرومانيين الأولى
الجمهورية في عهد القناصل الأشراف
خيانة كوريولان
حكومة العشرة وحصول الشعب على المساواة في الأمور المدنية
إغارة الغاليين (الجلالقة) على رومة
حصول الشعب على المساواة في الحقوق السياسية
فتح إيطاليا
إدارة وتنظيم الأقاليم الإيطالية
الحرب البونيقية الأولى
إغارة بعض قبائل الغاليين على رومة
অজানা পৃষ্ঠা
الحرب البونيقية الثانية
حرب مقدونية
محاربة أنتيوكوس ملك الشام
بعض حروب أخرى
محاربة مقدونية وجعلها ولاية رومانية
زوال ملك قرطاجة وخرابها
مقدمة
القسم الأول: من سنة 754ق.م إلى سنة 510ق.م
تأسيس مدينة رومة
الملك نومابونبيليوس
অজানা পৃষ্ঠা
الملك أنكوس مارسيوس
الملك تركان الأول
الملك سرفيوس تليوس
الملك تركان الثاني
القسم الثاني: الحكومة الجمهورية
تأسيس الجمهورية
نظامات الرومانيين الأولى
الجمهورية في عهد القناصل الأشراف
خيانة كوريولان
حكومة العشرة وحصول الشعب على المساواة في الأمور المدنية
অজানা পৃষ্ঠা
إغارة الغاليين (الجلالقة) على رومة
حصول الشعب على المساواة في الحقوق السياسية
فتح إيطاليا
إدارة وتنظيم الأقاليم الإيطالية
الحرب البونيقية الأولى
إغارة بعض قبائل الغاليين على رومة
الحرب البونيقية الثانية
حرب مقدونية
محاربة أنتيوكوس ملك الشام
بعض حروب أخرى
অজানা পৃষ্ঠা
محاربة مقدونية وجعلها ولاية رومانية
زوال ملك قرطاجة وخرابها
تاريخ الرومانيين
تاريخ الرومانيين
تأليف
محمد فريد
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فلا مرية في أن مطالعة التاريخ من أهم الأمور التي تثقف العقول وتهذب الأخلاق وتنمي العواطف الوطنية في الشعوب؛ إذ بواسطته يقف الإنسان على أسباب ارتقاء الأمم فيتبعها، ويعلم كنه موجبات انحطاطها فيجتنبها؛ ولذلك حض العقلاء على درسه درسا فلسفيا لا الاكتفاء بحفظ بعض تواريخ الوقائع وأسماء الملوك وسردها عن ظهر قلب، بل بالبحث والتنقيب عن أسباب كل حادث والوقوف على حقيقتها وربط الحوادث ببعضها، ولكي يتمكن المطالع من الاستفادة من مطالعته يجب على كاتب التاريخ أن يراعي كل هذه الملحوظات عند كتابته حتى يأتي بالغرض المقصود وتكون مطالعته مفيدة للأهل والوطن.
هذا ولما كان تاريخ الرومانيين مفعما بالحوادث الصادرة عن حب الوطن والإخلاص له والتفاني في خدمته والتهالك في الدفاع عنه والذود عن حوضه، وكانت مطالعته واجبة على كل من يريد معرفة طرق تقدم الأمم وارتقائها، وكيف تنال الحرية والاستقلال بالدفاع عن حقوقها قبل كل معتد ظالم، والاتحاد على ما فيه خير وطنهم وفلاحه وجمع كلمتهم أمام الأجنبي المهاجم والدخيل المزاحم، ونبذ النفاق والشقاق من بينهم ليكونوا يدا واحدة لإعلاء شأن الوطن وبنيه؛ أردت أن ألخص تاريخ هذه الأمة التي ملكت أغلب جهات المسكونة، وامتدت حدود أملاكها من المحيط الأتلانطيقي غربا إلى جبال القوقاز شرقا؛ أي من الدرجة 12 غرب باريس إلى الدرجة 40 شرقا، عبارة عن 52 درجة، ومن بلاد بريطانيا (إنكلترا) شمالا إلى أصوان جنوبا؛ أي من الدرجة 23 إلى الدرجة 53 عرضا، مبتدئا هذا التاريخ من تأسيس مدينة رومة - عاصمة هذه المملكة - في سنة 754 قبل الميلاد إلى يوم دخول مدينة القسطنطينية (الأستانة) في حوزة دولة آل عثمان في سبتمبر سنة 1453 بعد الميلاد، وقد قسمته إلى خمسة أقسام: الأول من تأسيس رومة إلى سقوط الملوكية وتأسيس الجمهورية، والثاني يحتوي على تاريخ الجمهورية الرومانية إلى عهد استئثار أغسطس بالحكومة وتأسيس الحكومة الإمبراطورية، والثالث ينتهي إلى تقسيم الدولة الرومانية إلى دولتين شرقية وتختها بيزنطة التي سميت فيما بعد القسطنطينية وهي الأستانة، وغربية وتختها رومة، والرابع يحتوي على تاريخ المملكة الغربية إلى يوم انقراضها بتوالي هجمات المتبربرين عليها، والخامس على تاريخ الدولة الشرقية ليوم دخول السلطان الغازي محمد الثاني العثماني الملقب بالفاتح الأستانة، وجعلها عاصمة لدولة آل عثمان.
অজানা পৃষ্ঠা
القسم الأول
من سنة 754ق.م إلى سنة 510ق.م
تأسيس مدينة رومة
لا بد وأن يكون أصل مدينة رومة كأصل باقي مدن العالم؛ أي بعض أكواخ حقيرة لصيادي الأسماك على ضفاف نهر (التبر)، ثم أخذت تكبر شيئا فشيئا كلما ارتقى سكانها في عالم التمدن إلى أن وصلت تلك الدرجة العلياء، وصارت تلك المدينة الشماء التي تفاخر الشعراء في مدحها ، وتبارى الكتاب في وصف مبانيها العمومية وحركتها العلمية والتجارية، لكن لما كان دأب كل أمة غمض أصل تاريخها أن تضع لنفسها تاريخا وهميا كما تزينه لها مخيلتها، فينتسب بعضها إلى جبابرة اشتهروا بالقوة والبأس، والبعض الأخر إلى بعض الملائكة أو النجوم أو إلى آلهتهم الخيالية ترفعا عن عامة الأمم، ولزيادة التأثير على عقول أفرادها، كذلك وضع مؤرخو مدينة رومة الأولون الخرافة الآتية ناسبين إليها تأسيس عاصمة دولتهم، ونحن ننقلها على علاتها مع عدم اعتقادنا بصحتها أصلا كما يرى المطالع.
قالوا إنه لما خربت مدينة (طروادة) وصارت أثرا بعد عين؛ هاجر منها (إينيه) مستصحبا معه ولده (اسكاني) وأصنام المدينة ونزل بساحل بلاد اللاتينيين، فأكرم ملكها المدعو (لاسيوس) وفادته، وزوجه ابنته (لافيينيا)، وأقطعه أرضا فسيحة بنى فيها مدينة ودعاها لافينيوم نسبة لزوجته، فصار حليفه ومن أهم أعوانه في حروبه مع مجاوريه، واستمر على ذلك مدة إلى أن اختفى في إحدى الوقائع الحربية؛ فظن الأهالي أنه صعد إلى السماء وعبدوه باسم (جوبيتر انديجيت).
ثم ترك ابنه (اسكاني) مدينة (لافينيوم) لرداءة موقعها وأسس مدينة (ألبه) على جبل (البانو) أحد الجبال القائمة عليها مدينة رومة، وبعد وفاته تعاقب عليها سبعة ملوك من نسله أعقب سابعهم ولدين (نوميتور) و(أموليوس)، وكان الملك بحكم الوراثة لأرشدهم وهو الأول، فلم يرق ذلك في عين أخيه (أموليوس)، بل استأثر بأغلب أملاك والده ولم يترك لأخيه الأكبر إلا شيئا قليلا، وقتل ابنه ووضع بنته (سلفيا) في أحد أديرة راهبات (فستا) حتى لا يعقب أخوه من يرثه في الملك، وتنحصر السلطنة في أعقابه دون أخيه الأكبر، وبينما كانت سلفيا تدلي دلوها في إحدى الآبار المقدسة؛ إذ تجلى لها الإله (المريخ) ونفخ فيها من روحه؛ فحملت ووضعت غلامين فقتلت بناء على قوانين راهبات (فستا)، وألقي ولداها في نهر (التبر) فحملتهما أمواجه إلى أن رسيا تحت ظل شجرة، فأتت ذئبة على صوتهما وأرضعتهما على مرأى من أحد رعاة الملك عمهما واسمه (فستولوس)، فحملهما الراعي إلى زوجته (أكالورنسيا ) فدعتهما (رومولوس) و(ريموس)، واعتنت بتربيتهما مع أولادها حتى بلغا أشدهما بين الرعاة، وتشاجرا ذات يوم مع رعاة أحد أغنياء القوم المسمى (نوميتور) فقادهما أمام سيده فأعجب بشجاعتهما وشدة تشابههما؛ ولذلك أخذ يبحث عن أصلهما وصحة نسبهما حتى وصل إلى الحقيقة وأعلمهما بها، فتألبا مع باقي الرعاة على عمهما (أموليوس) وقتلوه، وولوا مكانه على مدينة ألبه سيدهم (نوميتور)؛ فأقطعهما قطعة عظيمة من الأرض على شاطئ نهر التبر فعزما على بناء مدينة عظيمة تكون لهما ولذريتهما، لكنهما اختلفا في أيهما يقوم ببنائها.
وبعد الجدال اتفقا على أن يصعد كل منهما على ربوة ومعه جماعة بصفة شهود، ومن يرى منهما طيورا أكثر من الثاني يكون أحق ببناء المدينة، فرأى ريموس ستة عقبان ورأى رومولوس اثني عشر؛ ولذلك تقرر أن يخط رومولوس أساس المدينة، فعلق ثورا وعجلة في محراث وشق به الأرض حول مرتفع (بالاتينو) علامة على سور المدينة الجديدة، وكان ذلك على ما جاء في كتب الرواة فى 21 أبريل سنة 754ق.م، ثم أخذ في بناء السور، ولما ارتفع قليلا وثب ريموس من عليه استهزاء فقتله رومولوس بيده قائلا: فليمت هكذا كل من يجترئ على الاعتداء عليها، وقيل غير ذلك، لكن هذه الرواية هي المتفق عليها تقريبا، ومن ذلك الحين صار رومولوس ملكا منفردا على مدينته الجديدة التي سماها (رومة) نسبة له وتخليدا لاسمه، وأباح الإقامة فيها لكل من لجأ إليها من الأمم الأخرى من المدنيين الفارين من وجه العدالة، فتوارد المهاجرون إليها من كل فج حتى كثر عدد الرجال عن النساء زيادة عظيمة، وامتنع المجاورون إليهم من مصاهرتهم لكون أغلبهم من الأخلاط الذين لا خلاق لهم، فاضطر رومولوس إلى تدبير طريقة لتكثير عدد النساء، واتفق مع رجاله على دعوة القبائل المجاورة لهم إلى احتفال عظيم يقيمونه إكراما لأحد آلهتهم وسبي بناتهم عنوة أثناء الاحتفال، فنجحت هذه الطريقة وتزوج جميع رجاله، ولما عاد أقارب المسبيات لاستخلاص نسائهم وبناتهم ووقع القتال بين الطرفين؛ توسطت النسوة بين أزواجهن الرومانيين وأقاربهن، ومنعن القتال وأصلحن ذات بينهم، وبذلك زالت الكراهة والبغضاء من بينهم ، وساد الاتفاق وأخذت رومة تخطو في سبيل التقدم بسرعة غريبة حتى سعى مجاوروها إلى محالفتها، وتعاهد (تيتوس) ملك السابيين مع رومولوس على محاربة أعدائهم.
ويروى أن إحدى الرومانيات واسمها (نزبيا) لما رأت السابيين مقبلين أثناء الحرب وبأيديهم اليمنى أساور من ذهب؛ عرضت عليهم أن تفتح لهم أحد الأبواب إذا أعطوها ما بأيديهم اليمنى فقبلوا، وبعد أن فتحت لهم الباب ألقوا عليها الدرق الحديد الذي كان بأيديهم؛ فماتت فريسة خيانتها لوطنها، ويغلب على الظن أن هذه الحادثة موضوعة إظهارا لبشاعة خيانة الوطن، وأن العدو والغالب يلفظ خائن وطنه لفظ النواة بعد أن يستعمله آلة لنفاذ أغراضه؛ إذ لا يركن عاقل لمن خان وطنه الذي تحض جميع الشرائع على محبته والتفاني في الدفاع عنه.
هذا وبعد ذلك بخمس سنوات قتل تيتوس ملك السابيين فاختاروا رومولوس ملكا عليهم، وانتصروا باتحادهم على معاديهم من الأمم المجاورة، وعلا شأن رومولوس بين الأهالي حتى توجس أعيانهم خيفة منه، وخشوا أن يستبد فيهم فقتلوه، وأشاعوا أنه صعد إلى السماء على عربة إلههم المريخ في وسط الرعد والبرق، فصدق العموم هذه الرواية لسذاجتهم وعدوا رومولوس من ضمن آلهتهم العديدة، وعبدوه باسم (كويرينوس) وكان موته في سنة 715ق.م.
الملك نومابونبيليوس
অজানা পৃষ্ঠা
لم يتفق الرومانيون والسابنيون على انتخاب خلف لرومولوس، واستمر هذا الشقاق مدة سنة كان الأمر في خلالها لأعضاء مجلس الأعيان (سناتو) بالتتابع، وأخيرا اتفقت الأمتان على أن يكون حق الانتخاب للرومانيين بشرط أن لا ينتخبوا إلا سابينيا؛ فانتخب (نومابونبيليوس) وكان رجلا محبا للسلم لم تحصل في أيامه حروب مطلقا، بل صرف مدة حكمه الذي استمر ثلاثا وأربعين سنة في تشجيع الزراعة، وتحديد الأطيان حتى لا يتنازع المتجاورون، ومنع تمثيل معبوداتهم بأصنام، وحرم قتل ابن آدم قربانا لهم كما كان جاريا قبلا، ورتب الاحتفالات الدينية وعين وظائف الكهنة والمنجمين، وأصلح نظام راهبات (فستا) اللاتي كن ينتخبن من بنات أشرف العائلات لحفظ النار المقدسة، ومداومة إشعالها حتى لا تطفأ أبدا، والمحافظة على (البلاديوم ) الذي أتى به (إينيه) من طروادة.
ولحبه في السلم ومقته للحرب أقام معبدا (ليانوس) إله السلم تفتح أبوابه وقت الحرب وتقفل وقت السلم، فلم تفتح في أيامه مطلقا، وكان يعتقد الرومانيون أن له صديقة من الجن تدعى (إيجيري) تساعده بالأفكار الصائبة، وتوحي إليه بالأعمال المفيدة.
وينسب إليه إصلاح السنة الشمسية التي كانت قبله من عشرة شهور فقط، فضبطها وجعلها اثني عشر شهرا تابعة لدورة الأرض حول الشمس لانتظام مواعيد الزراعة، ولا يعلم من تاريخه غير ذلك وتوفي سنة 672ق.م.
وذهب بعض المؤرخين الحديثين - مثل بوفور الفرنساوي ونيبور الألماني - إلى أن هذا الملك لم يوجد إلا في مخيلة مؤرخي الرومان، وأنه لم يحكم رومة ملك بهذا الاسم، بل إن اسمه يمثل فقط دور التشريع والتقنين في أول عصر الرومانيين، واستندوا في قولهم هذا على أن اسم نوما مشتق من الكلمة اليونانية نوموس، ومعناها الشرع أو القانون.
وبعد وفاة نومابومبليوس انتخب الأهالي تلوس هوستليوس ملكا عليهم، وكان بعكس سلفه محبا للحرب وشن الغارة على مجاوريه لسلب الماشية والأمتعة واغتصاب الأراضي، إلا أنه كان ميالا لمساعدة الفقراء من الأهالي، فكان يقسم عليهم أراضي القبائل التي تدور عليها رحى الحرب، وأخيرا حصلت بينه وبين سكان ألبه عدة وقائع صغيرة أصلها اختطاف بعض المواشي والتعدي على الحدود أوجبت إشهار الحرب، لكن لما كانت علاقات المودة بين مدينتي رومة وألبه قديمة جدا وكانت مدينة رومة في الأصل مستعمرة لمدينة ألبه - كما سبق - لم يرغب تلوس هوستليوس إيقاد نيران الحرب بين أهالي المدينتين، بل ارتأى أن ينوب عن كل فريق ثلاثة أبطال يتبارزون معا، ومن يفوز مندوبوها بالفوز والنصر تكون هي الغالبة، فانتخب الرومانيون ثلاثة إخوة من عائلة (هوراس) والألبيون ثلاثة من عائلة (كورياس)، وفي أثناء المبارزة قتل اثنان من مندوبي رومة، وبقي الثالث حافظا لجميع قوته أمام مندوبي ألبه الثلاثة الذين كانوا أثخنوا بالجراح، فأخذ مندوب رومة في العدو مظهرا الفرار أمام أعدائه الثلاثة فتبعوه، ولما تباعدوا عن بعضهم عاد إليهم فقتلهم الثلاثة بالتتابع، وبذلك تم الظفر للرومانيين على الألبيين.
ومما رواه بعض قدماء المؤرخين نقلا عن السلف أن أخت الهوراس مندوب رومة المسماة (كامليه) كانت مخطوبة لأحد مندوبي ألبه الذين قتلوا، فأخذت تبكي وتنتحب على موته فغضب عليها أخوها ووبخها على البكاء وقتلها بيده، ولم تمنعه المحبة الأخوية عن إتيان هذا الأمر العظيم تغاليا في حب الوطن والدفاع عنه، فحكم عليه بالإعدام على هذه الجريمة، لكن تجمهر الأهالي وطلبوا العفو عنه نظير خدمته لوطنه وأهله وفوزه على أعدائه فعفي عنه، ويظهر لي أن هذه الرواية من الأقاصيص الموضوعة إظهارا لقوة حب الوطن ووجوب تغلبه على ما عداه من الإحساسات الشريفة، وتضحية كل غال ولو كان من أقرب الناس إلى الإنسان في سبيل خدمته الشريفة.
ولقد اتخذ راسين الشاعر الفرنساوي المفلق هذه الحادثة موضوعا لإحدى رواياته المحزنة ترجمت إلى جميع اللغات، لكن لا أظن أنها نقلت إلى اللغة العربية للآن.
وبعد ذلك تحالفت مدينتا رومة وألبه بشرط أن تكون السيادة لرومة على الأخرى، لكن لم يستمر هذا التحالف إلا قليلا؛ إذ كانت ألبه تضمر العداء لرومة وتنتظر الفرصة المناسبة للحصول على الاستقلال التام، وظهر ما تكنه ألبه من العدوان في أثناء محاربة جرت بين الرومانيين وبعض القبائل المجاورة، فلم يساعد أميرها حلفاءه، بل تربص ينتظر نتيجة القتال حتى إن دارت الدائرة على الرومانيين انقض عليهم وساعد أعداءهم، إلا أن فأله لم يصب فانتصر الرومانيون، وانتقم توليوس هوستليوس من أمير ألبه بالقتل نظير تذبذبه وعدم إخلاصه وخرب مدينته، فصارت أثرا بعد عين ونقل سكانها إلى أحد أحياء رومة واستمالهم إليه بأن قبل أشرافهم في مجلس الشيوخ وأغنياءهم في زمرة الشوالية، وسيأتي شرح امتيازات هذه الفئة في موضعه.
ولم تكن هذه الواقعة آخر محاربات هذا الملك، بل حارب كثيرا من القبائل، وانتصر عليها نصرا مبينا في وقائع متعددة؛ حتى صار لرومة المقام الأسمى بين المدن المجاورة وخشيها القريب والبعيد.
وينسب للملك المذكور عدم الاعتناء بأمور دينه وعدم اتباع أوامره واجتناب نواهيه وإهمال عبادة الأصنام المعتبرة لدى قومه ، ولذلك يدعي الرواة أنه استحق غضب معبوداته فأنزلت عليه الصواعق المحرقة أهلكته ودمرت قصره تدميرا، ولم يوقف لجثته على أثر، وكان اختفاؤه أو موته في سنة640 قبل الميلاد.
অজানা পৃষ্ঠা
الملك أنكوس مارسيوس
وولي بعده (أنكوس مارسيوس) ويقال إنه حفيد نومابومبليوس ثاني ملوك الرومان، وكان مثل جده ميالا للسلم محبا للسكينة التي تساعد على تقدم أسباب العمران ونمو الزراعة والصناعة، فنشط الزراعة ونقش القوانين المعمول بها على ألواح، وعلقها في محل اجتماع الأهالي المسمى بالفوروم، وأعاد ما اختل من نظام عبادتهم في عهد سالفه، وشدد في مراعاة قواعده لتحققه أن الدين مهما كان فاسدا ضروري لكبح جماح الأهالي، ومنعهم عن الإخلال بالراحة العمومية لأمره بإطاعة ولاة الأمور والرضوخ لأوامرهم.
لكن لم يمنعه حبه للسلم من الحرب والقتال خصوصا مع اللاتين الذين نكثوا المواثيق وخانوا العهود، فاضطر لمحاربتهم وإقماعهم بعد قتال عنيف، ولما فاز عليهم بالنصر المبين دمر أربعة من مدائنهم، ونقل سكانها إلى رومة، وأسكنهم على مرتفع (أفانتان)؛ فاتسعت المدينة اتساعا عظيما، وأقام أول جسر (كوبري) على نهر التبر وحفر مينا (أوستيه) لتسهيل التجارة، ونقل البضائع إلى رومة؛ فاتسع العمار وكثرت المساكن على الشاطئ الأيمن، والتزم (أنكوس) أن يقيم حصنا منيعا على مرتفع (جانيكول) لحماية الجسر، وصد غارات العدو عنه، وخد خندقا عميقا لمنع كل عدو مهاجم يحيط بجميع المساكن القائمة على الشاطئ الأيمن، ولما كثرت أهالي المدينة بسبب إقامة الألبيين وسكان مدائن اللاتين الأربع، وكثر ارتكاب الجرائم وتعدد التعدي على الأموال والأرواح بسبب اختلاف الأجناس واختلاطهم؛ أنشأ (أنكوس) سجنا تحت الفورم لمرتكبي الجرائم الكبيرة، وبالاختصار نمت المدينة وارتقت في أيامه، وعلا شأنها واشتهر اسمها، وتوفي سنة 616 قبل المسيح.
الملك تركان الأول
وفي مدة ملكه أتى المدينة رجل أجنبي من أهالي (كورنثه) ببلاد اليونان هجر أوطانه، وترك خلانه مع أبيه (ديماراث) هربا من استبداد عائلة (سيبسيلوس)، واستوطن مدينة (تركرينيه) إحدى مدائن الأتروسك، ثم ارتحل عنها إلى مدينة رومة، ولشدة ذكائه وقوة دهائه استمال إليه الملك أنكوس والأمة الرومانية حتى جعله الملك وصيا على أولاده من بعده، وانتخبه الأهالي ملكا عليهم بعد وفاته ، واشتهر في التاريخ باسم (تركان) نسبة للبلد التي أتى منها إلى رومة ولقب بالقديم، وفي أيامه ازدادت رومة بهجة وبهاء وحسنا ورواء؛ فجفف أرض (الفورم) حيث كانت تغمره مياه التبر أيام فيضانه وطغيانه، وأحاطه بأروقة جميلة على أعمدة ظريفة، وخصصه لاجتماعات الأهالي العمومية سياسية كانت أو مختصة بالأعياد وأوقات الملاهي، وأحاط المدينة على اتساعها بسور منيع من الحجر الصلد أدخل ضمنه جميع المباني الحديثة؛ لتكون في أمن من كل طارئ، وابتدأ في بناء (الكابيتول)
1
ومهد أرض المحل المعد للألعاب الرياضية على اختلاف أنواعها (سرك)، وغير ذلك من الأعمال الجسيمة ذات المنفعة العامة، خصوصا المجاري العظيمة التي بناها تحت المدينة لتصريف أقذارها، والباقية آثارها إلى الآن تشهد لبانيها بعلو المدارك وارتفاع الشان.
ولقد استعان على تتميم هذه الأعمال العظيمة بما أخذه في حروبه العديدة مع السابيين واللاتين من الأموال الطائلة والغنائم الهائلة، وتغلب أيضا على أمة (الأتروسك) التي كانت أرقى من الأمة الرومانية في سلم التمدن، ولما كانت القاعدة التاريخية أن الأمة الغالبة تتعود بعوائد الأمة المغلوبة، وتتخلق بأخلاقها إذا كانت أرقى منها حضارة وأرفع تمدنا اقتبس الرومانيون من الأتروسك عوائد كثيرة؛ منها المواكب الانتصارية التي كان يحتفل بها عند عودة الملك إلى المدينة عقب انتصاره على الأعداء، فكان يدخل المدينة لابسا الحلة الأرجوانية والنجوم مزركشة عليها، راكبا عربة تجرها أربعة من الخيول البيضاء، يتقدمه حملة البلط المربوطة حول يدها العصي علامة على السلطة والقوة، وبعد أن حكم نحو أربعين سنة تآمر أولاد أنكوس الملك السابق على قتله انتقاما منه على اختلاسه الملك، فأوعزوا إلى اثنين من الرعاة بالتظاهر بالمشاجرة قريبا من قصر الملك حين وجوده به حتى إذا استدعاهما أمامه قتلاه، وقد تم الأمر كما اتفقا عليه وأراداه وضرب أحدهما الملك بآلة قاطعة قاتلة فشج رأسه ومات لحينه.
هوامش
الملك سرفيوس تليوس
অজানা পৃষ্ঠা
لكن أخفت امرأته (تناكويلا) التي كانت مشهورة بالسياسة والدهاء خبر موته، وأذاعت أن الملك جريح فقط وحالته ليست خطرة، وأنه كلف صهره (سرفيوس تليوس) بإدارة مهام الحكومة ريثما يتم شفاؤه، وبعد مضي بضعة أيام على هذه الحادثة استمالت في خلالها أعضاء السناتو إلى قبول صهرها بصفة ملك، أعلنت وفاة زوجها ولم تفد تلك المكيدة أولاد الملك (أنكوس) شيئا، وكان ذلك سنة 578ق.م تقريبا.
ومما ينسب عمله إلى تركان من الإصلاحات أنه قرر بقبول مائة شخص من عامة الأهالي في مجلس السناتو، وزيادة زمرة الشفالية ثلاث فرق، ولما لامته الأشراف على ذلك استعان على إقناعهم بقوة المنجمين الذين قالوا إن الآلهة راضية عن هذا الإصلاح فامتثل الأشراف، وصارت أقوال المنجمين أكبر عضد للحكومة لتنفيذ مشروعاتها كلما أنست معارضة من بعض طبقات الأمة هذه.
أما (سرفيوس تليوس) فلم يعلم أصله بالتحقيق فقال بعضهم إنه لقيط تربى في السراي الملوكية في مهد العز والدلال، ولما ترعرع وكلت تربيته إلى فحول ذاك العصر، ولما بلغ سن الرجولية زوجه الملك ابنته إجابة لرغبة زوجته (تناكويلا)، وقال آخرون - وخصوصا مؤرخي (التسكان) - إنه أتروسكي الأصل واسمه (مسترنا)، وإنه كان مرافقا لأحد قواد جيوش الأتروسك عند محاربة الرومانيين، ولما غلبت جيوشهم أتى إلى رومية مع من هاجر من الأتروسك وترك اسمه الأصلي، وتسمى باسم سرفيوس وهو من أسماء الرومانيين حتى يظن أنه روماني ولا يعلم أصله الأجنبي، وقيل غير ذلك.
ومن أعماله تجديد أسوار المدينة وإدخال كثير من ضواحيها داخل أسوارها، وتقسيمها إلى أربعة أقسام لكل منها حاكم مخصوص يناط به تحضير القوائم بأسماء الأهالي القاطنين في دائرته لتوزيع الضرائب، وطلب من يلزم من الشبان للخدمة العسكرية، ثم قسم جميع الأراضي التابعة لمدينة رومة إلى 26 قسما، وجميع السكان إلى ست طبقات و(173) فرقة أو قبيلة، كل قبيلة منها مؤلفة من مائة نفس، الأمر الذي يستنتج منه أن عدد الأهالي التابعين لرومة بلغ في أيامه (19300) نسمة، وسيأتي ذكر ذلك مفصلا في الباب التالي.
ومن أعماله الخارجية تحالفه مع ثلاثين مدينة من مدائن اللاتين، وإقامة معبد للمعبودة (ديانة) إحدى آلهة الأقدمين بداخل رومة، وتقاسمت المدينة ومحالفيها من مدائن اللاتين ما صرف عليه ليكون رابطة اتحاد بينها، ومنها تغلبه على بعض قبائل الأتروسك، وأخذه أراضيهم وتوزيعها على الفقراء من الرومان، ولما كانت جميع أعماله في صالح الطبقات السفلى من الأهالي غضب منه الأشراف ذوو الثروة والجاه، وضاعف غضبهم وحنقهم عليه توزيعه الأراضي على الفقراء، وصاروا يمقتون بقاءه ملكا عليهم وتآمروا على قتله بمساعدة بنته (توليه).
وتفصيل ذلك أنه كان لسرفيوس ابنتان إحداهما (توليه) التي حفظ التاريخ اسمها وكانت ميالة إلى الفتن والدسائس وحب العلو والارتقاء مهما كانت الواسطة، وتزوجت (آرنس) ابن الملك تركان القديم، وكان متصفا بالسكون وسهولة الأخلاق، وتزوجت الأخرى ب (لوسيوس) أخي آرنس الذي كان على عكس أخيه ونقيضه، ولما كان شبيه الشيء منجذبا إليه بالطبع اتفقت (توليه) مع لوسيوس زوج أختها على قتل زوجها وأختها والاقتران معا، والسعي بعد ذلك في تنصيب لوسيوس ملكا على رومة مكان أبيها، ولو أدى الأمر إلى قتله، وفعلا اقترنت بلوسيوس بعد أن تخلصت من زوجها وأختها بتقديمها لهما السم في الدسم، ثم اتحدت مع بعض الأشراف المعادين لأبيها الملك بسبب منحه بعض الحرية للأهالي، وتوزيعه أراضي القبائل المغلوبة عليهم بدل توزيعها على الأشراف، واتفقوا على عزله وتولية لوسيوس مكانه، وبعد تمام الاتفاق وتوثيقه بالأيمان المغلظة انتهز المتآمرون فرصة وجود الأهالي في أشغالهم الزراعية خارج المدينة، وحضر لوسيوس إلى السناتو حال انعقاده متشحا بالملابس الملوكية، وألقى سرفيوس من أعلى الدرج فقتله أعوانه، ونودي بلوسيوس ملكا باسم تركان الثاني، ويقال إن زوجته (توليه) حين أتت لتهنئته مرت بعربتها على جثة أبيها وكان ذلك في سنة 534ق.م.
ولقد دعا الرومانيون الطريق الذي مرت منه هذه الغادرة عند ارتكابها هذا الأمر الفظيع بطريق الخيانة؛ إظهارا لعدم استحسانهم له وعدم مشاركتهم لها فيه.
الملك تركان الثاني
وكان تركان الثاني ميالا للكبرياء والجبروت محبا للظلم والاضطهاد، فأبطل جميع الإصلاحات التي أدخلها سرفيوس وسلب طبقة العوام ما منحته من الحقوق، فرجعت إلى ما كانت عليه من الضعة والانحطاط؛ ولذلك لقبه الأهالي بالشامخ وأظهروا له الجفاء والإعراض، فاتخذ لنفسه حرسا من الأجانب استخدمهم لقمع الأهالي، وإطفاء كل حركة تبدو منهم طلبا للحرية، والتخلص من حكمه الجائر.
وكان يقتل كل من آنس منه عدم الإخلاص له والرضا عن أعماله من الأعيان وأعضاء مجلس الشيوخ، واتبع هواه في جميع أعماله، ولم يراع لقانون حرمة ولم يخفر لأحد ذمة، وسخر الأهالي في أشغاله الخصوصية والمنافع العمومية، فتمم مجاري المدينة والكابيتول وباقي ما شرع فيه والده من الأعمال، وتحالف مع حاكم مدينة (تسكولم)، وزوجه ابنته ليكون له عونا وعضدا ضد رعاياه، ويقال إن العملة عثروا عند فتح أساسات (الكابيتول) على رأس إنسان، فقال المنجمون إن ذلك يدل على أن مدينة رومة ستكون ذات شأن عظيم في العالم، وتكون مقر حكومة يمتد سلطانها على جميع أنحاء العالم المتمدن.
অজানা পৃষ্ঠা
وفي عصر هذا الملك حضرت إلى المدينة إحدى المتكهنات المدعيات معرفة الغيب وقدمت له تسعة مجلدات مدعية أنها تحتوي على بيان كل ما يستحدث لمدينة رومة من الحوادث، وطلبت منه في مقابلتها مبلغا عظيما فرفض، فأحرقت ثلاثة منها وعرضت عليه الستة الباقية بنفس القيمة فرفض ثانيا، فحرقت ثلاثة أخرى وعرضت عليه الثلاثة الباقية بالقيمة نفسها فقبل ووضعها في خزانة خصوصية بنيت لها تحت الكابيتول، وعين لحراستها اثنين من الأشراف، وهذه الخرافة تشبه ما يدعيه البعض في زمننا هذا زمن البدع والغرائب من وجود كتب يسمونها (الجفر)، يقولون إنها تنبئ بالمستقبل ويصدقهم بسطاء العقول وصغار الأحلام.
ومن أعمال تركان الشامخ أنه حارب كثيرا من مجاوريه، وانتصر عليهم خصوصا قبائل (الفولسك)، وشدد ربط الاتحاد مع مدائن اللاتين، وجعل لرومة - وبعبارة أخرى لنفسه - سيطرة شديدة عليها، وفتح مدينة (جانس) بواسطة أكبر أولاده (تاركان سكستوس)، وذلك أنه تظاهر بالعصيان على والده واحتمى بهذه المدينة، وأقام بها حتى استمال في خلالها الأهالي بحسن المعاملة وبذل العطايا حتى اختاروه حاكما عليهم، ولما تم له الأمر أرسل لوالده يسأله عما يفعله لتوطيد سلطته وتسليم المدينة إليه، فوجد الرسول والده يتمشى في بستان، وبعد أن سمع ما كلف بتبليغه إياه أخذ يقطع الأزهار المرتفعة عما جاورها بعصاة كانت بيده، ثم قال للرسول: عليك بتبليغ ما رأيت لولدي فإن فيه الجواب الكافي والرأي السديد.
ولما نقل حديث هذا الدور التمثيلي إلى سكستوس أدرك أن والده ينصحه بقتل أعيان المدينة، وكل من يظن فيه المعارضة، فأمر بقتلهم وسلم المدينة لوالده غنيمة باردة.
وكان تركان فظا غليظا سيئ الخلق ظالما مستبدا لا يوقر كبيرا ولا يرحم صغيرا ولا يحترم أميال الأمة ولا آراء نوابها وشيوخها فنفر منه الأهالي، ولم تبق لهم طاقة على احتمال هذه المعاملة، وصاروا يترقبون الفرص المناسبة للتخلص منه، ولا يتركون طريقة لبث شكواهم وإظهار تمللهم، وزاد غيظهم منه ومقتهم له حين تطاول ابنه سكستوس إلى اغتصاب (لوكريسيا) زوجة تركان كوللاتان ابن أخي الملك، فساعده الأهالي على الانتقام منه وطرد الملك تركان الشامخ، وإسقاط الحكومة الملكية، وتأسيس الحكومة الجمهورية.
القسم الثاني
الحكومة الجمهورية
تأسيس الجمهورية
وتفصيل ذلك على ما جاء في كتب أشهر المؤرخين أن (تركان) كان يحاصر مدينة (أرديا) عاصمة قبيلة (الروتول) الواقعة على بعد ثلاثين كيلومترا من مدينة رومة، ومعه أولاده وكثير من الأمراء، وبينما كان الأمراء مجتمعين ذات ليلة في السمر إذ دارت المناقشة بينهم في صفات زوجاتهم، وأخذ كل منهم يعدد محاسن زوجته المادية والأدبية، ويدعي أنها تفوق زوجات الباقين في الشؤون المنزلية والترتيبات العائلية، ثم اتفقوا على أن يفاجئوهن في مخادعهن ليروا كيف يصرفن أوقاتهن، فقاموا لوقتهم وفاجئوهن؛ فوجدوهن مشتغلات بالملاهي والمغاني إلا (لوكريسيا) زوجة (تركان كوللاتان)، فإنها وجدت مشتغلة بالغزل مع خادمتها، فأجمع الحضور على أنها أعقل الأميرات وأكثرهن التفاتا إلى أشغال بيتها، فاغتاظ (سكستوس)، وأضمر لها السوء وتربص لها، حتى إذا وجدها بمعزل عن عيون الرقباء انقض عليها كالعقاب واغتصبها كرها، فجمعت زوجها وأباها وأخا زوجها (بروتوس) وغيرهم وقصت عليهم ما حصل لها من الإهانة تفصيلا، ثم قالت إن لا حياة لها في هذا العالم بعد ما لحقها من العار بفعل هذا الوحش الكاسر، واستلت خنجرا وطعنت نفسها به طعنة كانت القاضية، فقضت نحبها شهيدة العفاف موصية زوجها بالأخذ بثأرها.
فحمل زوجها جثتها إلى رومة وعرضها على أعضاء مجلس الشيوخ وأنظار الأمة طالبا منهم الانتقام للشهامة والعفاف من أصحاب الغدر والخيانة، فمالوا لجانبه واتحدوا على عزل الملك، وطردوه هو وولديه من المدينة تخلصا من ظلمه واستبداده الذي أثقل كاهل الأهالي بالضرائب والمغارم، وحملهم ما لا طاقة لهم على حمله من أنوع التسخير والاستعباد، فاجتمع مجلس الشيوخ (سناتو) وقرر بإبطال الحكومة الملكية ونفي الملك.
وفي أثناء ذلك قصد (بروتوس) الجيش المحاصر لمدينة (أرديا)، وأهاجه على الملك فشق العساكر عصا الطاعة وتركوا حصار المدينة، ولما بلغ تاركان خبر ثورة الأهالي عاد مسرعا إلى مدينة رومة فوجد أبوابها مؤصدة في وجهه، ولما أعيته الحيل ولم يجد له بين الأهالي نصيرا، بل وجد الكل ضده يدا واحدة وقالبا واحدا طلبا للحرية والاستقلال؛ التجأ إلى مدينة (سيره) هو وولداه آرنس وسكستوس سبب جميع المصائب التي لحقت بهم.
অজানা পৃষ্ঠা
وبعد ذلك طلب الأهالي الرجوع إلى القوانين العادلة التي وضعها سرفيوس تليوس، وأن ينتخب لإدارة شؤون الحكومة اثنان من المشهود لهم بالحكمة والاستقامة، ويعطى لهما لقب (قنصل) فقبل مجلس الشيوخ بهذه الطلبات العادلة، واجتمعت لجان الانتخاب وانتخب تركان كوللاتان وبروتوس، وتم هذا الانقلاب العظيم في سنة 510ق.م، ثم توجس الأهالي خيفة من تركان كوللاتان، وداخلهم الريب من جهته؛ فعزلوه ونفوه خارج المدينة وانتخبوا مكانه (فالريوس).
وقد تناقل المؤرخون خرافة يعللون بها تولي (بروتوس) على منصة الأحكام بعد تركان الشامخ، قالوا إن هذا الملك لما أحس بعدم محبة الأهالي له وقلبهم له ظهر المجن؛ أرسل ولديه إلى مدينة (دلفوس) ببلاد اليونان ليستشيرا متكهنتها على ما ستؤول إليه حالته، فتوجها ومعهما (بروتوس)، وبعد أن أديا المأمورية سألوا الكاهنة عمن سيخلف تركان الشامخ في الملك، فأجابتهم بأن سيخلفه من يقبل أمه قبل الآخرين منهم، فأدرك (بروتوس) سر الجواب وسجد على الأرض مقبلا إياها إذ هي أم أولاد آدم المخلوق من الطين، ولذلك أخلف تركان بعد نفيه دون ولديه، وبعد أن التجأ تركان إلى مدينة (سيره) تركها قاصدا مدينة تركوينيه لعدم مساعدة أهالي الأولى له، فأرسلت تركوينيه ومدينة أخرى رسلا يطلبون من رومة إعادة تركان إلى الملك أو بالأقل رد أملاكه وأملاك من هاجر معه إليهم، وفي أثناء المداولة في هذه الطلبات تآمر المندوبون مع بعض أولاد الأشراف الذين لم يرق في أعينهم تمتع الأهالي بكامل حقوقهم، بل كانوا يفضلون خدمة ملك ذي أبهة وعظمة على التساوي مع جميع طبقات الأهالي في الحقوق والواجبات، فاتفقوا على إهاجه الطبقات السفلى من الأهالي على مجلس الشيوخ وإلزامه بقبول عودة الحكومة الملكية، لكن لم يتم قصدهم ولم تفلح مؤامرتهم بسبب إفشاء بعضهم للسر، فقبض على المتآمرين، ومن ضمنهم ولدا بروتوس نفسه وحوكموا بمقتضى قوانين البلاد، فحكم عليهم بالإعدام ولم تمنع بروتوس الشفقة الوالدية من تنفيذ الحكم على ولديه، بل فضل احترام القانون وحماية الوطن العزيز على تخليص ولديه الخائنين من عقاب استحقاه بغدرهما وخيانتهما.
وبعد ذلك منح السناتو عشرين يوما للمهاجرين مع تركان للعودة إلى رومة بحيث إن لم يعودوا في الميعاد المذكور تضم أملاكهم لجانب الأمة، ووزعت أطيان تركان على الأهالي فخص كل منهم سبعة أفدنة تقريبا، وبذلك ازداد تعلق الأهالي بالحكومة الجمهورية وصار لا يخشى من إصغائهم لوساوس المتحزبين للملك ثانيا، وجعل السهل الواقع بين المدينة ونهر التبر الذي كان من أملاك تركان الخصوصية ميدانا عموميا تحت حماية إله الحرب، وهو (المريخ) على زعمهم وسمي ميدان المريخ.
ولما لم تفلح مأمورية مندوبي هاتين المدينتين جهزتا جيشا عرمرما لإكراه الرومانيين على إرجاع الحكومة الملوكية، فقابله الرومانيون خارج المدينة بثبات الأسد الذي يدافع عن عرينه والأمة التي تناضل عن استقلالها وتتفانى في الدفاع عن حريتها، واقتتل الجيشان طول النهار بدون أن يتم النصر لأحدهما، وانفصلا لما خيم الظلام وألقى عليهم سدوله، وفي أثناء المعركة قتل بروتوس محرر الرومانيين وآرنس أحد ولدي تركان، ولما جن الليل خيل لأعداء رومة أن هاتفا ينادي بينهم أن موتاهم أكثر من موتى الرومانيين فانذعروا وولوا مدبرين، فعاد الجيش الروماني إلى المدينة، ودخل القنصل فالريوس بموكب انتصاري عظيم، ولبست نساء رومة الحداد مدة سنة كاملة حزنا على بروتوس الذي دافع عن العفاف وصان الفضيلة بانتقامه للوكريسيا شهيدة الشرف والشهامة، وأقيم له تمثال نصب في الكابيتول بجوار أنصاب الملوك السابقين التي احترمها الرومانيون بعد إلغاء الحكومة الملكية، ولم ينزلوها عن منصاتها لاعتبارهم إياها بمثابة أنصاف آلهة تبعا لاعتقاداتهم الفاسدة وتخيلاتهم الكاسدة.
وبعد هذه الخيبة استعان تركان على الرومانيين بصاحب مدينة (كلوزيوم) إحدى مدائن الأتروسك المدعو (بورسنا)، غير ناظر إلى ما يجره من ويلات الحرب ومصائبه على بلاده، مفضلا الاستعانة بالأجنبي لتملك رقاب الرومانيين على أن يراهم متمتعين بالحرية والاستقلال، فشن (بورسنا) الغارة على مدينة رومة بخيله ورجله سنة 507ق.م ودخلها عنوة بعد أن بذل أهلوها من ضروب الشجاعة وفنون القتال ما لم يأته قبلهم أحد، لكن لم يعد إليها ملكها تركان الخائن، بل امتلكها لنفسه، ولم تجد خيانة تركان واستعانته بأعداء وطنه فتيلا، وهكذا الحال في كل زمان ومكان، فكثيرا ما رأينا ونرى الملوك والأمراء خصوصا في بلاد الشرق يستعينون بالأجانب ويستدعونهم لبلادهم؛ لإخضاع أممهم ورعاياهم إذا هبوا مطالبين ببعض الحقوق أو الاشتراك في إدارة بلادهم، فيلبي الأجنبي دعوتهم فرحا مستبشرا، وبعد أن يقمع الأهالي ويؤيد سلطة الحاكم الجاهل المستعين بهم يقوضون أركان سلطته شيئا فشيئا، ويستأثرون هم بالوظايف والنفوذ حتى إذا ساعدت الفرص امتلكوا البلاد غنيمة باردة وطردوا من ظن فيهم خيرا، وفي ذلك عبرة لأولي الألباب.
هذا؛ ولقد ذكر (تيت ليف)
1
المؤرخ القديم عدة وقائع وإن لم تكن حقيقية إلا أنها تشهد بشجاعتهم وإقدامهم لا فرق بين النساء والرجال، فقد قال إن (هوراسيوس كوكليس) قاوم بمفرده رجال (بورسنا) وصدهم عن أحد جسور التبر عندما كانوا قاصدين عبوره لدخول رومة، وقاوم مدة حتى تمكن الرومانيون من هدمه وعاد هو إلى المدينة سبحا، وقال أيضا إن إحدى الرومانيات واسمها (كليلي) سلمت لهذا الملك بصفة رهينة فهربت لبلادها وعبرت النهر سابحة معرضة نفسها لنبال الأعداء، ولم تخش الموت تخلصا من ربقة الأجنبي، وإنها لما أعيدت إليه بحكم الضرورة اضطرارا أعجب بورسنا بثبات جأشها وقوة جنانها وإخلاصها لوطنها فأطلق سراحها ، وقال هذا المؤرخ في موضع آخر إن أحد شبان الرومانيين واسمه (موسيوس شفولا) تمكن من الوصول إلى سرادق (بورسنا) أثناء حصار مدينة رومة قاصدا قتله، فقتل أحد كتابه خطأ ظنا منه أنه هو الملك، ولما ضبط قال للملك بكل ثبات: «إني عالم بما سيحل بي من العذاب والقتل، لكن يوجد بالمدينة ثلاثمائة من الشبان متحالفون على قتلك.» ثم وضع يده اليمنى في النار حتى احترقت قائلا لها: «هذا جزاؤك على خطائك عدو أمتي ووطني.» وذكر حوادث أخرى غير هذه تناقلها المؤرخون إظهارا لما وصل إليه حب الوطن، والتهالك في الدفاع عنه عند هذه الأمة الحية.
ولبث (بورسنا) برومة إلى أن ساقه طمعه لمحاربة اللاتينيين فانهزم أمامهم شر هزيمة، ولم يعد له جلد على البقاء في رومة لهياج الأهالي، وتحققه من عدم قدرته على قمعهم لو هموا مطالبين باستقلالهم فأجلى عنها بسلام.
لكن لم ترق هذه الحال في أعين تركان، بل كانت فيها قذى وفي فمه شجى، فأهاج قبائل السابيين على رومة معللا النفس بالعودة إلى سابق مجده وتليد سلطانه، فطوح الطيش بالسابيين، وهاجموا رومة لا لإرجاع تركان كما يظن كل جاهل يغتر بمساعدة الأجانب وإخلاصهم وصفاء سريرتهم، بل طمعا في انتهاز هذا الشقاق لامتلاكها فخذلوا وعادوا بخسران مبين سنة 496ق.م.
অজানা পৃষ্ঠা
وكانت هذه الموقعة هي الحاسمة إذ قتل فيها كثير من رؤساء الفريقين في مبارزات خصوصية كما كان الحال في حروب الجاهلية عند العرب، وقتل آخر أولاد تركان وجرح هو أيضا جرحا بليغا كان سبب وفاته، وبذلك ارتاحت مدينة رومة ورسخت الجمهورية فيها أي رسوخ استمرت بعده إلى سنه 28ق.م حين اغتصب أغسطس قيصر الحكومة لنفسه وأسس الإمبراطورية الرومانية؛ أي إن الحكومة الجمهورية مكثت برومة مدة 482 سنة امتد سلطانها في خلالها على جميع الأجزاء المعلومة من المسكونة في ذلك الزمان.
ولقد ينسب الرومانيون انتصارهم هذا على أعدائهم إلى تداخل الآلهة كما كان شأنهم في جميع الحوادث المهمة للتأثير على عقول الأهالي، فقد ذكر في كتبهم أنهم نظروا شابين جميلي الصورة مرتفعي القامة راكبين على جوادين شاهقين في البياض يحاربان في مقدمة الجنود، وكانا أول من اجتاز حصون الأعداء غير مبالين بالشهب والنبال الموجهة إليهم كالمطر فتبعهما الرومانيون، وتم لهم النصر بسبب شجاعتهما، ولما بحث عنهما لتسليمهما المكافآت التي كانت مقررة لمن يجتاز حصون الأعداء لم يوقف لهما على أثر، ثم ادعى بعضهم أنهم نظروهما يغسلان أسلحتهما وملابسهما من التراب والدم في إحدى أفنية المدينة، وقال الكهنة إنهما ولدا المشترى أكبر آلهتهم واسمهما «كستور» و«بولوكس»، ومن ذلك العهد أقيم لهما معبد في الفورم وخصص لهما يوم يحتفل فيه بتذكار مساعدتهم للرومانيين في كل سنة، واتخذهما الشفالية الرومانيون حماة لطائفتهم.
هوامش
نظامات الرومانيين الأولى
وحيث وصلنا إلى تأسيس الجمهورية وشرحنا الحوادث التي أدت إلى سقوط الملوكية بالتفصيل مع ذكر خرافات القوم وأوهامهم، رأيت قبل الشروع في بيان تاريخ الجمهورية أن آتي على شرح وجيز لترتيباتهم الداخلية ونظاماتهم العمومية مع ذكر بعض عوائدهم المنزلية والعائلية؛ ليكون القارئ على بينة من جميع أمورهم، وليقف وقوفا تاما على كافة أحوالهم، وإليك - أيها القارئ - بيان ذلك:
إن أول نظام وضعه رومولوس لأهالي رومة هو أن قسمهم ثلاث فرق أو قبائل: الأولى مؤلفة من رفاقه الأصليين الذين ساعدوه على تأسيس المدينة، والثانية من رجال تيتوس ملك السابيين الذي عاهد رومولوس بعد القتال الذي وقع بينهما عقب اختطاف بنات السابيين وسبق ذكره في موضعه، والثالثة قيل إنها مؤلفة من رجال أحد أمراء الأتروسك واسمه (لوكومون) أتى إلى رومة لمساعدة رومولوس على بناء المدينة، لكن عدم تمتع رجال هذا القسم ببعض امتيازات القسمين الأولين، وعدم وجود نواب عنهم في مجلس السناتو الذي سيأتي الكلام عليه؛ حمل بعض المؤرخين على الظن بأنه كان مكونا من سكان رومة الأصليين الذين أتى رومولوس في أول الأمر وأقام بين ظهرانيهم عنوة، وهذا الرأي هو الأقرب للصواب، وبقي هذا القسم في هذه الدرجة المنحطة إلى عهد تركان فمنحه المساواة مع القسمين الآخرين في جميع الحقوق والواجبات، وكان لكل قسم أو قبيلة رئيس يلقب (تريبون )، وكل قسم ينقسم إلى عشرة أقسام مؤلف كل منها من مائة نفس، ويسمى القسم المائيني ورئيسه يلقب (سانتوريون)؛ أي رئيس المائة، وكل قسم مائيني ينقسم إلى عشرة أقسام مؤلف كل منها من عشرة أنفس ويسمى القسم العشري ويلقب رئيسه (ديكوريون)؛ أي رئيس العشرة.
ومن جهة أخري كان يوجد بكل قسم من الأقسام الثلاثة الأصلية أقسام ثانية تسمى (جنتس)؛ أي عشائر أو أجناس كانت كل واحدة منها مؤلفة من أعضاء العائلة التي تربطهم روابط النسب والمصاهرة وممن ارتبط معها بروابط أخرى اجتماعية مثل رابطة التوارث لو مات رئيس العائلة عن غير وارث ولم يترك وصية، ويمكنا أن نسمي أعضاء هذا الفريق الثاني بالأتباع، فأعضاء العائلة المرتبطون معها برابطة النسب كانوا هم المتمتعين بجميع الحقوق المدنية والسياسية، ومنهم تكون طبقة الأشراف أو الأسياد دون أعضاء الفريق الثاني (الأتباع) الذين كانوا يفضلون الالتصاق بإحدى هذه العائلات بالتبعية ليأمنوا شر حوادث الزمان، وليكونوا في راحة بال ورغد من العيش متنازلين عن حقوقهم المدنية في نظير هذه الحماية، فكان السيد أو المتبوع يعطي لكل تابع من أتباعه قطعة من الأرض ليتعيش منها ويساعده فيما يكون له أو عليه من القضايا، وبعبارة وجيزة يعامله كما لو كان ولده، أما التابع فكان يجب عليه أن يتسمى باسم العائلة التابع لها ويساعد متبوعه على دفع الفدية لو أخذ أسيرا في الحرب، وفي دفع ما يحكم به عليه من الغرامات وفي أمهار بناته، وبالاختصار في جميع شؤونه ومصارفه العمومية والخصوصية، ولا يجوز له أن يساعد أو يعاون أحدا ضد متبوعه السياسي، ولا يجوز للتابع أو المتبوع أن يشهدا ضد بعضهما أمام المحاكم أو يرفعا قضايا على بعضهما إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات المفصلة في كتب القوم وأسفارهم، ولما امتدت فتوحات الرومانيين في عهد الجمهورية كما سيجيء امتد ظل هذه التابعية إلى أمم بأجمعها ومدن بجميع سكانها، وساعدت هذه الطريقة على استعار نيران الحروب الداخلية؛ إذ كان كل سيد يدعي الرئاسة لنفسه ويستعين بمتبوعيه الذين لا يجدون مفرا من مساعدته.
وكان الأشراف يجتمعون بهيئة جمعية عمومية (كومسيو) للنظر في الشؤون المهمة وتقريرها بأغلبية الآراء، وذلك كوضع الشرائع وتقنين القوانين وإشهار الحرب وإبرام الصلح والتعيين في الوظايف العمومية الرئيسية مدنية كانت أو دينية، أما الأشغال العادية فكانت تنظر في مجلس (السناتو)، وهذا المجلس كان بمثابة جمعية استشارية لرئيس الحكومة الأعلى وهو الملك، وكان يؤلف السناتو أولا من رؤساء العائلات السياسية فقط، ثم تغيرت كيفية تشكيله فيما بعد كما سيذكر في موضعه، وكان عدد أعضائه أولا مائة شخص ثم وصل مايتين بعد انضمام السابيين إلى الرومانيين، وأخيرا ثلاثمائة في عهد تركان، وبالاختصار كانت الحكومة مشكلة بالكيفية الآتية:
أولا:
الملك وهو الرئيس الأعلى، وكان يجمع في شخصه أكبر وظيفة دينية؛ إذ كان يعتبر بمثابة رئيس ديني كإمبراطور الروسيا وملكة الإنكليز الآن، وأكبر وظيفة في الجيش حيث كان قائده العام، وأعلى وظيفة قضائية.
অজানা পৃষ্ঠা
ثانيا:
السناتو للنظر في الأمور العادية والفصل فيها.
ثالثا:
الجمعية العمومية المؤلفة من جميع الأشراف (كوميسيوم) للنظر في المسائل المهمة التي لها تأثير شديد على نظام الحكومة.
وكان الملك يجلس كل تسعة أيام للحكم فيما يرفع إليه من القضايا، لكن لم يكن حكمه نهائيا بل كان قابلا للاستئناف أمام الجمعية العمومية، ولما كانت لا تسمح له أشغاله بنظر القضايا بنفسه كان يعين قاضيين يصدران الأحكام باسمه، وفي حالة الحرب تكون سلطة الملك مطلقة إطلاقا كليا خارج أسوار المدينة فقط، وهو الذي كان يعين أعضاء السناتو ويدعوهم للاجتماع في الأوقات المعينة كما يدعو الجمعية العمومية لعقد اجتماعاتها، وكان له حرس خصوصي مؤلف من ثلاثمائة فارس (شواليه) ينتخبون من أكثر الأهالي ثروة وأعزهم جاها، وكانوا هم القوة الراكبة؛ أي السواري أثناء الحرب، وكان ينتدب في غيابه أحد أعضاء السناتو للقيام بمهام وظيفته، وأخيرا كانت الأمور المالية وجباية الأموال منوطة بموظفين مخصوصين من اختصاصاتهم الحكم في مسائل التعدي على الأنفس أو الأموال، فيرى القارئ من هذا الترتيب أن هذه الأمة بلغت مع حداثتها شأوا عظيما من حسن الانتظام وتمام الترتيب، وكانت حكومتها جمهورية تقريبا حيث لم يكن للملك فيها سلطة استبدادية، بل كان الملك كملوك أوروبا المقيدين الآن بنظامات عمومية كملك إيطاليا وملكة الإنكليز وغيرهما، ولولا تجاوز تركان الشامخ حدوده، وعدم احترامه للدستور، ونبذه أرآء السناتو ظهريا؛ لما سقطت الحكومة الملكية واستبدلت بالحكومة الجمهورية البحتة.
ثم تأتي طبقة العوام المؤلفة من الأمم التي أخضعها الرومانيون وألزموهم بالإقامة حول المدينة والأخلاط الذين أتوا إليها للاحتماء بها، وهذه الطبقة كانت مجردة من جميع الحقوق المدنية والسياسية؛ كالانتخاب والتبني والوصية بعد الموت وغير ذلك من الحقوق التي كانت مخولة للرومانيين، وكان لا يجوز لهؤلاء العوام الدخول في العائلات الشريفة أو الارتباط معها بالمصاهرة إلا أنهم كانوا من جهة أخرى أحرارا في تصرفاتهم لا يخضعون لأحكام السناتو أو الجمعية العمومية، بل كانوا تابعين للملك رأسا وينتخبون قضاة من بينهم للفصل في قضاياهم الخصوصية، وكانت أهم أشغالهم الزراعة والتجارة لعدم اشتغالهم بالأمور السياسية وتفرغهم لأعمالهم الخصوصية، واستمرت هذه الطبقة من الأهالي في هذه الحالة من العزلة والانحطاط السياسي حتى خولت لها جميع الحقوق الرومانية في عهد الملك (سرفيوس)، وصاروا كباقي الرومانيين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
وقد فعل ذلك لما آنس الكراهية والبغضاء من الأشراف، فأراد إضعاف سطوتهم وتقليل نفوذهم، فجمع أهالي هذه الطبقات السفلى النازلة خارج المدينة وأنزلهم على مرتفع (أفانتان) داخل أسوارها ومنحهم الحقوق والامتيازات، ثم أبطل تقسيم الأهالي إلى طبقات تبعا للحسب والشرف، وقسمهم تقسيما جديدا جعل أساسه الثروة والغنى، وللوصول إلى ذلك أحصى تعداد الأهالي من أشراف وغيرهم وثروة كل فرد منهم بأن يأتي كل منهم إلى الموظف المنوط بذلك، ويقسم إنه يقول الحق، ثم يملي اسمه واسم عائلته وسنه ومقدار ثروته مع ما تساويه عقاراته، وكان جزاء من يرتكب غشا أو تدليسا حرمانه من حريته أو مصادرته في الأموال أو قتله حسب الأحوال، وقرر عمل مثل هذا الإحصاء كل خمس سنوات.
ولما تم الإحصاء وعلمت درجة كل إنسان من الغنى أو الفقر، قسم الأهالي إلى ست طبقات غير متساوية، وخصت الطبقات العليا منها بأوفر قسم من الضرائب بحيث كانت نسبة الضرائب إلى الثروة تزداد من طبقة إلى أعلى منها (وهذه الطريقة هي التي تسمى الآن في علم الاقتصاد السياسي بالضريبة التدريجية، بمعنى أن من يكون إيراده ألف قرش مثلا يدفع واحدا في المائة ومن بلغ إيراده عشرة آلاف قرش يدفع اثنين في المائة وهلم جرا بكيفية منتظمة)، وبهذا الترتيب الذي يدل على توقد ذهن واضعه اختلط الأشراف الأصليون بمن دخل حديثا في الجنسية الرومانية، وتفرقت كلمة الأشراف وضعفت شوكتهم خصوصا وقد حمل سرفيوس الطبقات العليا أكثر مصاريف الحروب وخصهم بأخطر مواقع القتال.
ولما كان هذا التقسيم الجديد مبنيا على الثروة، وكانت الثروة من طبيعتها قابلة للنمو والاضمحلال تبعا لاجتهاد وخمول مالكها؛ كان من الممكن لكل إنسان الانتقال من طبقة إلى أرقى بجده واجتهاده كما هو حاصل في هذا العصر ببلاد الإنكليز حيث يعطى لقب لورد لكل من امتاز في فن أو علم أو خدم وطنه خدما جليلة أو أثرى في التجارة أو غيرها، فتتجدد طبقة الأشراف في إنكلترا بدخول عناصر جديدة فيها تعيد إليها ما تفقده من القوة الحيوية بتلاشي وانحلال بعض العائلات القديمة.
ومما يذكر لهذا الملك العادل من الأعمال التي تخلد له حسن الذكر وطيب الأحدوثة مدى الدهر، أن أبطل العادة القديمة التي كانت تجعل المدين المعسر رقيق دائنه حتى يوفيه ما عليه، وجعل حق الدائن على مال المدين ليس إلا كما هو الحال الآن في جميع شرائع الأمم المتمدنة، لكن لسوء حظ الرومانيين أبطل تركان الشامخ هذا القانون وأعاد الطريقة القديمة مع ما فيها من مخالفة العقل والعدل والذوق السليم، ولم يتحصل الرومانيون على إبطالها ثانيا إلا بعد جهاد ونضال استمر نحو مايتي سنة، وبالاختصار كانت أيامه أيام سعد ورفاهية وعدل وإنصاف بما وضعه من القوانين العادلة وسنه من الشرائع التي تشهد له بعلو الإدراك وكرم الأخلاق، ثم لما أتى بعده تركان الشامخ هدم ما أسس وأفسد ما أصلح وسلب طبقة العوام جميع ما منحها سرفيوس من الحقوق والمزايا التي جعلتهم كجميع الرومانيين أعضاء جسم واحد لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وأبطل كيفية تقسيم الأهالي إلى طبقات بنسبة ثروتهم، وأعاد النظام القديم القاضي بتقسيمهم إلى أشراف وعوام، فكان كالساعي إلى حتفه بظلفه إذ بغضه العموم وانتهى الأمر بإبطال الحكومة الملوكية وتأسيس الجمهورية، لكن لم يتحصل العوام ثانيا على جميع ما سلبوه من الحقوق إلا في عدة من السنين، وبعد حروب داخلية جرت فيها الدماء كالسيول؛ فأخر تقدم رومة نحو جيلين بعمله الاستبدادي وإعادة النظامات القديمة مع عدم ملاءمتها للوقت.
অজানা পৃষ্ঠা
أما ديانة الرومانيين فكانت الوثنية يشوبها شيء من الصابئية، ولما كثر اختلاطهم باليونانيين (الإغريق) اقتبسوا كثيرا من عوائدهم الدينية واتخذوا معبوداتهم آلهة لهم، فأقاموا الهياكل والمعابد للمريخ والمشترى والزهراء وغيرها من النجوم الثوابت والسيارة، وكانوا يؤلهون القوى الطبيعية كالبحر وأمواجه وجبال النار والهواء، وكذلك العواطف النفسانية كالحكمة والشرف وحب الوطن والحلم والغضب وهلم جرا، ويقيمون التماثيل والأنصاب رمزا لها فيعبدها العوام بصفة آلهة حقيقية والعياذ بالله.
ولم يكن لهم قسوس لإقامة الصلاة وتقديم القرابين لمعبوداتهم، بل كان كل رئيس عائلة يقوم بهذه الوظائف بين أفراد عائلته، وكان رئيس الحكومة هو الكاهن الأكبر، ثم وجدت بعض طوائف دينية خصصت لأعمال معلومة؛ مثل المنجمين وكهنة المعبود المريخ وغيرهم مما لا يسمح لنا حجم الكتاب بتفصيله تفصيلا كافيا.
وكان للرومانيين اعتقاد أكيد وتمسك شديد بالطوالع الفلكية والتفاؤل بأقل الأمور والتشاؤم من أصغرها، فكانوا لا يقومون بأي عمل خصوصي أو عمومي إلا بعد أن يستطلعوا اتجاه الريح وطير الطيور وتغريدها، أو حالة ما يقدمونه من القرابين عند ذبحها من سكون أو اضطراب أو بعد موتها من تشنجات وحركات وحالة الأمعاء ولونها ووضعها، وكان الرجل لا يخرج من بيته إذا عثرت قدمه أو صادفه طير عن يساره إلى غير ذلك من الأمور التي تضحك الصبيان، ولا تزال مع ذلك متأصلة في نفوس جميع الشعوب حتى التي انتشر التعليم بين أفرادها، ولن تزال كذلك لميل النفس لتصديقها وانتقال الاعتقاد فيها بالوراثة حتى تتلاشى شيئا فشيئا بتعميم التعليم، وزوال آثارها المنطبعة في المخيلة تدريجا.
وأما عوائدهم المنزلية فكان أساسها التقشف وعدم الترف والبذخ وترك الكماليات والاكتفاء بالحاجيات الضرورية، وكانت معاملة رب المنزل لخادميه كمعاملته لأولاده إذ كان يساعدهم في جميع الأعمال، فكان يحرث بيده مهما كانت ثروته العقارية، وكانت ربة البيت تصرف وقتها في تدبير شؤون منزلها ومساعدة جواريها على القيام بكافة ما يستلزمه، وتصرف أوقات الفراغ معهن في الغزل والحياكة، لكن كانت حالة المرأة في أيامهم أحط بكثير من حالتها الآن في جميع الجهات، فكان لا يجوز لها التصرف في أملاكها مطلقا ولو بلغت من العمر عتيا، بل كانت طول حياتها في حالة الحجر تحت وصاية أبيها ثم زوجها ثم أكبر أبنائها فأخيها فابن أخيها ... إلخ على حسب ترتيب معلوم، وكان لرب العائلة الحق المطلق في مجازاة أولاده وامرأته بجميع العقوبات البدنية حتى القتل بدون أن يسأل عن سببه؛ إذ كان الكل لديه كالأنعام أو أقل قدرا، ولا يصير الولد حرا مهما بلغ من العمر أو ترقى في مناصب الحكومة ما دام والده موجودا، فكان للوالد أن يقتل ولده ولو كان عضوا في مجلس الشيوخ أو قائدا عاما للجيوش كما حصل في فتنة (كتلينا) حيث قتل والد ابنه وكان عضوا في المجلس المذكور بدون محاكمة، بل بمجرد ما له عليه من الحقوق، ومن غريب عوائدهم أن المدين المعسر يكون رقيقا لدائنه كما ذكرنا، ولو كان الدائنون عديدين جاز لهم بيعه واقتسام ثمنه أو قتله وتقسيم جثته.
ثم تركت هذه العوائد البربرية شيئا فشيئا، وارتقت الأخلاق العمومية تبعا لارتقاء التمدن والعمارية مما هو مسطور ومذكور في المطولات خصوصا في كتب القانون الروماني، فليرجع إليها من يريد التوسع في هذا الموضوع.
الجمهورية في عهد القناصل الأشراف
من سنة 510ق.م إلى سنة 471ق.م
قد ذكرنا فيما مر أسباب سقوط الحكومة الملوكية، وما أتاه تركان الشامخ من الفظائع الوحشية التي أبعدت عنه قلوب الأهالي وكانت سببا لطرده وعائلته من المدينة، ثم شرحنا ما أتاه من الاستنجاد بالأجانب ضد رومة لإخضاعها وإعادته إلى مقر عرشه، وكيف استولى (بورسنا) على المدينة ولبث بها مدة، ونحن ذاكرون الآن الاحتياطات التي اتخذها مجلس الشيوخ عند تأسيس الحكومة الجمهورية لمنع عودة السلطة الاستبدادية ثانيا، وبقاء النفوذ في أيديهم، وعدم تطرق أيدي طبقة العوام إليها أو طموح أنظارهم للحصول عليها، فقرروا أن ينتخب لرئاسة الحكومة اثنان من بينهم لمدة سنة واحدة، ويكون لهما ما كان للملك من الحقوق والوظائف إلا حق الحكم بالإعدام فيحرمون منه ما داموا داخل أسوار المدينة أو خارجا عنها بمسافة ميل واحد ويعود لهم بعد هذه المسافة، وتقرر رمزا لذلك أن لا توضع البلط ضمن العمد التي تحمل أمامهم إلا بعد ابتعادهم عن المدينة بزيادة عن ميل، وأن تكون السلطة لكل منهما مدة شهر بالمناوبة، وأن من يطمح لاختلاس السلطة المطلقة بدون حق أو يسعى في إعادة الملوكية يكون جزاؤه القتل لا محالة، وأن تخفض العمد التي تحمل أمام القناصل عند حضورهم أمام الجمعية العمومية احتراما لها واعترافا بأن سلطتها فوق سلطتهما.
ولزيادة ارتباط الأهالي بالجمهورية واستمالتهم إليها أضيف إلى السناتو مائة عضو انتخبوا من جماعة (الشفاليه) وانتخب مكانهم مائة من أغنياء طبقة العوام، ثم وزعت أملاك العائلة الملوكية على الفقراء من بينهم، وأبطلت الرسوم الجمركية على الحدود لتخفض أسعار الواردات الخارجية وأنزل ثمن الملح كثيرا، وبذلك رسخت قدم الحكومة الجمهورية واتحد الرومانيون على الدفاع عنها، وصاروا جميعا - على اختلاف طبقاتهم - يدا واحدة لصد هجمات الأعداء حتى وطدوا دعائمها، وصار لا يخشى عليها من دسائس المفسدين ومكر الماكرين.
لكن من جهة أخرى أهملت الزراعة بسبب الحروب المتواصلة، وكثرت ديون الفقراء بتراكم الفوائد الفادحة حتى عجزوا عن الدفع، ووقع كثيرون منهم في حالة الرق بمقتضى القانون؛ فتآمر المديونون المعسرون وطلبوا من الحكومة وضع حد للفوائد الزائدة، وإلزام الدائنين بترك بعض ديونهم التي أغلبها فوائد متكاثفة فلم تصغ الحكومة لشكواهم ولم تسع في تخفيف بلواهم ؛ لأنه كان لأغلب القابضين على أزمة الأحكام ديون على الأهالي، ولو لبوا نداءهم لخسروا مبالغ وافرة، ولازدياد الفقر وتفاقم الخطب امتنع الأهالي عن الخروج لمحاربة اللاتين حين أتوا لنجدة تركان في سنة 496ق.م، وأبوا القتال ما لم يجب طلبهم؛ فقررت الحكومة انتخاب حاكم مطلق موقتا (دكتاتور) لمدة ستة شهور يتصرف في الأحكام حسب ما تقتضيه الأحوال حتى بالقتل
অজানা পৃষ্ঠা
1
وكلفته بإكراه الأهالي على الخروج للقتال، فخرجوا اضطرارا لا اختيارا وهزموا الأعداء وصدوهم عن المدينة، واستعفى الحاكم المطلق، ورجعت الأحكام إلى ما كانت عليه، وازداد الدائنون قسوة وخشونة في معاملة مديونيهم خصوصا سنة 495ق.م في عهد قنصلية (كلوديوس أبيوس) أحد المثرين المرابين حتى اشتد الكرب على الأهالي، وطلبوا ثانيا تسوية ديونهم، وعززوا طلبهم بالامتناع عن محاربة الفولسك حين تعدوا حدود رومة في هذه السنة وغزوا بعض أحيائها، فوعدهم القنصل الثاني سرفليوس بالنظر في طلبهم بعد انتهاء الحرب، وأمر بالكف عن المطالبة مدة الحرب وإخلاء سبيل المسجونين بسبب ديونهم موقتا حتى تضع الحرب أوزارها، لكن لم يصدق السناتو بعد انتهاء الحرب على هذه الوعود، بل ساعد المثرين على الفقراء في تحصيل ديونهم، فامتنعت الجنود عن الحرب مرة ثالثة، ولم يخرجوا إلا بعد أن وعدهم القنصل (منيوس فالريوس) الذي كان من إحدى العائلات الوضيعة وتثق الأهالي به وثوقا تاما بتنفيذ جميع مطالبهم، وعزز وعده بالأيمان المغلظة، إلا أن السناتو لم يؤيد هذه الوعود لوجود الأغلبية فيه بين أيدي أصحاب الديون فاستعفى فالريوس وأهاج الشعب لنوال حقوقه بالثورة حيث إن جميع الطرق السلمية لم تصادف إلا وعودا عرقوبية مبنية على أطماع أشعبية، فثار الأهالي في سنة 493ق.م واجتمع بعضهم على الجبل المقدس خارج المدينة والبعض على جبل أفانتان داخلها، فأرسل إليهم السناتو وفدا لينصحهم بالخلود إلى الراحة والسكينة مؤكدا لهم ترك ديون المعسرين وإطلاق سبيل جميع المستعبدين بسبب عدم دفع ديونهم، وكان من ضمن الوفد رجل مشهور بالفصاحة يدعى (مننيوس أجربا) فخطب فيهم وحثهم على الائتلاف ونبذ الثورة، وضرب لهم مثلا «أن أعضاء الإنسان تآمرت ذات يوم على ترك العمل وعدم تغذية المعدة قولا إنه ليس من العدل أن تشتغل جميع الأعضاء لمنفعة عضو واحد، فلما منع الغذاء عن المعدة ضعفت وامتد الضعف إلى الأعضاء المتآمرة، وعاد اعتصابها عليها بالضرر أكثر من المعدة نفسها».
لكن لم تؤثر هذه الوعود ولا هاتيك المواعظ في المتآمرين لعدم الوفاء في الماضي، بل طلبوا ضمانة على تنفيذها أن ينتخبوا نوابا للدفاع عنهم، وأن لا تنفذ الأحكام ضد من يتضح عدم اقتداره على الدفع، فقبل السناتو هذا الطلب مكرها بعد تعديله بأن يكون حق الانتخاب للجيش فقط لتأثير الأشراف عليه وقلة عدده بالنسبة لمجموع الأهالي، فانتخب الجيش نائبين عن الأهالي أعطى لهما لقب (تريبان) ثم زيد عددهم إلى خمسة في سنة 393.
وكان لانتخابهم نتائج عظمى بالنسبة للأهالي أهمها استقلالهم عن القنصلين مما يقضي بإضعاف سلطتهما بقدر ما يعطى منها للتريبان، ومساعدتهم الأهالي على عدم تنفيذ أحكام القناصل المجحفة بحقوق الفقراء والمعسرين، وجعلت سلطتهم داخل مدينة رومة فقط وعلى مسافة ميل واحد خارجا عنها، وفي سنة 486 انتخب سبوريوس كاسيوس قنصلا، وكان سبق انتخابه مرتين لهذا المنصب السامي وذلك لميله لمساعدة الأهالي ضد الأشراف المرابين، ولما كان جل سعيه تخفيف أثقال الفقراء عرض على مجلس السناتو تقسيم أراضي الحكومة بينهم والتشديد على الأغنياء في دفع الضرائب ودفع راتب معين للجنود مقابل ما يلزمهم من المؤن والأسلحة، وقد كان كل جندي ملزما بالصرف على نفسه بدون تكبد الحكومة صرف أي شيء عليه، فلم يسع السناتو إلا التصديق على هذا المشروع الزراعي مع ما فيه من الإضرار بالأغنياء القابضين على أزمة الأحكام لمجاهرة الشعب باستحسانه وإظهار الرغبة الشديدة في تنفيذه، فصادق المجلس عليه مصرا على عدم تنفيذه والإيقاع بواضعه، فأشاعوا أن كاسيوس لم يراع صالح وطنه في معاهدة كان أبرمها في قنصليته الأولى مع قبائل اللاتين ووافقت عليها قبائل (الهرنيك)، وأنه فضل صوالح الأجانب بغية الاستعانة بهم على إذلال رومة وإسقاط الجمهورية وإعادة السلطة الملوكية فيها لنفسه، وأنه يسعى الآن في إيقاع الشحناء بين الأغنياء والفقراء من الأهالي للتفريق بينهم والتمكن من تنفيذ مقصده الحقيقي وهو الاستئثار بالحكم والاستبداد بالملك.
ولما كان الشعب الروماني شديد الغيرة على استقلاله والمحافظة على حريته صدق هذه الوشايات ومال عنه، فانتهز السناتو هذه الفرصة المناسبة واتهمه بالسعي في إعادة الحكومة الملوكية؛ فحكم عليه بالإعدام، وقتل في أواخر سنة 486 شهيد مساعي من يفضل الصالح الخاص على الصالح العام، ولم يراع حرمة لمصلح، ولم يخفر ذمة لخادم صديق لوطنه.
وبعد موت كاسيوس ماطل السناتو في تنفيذ مشروعه الذي ضحى حياته للحصول على التصديق عليه، وساعدته على ذلك عائلة فابيوس الشهيرة بمعاداة الأهالي ومساعدة الأشراف على أطماعهم، وبقيت وظيفة القنصلية في عائلتهم سبع سنين متوالية من سنة 484 لغاية سنة 478 لم يسمع في أثنائها نداء الأهالي ولا نوابهم (التريبان) الذين بعد أن أعيتهم الحيل في الحصول على تنفيذه بالطرق السلمية؛ عمدوا إلى استعمال الحق الممنوح لهم من إيقاف تنفيذ أوامر القناصل لو رأوا أنها مخالفة لصالح منتخبيهم، وعارضوا فعلا في تنفيذ قانون الخدمة العسكرية وأمروا الأهالي بالامتناع عن الدخول فيها حتى يعمل بمشروع كاسيوس وتوزع عليهم الأراضي التي تقرر إعطاؤها لهم، ولما كانت سلطتهم القانونية قاصرة على مدينة رومة وضواحيها على مسافة ميل واحد فقط، نقل القنصلان مركز أعمالهم على مسافة تزيد عن الميل، وأمروا بجمع أنفار الجندية بالقوة وحرق مزروعات من يمتنع منهم امتثالا لأوامر نواب الأهالي، فكثرت الشكوى وعلا التذمر، وخيف حصول فتنة عمومية تكون عاقبتها وبالا على الجميع؛ ولذلك استمال السناتو بعض النواب وهم أقنعوا المعارضين بضرورة المسالمة وعدم المعارضة منعا للثورة، فسحبوا أمر الامتناع ونصحوا الأهالي بالدخول في الجندية فامتثلوا إلا أنهم أرادوا الانتقام من عائلة فابيوس التي كانت معضدة لهذه الاضطهادات، فامتنعوا عن القتال في واقعة كان قائدها أحد أعضاء هذه العائلة واسمه (سيزوفابيوس) حتى لا يتم النصر، ولا يكون له حق في الاحتفال الذي يعمل للقناصل المنتصرين عند عودتهم إلى المدينة.
فلما رأت عائلة فابيوس أن الأهالي ناقمين عليها لمساعدتها السناتو وأعضاءه، وأن السناتو ابتدأ يقلب لها ظهر المجن لتخوفه من نمو نفوذها بين الأشراف، وبقاء الزعامة فيها من مدة.
ولاعتقاد أعضائها بأن الفوز لا بد وأن يكون في آخر الأمر للشعب على الأشراف مالت بكلياتها عن السناتو، وصارت من أكبر مساعدي الشعب على تنفيذ القانون الزراعي، فكانت نتيجة ذلك أن الأهالي ساعدوا القنصل فابيوس في سنة 479 على محاربة قبائل الأتروسك، فغلبهم ومحا ما كان لحق بعائلته من العار بسبب انخذال (سيزوفابيوس) أمام الأعداء.
ولما عاد الجيش منصورا إلى المدينة دخلها في موكب حافل حسب العادة، وقبل فابيوس جرحى الفقراء في داره، فزاد تعلقهم به وبعائلته لدرجة أقلقت السناتو وأعضاءه على امتيازاتهم واستقلالهم، وزاد خوفهم وقلقهم لما طلب (سيزو) السالف الذكر تنفيذ القانون الزراعي الذي تقرر من سنة 484 ولم يعمل به؛ ولذلك تآمر الأشراف على إخراج هذه العائلة من رومة بدعوى أنها تسعى لإعادة الملك وأرهبوا الأهالي بهذا الخيال الوهمي فلم يبدوا أي حركة ظاهرة للدفاع عنها كما كان ينتظر، فخرجت مع أتباعها وعددهم نحو الأربعة آلاف ونزلت على ضفة نهر كراميرا الذي يصب في نهر التبر لصد هجمات الأتروسك عن مدينة رومة؛ إذ حافظت هذه العائلة على ولائها ولو لم تجد منها إلا الجحود والكفران لأن حب الوطن يجب أن لا تزعزعه الحوادث أو تؤثر فيه الكوارث، بل يبقى هذا الإحساس حيا إلى آخر رمق من الحياة.
وفي سنة 477 انقرضت هذه العائلة تقريبا في إحدى حروبها المتعددة مع القبائل بسبب عدم تحرك القنصل مننيوس لنجدتها، ومد يد المساعدة إليها مع وجوده معسكرا بجيشه بالقرب من محل القتال؛ ولذلك ثار عليه الأهالي واتهموه بالخيانة وطلبوا محاكمته بصفة خائن للوطن، فلم ينتظر المحاكمة بل امتنع عن الأكل حتى مات جوعا هربا من العقاب الصارم الذي استحقه بترك الأعداء يتغلبون على إخوانه الرومانيين؛ تشفيا لضغائن شخصية يجب أن تضحى على هيكل الوطنية.
অজানা পৃষ্ঠা
واعتبر اتهام الشعب لهذا القنصل سابقة ينسج على منوالها لاتهام كل من يشتهر من القناصل بعدم مساعدته على تغيير القانون الزراعي عند انقضاء مدة انتخابه، ففي سنة 475 اتهموا القنصل سرفليوس لعدم انتصاره في موقعة حربية ولم يحكم عليه بشيء، وفي سنة 473 اتهموا مانليوس وفوريوس لمعارضتهم في تغيير القانون الزراعي، وتولى اتهامهما النائب (تريبان) جنوسيوس لاشتهاره بقوة الحجة وفصاحة اللسان، وأقسم أمام الشعب بأنه لا بد من الحصول على معاقبة هذين القنصلين حتى يلزم من يأتي بعدهما بتنفيذ هذا القانون، لكنه وجد قتيلا في فراشه يوم المحاكمة بدسيسة الأشراف حتى لا يحاكم القنصلان المتهمان، ويقال إنه قتل في هذه الليلة كثير من فصحاء الشعب المطالبين بحقوقه المسلوبة، فوقع الرعب في قلوب الأهالي وأراد السناتو انتهاز هذه الفرصة الثمينة لتثبيت سلطته وتقريرها، فأمر بجمع الشعب في الفورم لانتخاب من يليق منهم للخدمة العسكرية، وكاد يتم الأمر بسكون لعدم معارضة أحد من الأهالي أو نوابهم لولا قيام (بوبليسيوس فوليرو) وتحريضه الأهالي على الثورة وعدم الامتثال لأوامر الحكومة ما لم ترد إليهم حقوقهم المسلوبة ظلما وعدوانا، فأمر القناصل بالقبض عليه فهاج الشعب وخلصوه عنوة من أيدي القابضين وطردوا القناصل وأعضاء السناتو من الفورم بالقوة.
وفي سنة 472 انتخب فوليرو نائبا عن الشعب (تريبان) فبذل كل اهتمامه لإنالة الشعب حقا لو تحصل عليه يكون مقدمة لحصوله على حقوق كثيرة تنيله السلطة الحقيقية مع الوقت، وتفصيل ذلك أن انتخاب نواب الشعب كان يحصل بمعرفة فرق الجيش المئينية التي للأشراف النفوذ والسيطرة عليها، فارتأى فوليرو أن يكون انتخابهم بمعرفة جمعية الأهالي العمومية التي لا يحضرها أحد من الأشراف مطلقا ولا نفوذ لهم عليها، فلم يقبل السناتو هذا الطلب العادل بل ماطل وحاول حتى مضت مدة (فوليرو) ولم يقرر مشروعه الذي سمي بقانون بوبليليا نسبة له، ثم أعيد انتخابه رغم مساعي الأشراف وأشياعهم، وانتخب معه (ليتوريوس)، وكان أشد كراهة لاستبداد السناتو فأضاف إلى مشروع فوليرو الأصلي أن يكون لجمعية الشعب العمومية حق التداخل في شؤون الحكومة أيا كانت بواسطة الاقتراع العام.
ومن جهة أخرى انتخب السناتو (أبيوس كلوديوس) ضمن قنصلي هاته السنة لمعاداته للشعب ومحافظته على امتيازات الأشراف وخصوصياتهم، ولما أتى اليوم المحدد للاقتراع على مشروع فوليرو اجتمع الأهالي في الفورم الموصلة ساحته إلى محل انعقاد مجلس السناتو للتظاهر، وتعضيد المشروع وإلزام المجلس بقبوله وتهديده بالثورة والعصيان لو رفضه في هذه السنة أيضا، فلم تؤثر هذه المظاهرات في أعضائه بل رفضه فهاج الشعب بأجمعه وأعلن الإقرار عليه والعمل به رغم مجلس السناتو وعناده، وحصلت عدة معارك بين الفريقين جرح فيها ليتوريوس وكاد يقتل كلوديوس لولا أنه التجأ إلى قاعة المجلس ونجا بنفسه بكل مشقة.
ثم احتل الشعب قلعة الكابيتول وألزم السناتو بالتصديق عليه فصدق مكرها، وبذلك تم الفوز للشعب، وتحصل الأهالي على ما يمكنهم به التأثير على سير الحكومة خصوصا بما أضيف على هذا القانون الجديد من أن للأهالي الحق في الاقتراع في جمعيتهم العمومية على ما يرونه ضروريا من القوانين والنظامات، نعم إن تصديق السناتو كان واجبا لتنفيذها إلا أنه كان لم ير بدا من الموافقة على ما يعرض عليه لسبوق إقرار الأمة عليه.
هذا؛ ولما انتخب المدعو (ايسيليوس) نائبا عن الشعب (تريبان) بالطريقة الجديدة اقترح أنه لا يجوز لأحد ما مقاطعة نائب الأمة أثناء تكلمه بالفوروم، ومن يفعل ذلك يحاكم بالقتل ومصادرة الأموال إذا اقتضت الظروف ذلك، وصودق على هذا الاقتراح مع ما فيه من القسوة والصرامة حبا في منع حصول ما يكدر صفاء الاجتماعات أثناء المداولة في المسائل المهمة، والتشويش على الخطباء، ومنعهم بكيفية ما من تتميم خطابهم، والتمتع بحرية الدفاع عن مشروعاتهم.
وفي هذه السنة وهي سنة 470ق.م دارت رحى الحرب بين الرومانيين وقبائل (الفولسك) و(الأيك)؛ فخرجت الجيوش تحت قيادة القنصل (إبيوس كلوديوس) الذي كان من أقوى المعارضين في مشروع انتخاب نواب الشعب بمعرفة الجمعية العمومية كما سبق بيانه في موضعه، ولما كان الكل غير راض عنه لهذا السبب ولميله للأثرة والاستبداد؛ تقهقرت الجنود أمام العدو بدون شديد مقاومة حتى إذا انهزموا وفاز عليهم العدو بالغلبة والانتصار حوكم (إبيوس) بصفة مقصر في الواجب أو خائن للوطن، لكن أدرك إبيوس دسيستهم وعلم أن انهزامهم لم يكن لشدة بأس العدو أو كثرة عدده، بل للأسباب التي ذكرناها، فأراد الانتقام منهم قبل العودة إلى رومة فعاقب أغلب رؤسائهم بأشد العقوبات العسكرية صرامة وهو القتل تشفيا منهم، ولما عاد إلى المدينة اتهمه نواب الأمة (التريبان) بالخيانة فقابل اتهامهم له بكل أنفة وكبرياء وقتل نفسه حتى لا يحاكم على جناية هو براء منها، فاحتفل الأهالي بجنازته احتفالا باهرا اشترك فيه الأشراف والعوام لاعتبار الكل له بسبب شهامته وعلوه عن الدنايا وترفعه عن التزلف للأمة ونوابها.
هذا؛ وبالاختصار فإن طبقة العوام في رومة تحصلت - في مدة ثلاث وعشرين سنة - أي من سنة 494 إلى سنة 471 - على سلطة ونفوذ في إدارة شؤونها وشؤون الحكومة، ما كانت لتتحصل عليها لولا اتحادها بحق وتضافرها على الطلب والمثابرة عليه بكل ثبات لا ترهبها القوة ولا ترعبها السطوة ما دامت معتقدة أنها تطالب بحق مقدس، هو المساواة للأشراف الذين لا يميزهم عن باقي طبقات الأمة مميز طبيعي أو عقلي.
ففي سنة 493 تحصلوا على حق تعيين نواب عنهم، وفي سنة 476 خول هؤلاء النواب لأنفسهم حق اتهام القناصل أمام الشعب وطلب محاكمتهم، وفي سنة 471 أجيز للشعب حال اجتماعه بهيئة جمعية عمومية أن يقترع على الأمور العمومية، ويصدر عليها قرارات أهلية تكون نافذة على جميع الأهالي دون الأشراف ما لم يصدق عليها السناتو الذي كان لا يتيسر له الامتناع أمام إجماع الشعب خشية الثورة وإراقة الدماء.
هوامش
خيانة كوريولان
অজানা পৃষ্ঠা
وفي أثناء اشتغال رومة بمسائلها الداخلية التي شرحناها تعدى الأعداء حدودها مرارا، ونهبوا مزروعاتها ومواشيها، واقتربوا من المدينة لامتناع الجيوش عن الحرب مرارا بسبب توقف الحكومة عن تنفيذ القانون الزراعي.
ومن غريب ما ذكر في تاريخ هذه السنين ولم يسبق في تاريخ رومة في عهد الجمهورية، أن الأعداء هاجموا الرومانيين تحت قيادة أحد أشراف الرومان واسمه (كوريولان)، كان في الأصل من أكبر المدافعين عن وطنه، وأشدهم تعلقا به إلا أنه كان مساعدا للأشراف ضد طبقة العوام، وينسب له أنه عندما حصل جدب في إحدى السنين غلت الحبوب واشترت الحكومة مقدارا وافرا من الغلال من جزيرة صقلية لتوزيعها على الأهالي اقترح على السناتو عدم توزيع شيء على الشعب ما لم يتنازل عن حق انتخاب نواب له ويرضخ للأشراف كما كان الحال قبلا، فهاج الشعب ضده وطلبه التريبان (نواب الأمة) للمحاكمة أمام الشعب، فحكم عليه بالنفي والإبعاد فخرج مضمرا الشر لوطنه والعياذ بالله، والتجأ إلى توليوس أحد رؤساء قبائل الفولسك الشهير بعداوته للرومانيين وعرض عليه استعداده للانتقام من وطنه وبنيه، فقابله هذا العدو بقلب منشرح وصدر رحيب وقبل أن تكون رياسة الجيش لكريولان ويكون هو نائبه في قيادتها ثم قصد رومة سنة 490 في جيش عظيم، وأمر كوريولان بنهب المزارع التي أصحابها من طبقة العوام وعدم مس أراضي الأشراف بسوء، وسار بهذه الكيفية يبذر الخراب والدمار في طريقه إلى أن وصل هذا الخئون إلى بعد خمسة أميال فقط من المدينة، فأرسل إليه السناتو أكبر أعضائه سنا وأكثرهم اعتبارا لإرجاعه عن غيه وحمله على كف الغارة عن وطنه فلم يقبل، وكذلك لم يصغ إلى نصائح وإرشادات قسوس مذهبه الذين أخذوا يبينون له قبح خيانته وعظم جنايته نحو وطنه وأهله، بل أعماه وأصمه حب الانتقام، وأخيرا أتت إليه أمه (فيتوريا) باكية آسفة على عقوق ولدها ومساعدته الأعداء على بلاده بعد أن كان من أقوى المدافعين عن استقلالها؛ فرثى لبلواها ورق لشكواها وعاد مع من معه من الجيوش مقتنعا بما أخذه من الغنائم، فحنق عليه توليوس لعدم تمكينه من دخول رومة والاستيلاء عليها ويقال إنه قتله، وقيل إنه لم يقتل بل بقي مطرودا مخذولا حتى مات غير مأسوف عليه.
وكذلك كانت هذه الفترة فرصة مناسبة لأعداء حلفاء رومة وهم قبائل اللاسيوم والهرنيك، فأغارت الفولسك على بلاد اللاسيوم ولم يمكن رومة إسعافها بالمساعدة لاشتغالها بأمورها الداخلية من جهة، ولاحتلال الفائيين مرتفع جانيكول بضواحي رومة عقب انهزام عائلة فابيوس على نهر كريميرا في سنة 477، واستمر هذا الضيق إلى سنة 470 حيث أمضي بين أهالي مدينة (فايه) والرومانيين هدنة لأربعين سنة.
ولم يتم لرومة السكون تماما لإغارة قبائل الأيكيين عليها سنة 471 وصدهم عنها بهمة وشجاعة القنصل كونكيثيوس الذي لقب بأبي الجند من معاملته لهم واعتباره إياهم كأولاده، لكن لم ترتدع هذه القبائل المحبة للحرب ، بل عاودت الكرة عليها أربع مرات وتبعهم القنصل فوريوس في إحداها سنة 468 حتى وصل إلى مضيق فحاصروه وضايقوا عليه الخناق، وكاد يهلك هو وجيشه لولا أن أمدهم كونكبتبوس بإسعافه وتخليصه من هذه الورطة.
وفي السنة نفسها فتح هذا القائد الذي حاز شهرة عظيمة مدينة نيوم إحدى الثغور المهمة وتبعد عن رومة بمسافة كيلومتر، وعند عودته منصورا عمل له احتفال عظيم لم يسبق له مثيل صعد به إلى قلعة الكابيتول؛ ولذلك أعطي إليه لقب كابيتولينوس، ثم توالت إغارات الأعادي على أراضي رومة، وكانت الحرب سجالا بين الطرفين، وأهم ما حصل فيها أن بعض المطرودين من رومة هاجموها فجأة في سنة 495 تحت قيادة زعيم لهم أصله من السابيين اسمه هارورينوس واحتلوا الكابيتول عنوة ثم أكرهوا على إخلائه بعد أيام قلائل، وفي سنة 458 تبع القنصل منوسيوس بعض قبائل الأيك، فحصروه في مضيق وخيف هلاكه ومن معه من الجنود، فعين السناتو القائد سنسناتوس حاكما مطلقا لإنقاذ القنصل المحصور، ولما توجه إليه وفد من المجلس لتبليغه خبر تعيينه وجدوه يحرث الأرض بنفسه فقبل المأمورية وسار في جيش عظيم، وبعد أن أدى المأمورية وأنقذ القنصل وجيشه عاد في احتفال عظيم ثم استقال من منصبه الموقت فعادت الأحكام إلى نظامها العادي وعاد هو إلى محراثه كما كان، فتأمل لهذا التقشف وهذا الإخلاص وهذا التجرد عن الغايات وعن حب المناصب، وقل لي بأبيك كيف لا تبلغ أمة اتصف أفرادها بهذه الصفات الحميدة والخلال الوطنية شأوا عظيما في العالم، وتسود على من عداها وتتغلب على من عاداها ويمتد سلطانها على مشارق الأرض ومغاربها؟!
وبالاختصار كانت أيام الجمهورية الأولى أيام حروب مستمرة وخطوب مدلهمة لم تعد على رومة بفتح شيء من البلاد، إلا أنها حافظت في خلالها على أراضيها الأصلية، ولو أنه أصاب الأمم المتحالفة معها بعض الضرر خصوصا اللاتيين، إلا أن الرومانيين تدربوا في خلالها على فنون الحرب وضروب النزال، واستعدوا للفتوحات العظيمة التي أنالتهم ملك جميع الأرض التي كانت معلومة في هذه الأعصر الخالية مما سيأتي ذكره مفصلا في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
حكومة العشرة وحصول الشعب على المساواة في الأمور
المدنية
قد سبق لنا شرح ما نالته طبقة العوام (التي سميناها وسنسميها دائما بالشعب أو الأمة) من الحقوق والامتيازات، لكن ما نالته كان بعضا من كل أو بعبارة أخرى: إن ما تحصلت عليه كان عبارة عن الطرق القانونية التي بها تتحصل على المساواة مع طبقة الأشراف التي كانت محتكرة جميع الوظائف العالية ومحافظة على ما لها من السلطة والسودد، ولما كان الفوز دائما لجانب الحق على القوة إذا ثابر أصحاب هذا الحق على طلباتهم، وأصروا على المطالبة بها بالطرق القانونية العادلة؛ انتهى الأمر للشعب بالفوز والحصول على المساواة تدريجيا تبعا للظروف، واختلاسا للفرص المناسبة؛ فحصلت في سنة 450 على المساواة في الأمور المدنية، وفي سنة 397 على المساواة السياسية، وفي سنة 329 و306 على المساواة القضائية، وفي وظائف القضاء وفي سنة 302 على المساواة الدينية.
وبيان عدم المساواة المدنية أن الأحكام كانت بيد القناصل ومجلس السناتو وبعض القضاة، لكن كانت اختصاصات كل منهم غير محددة بكيفية تمنع تجاوز الحدود، ومن جهة أخرى كانت الأحكام تصدر لا على قانون معلوم للعموم بحيث إن كل فرد يعلم ما له وما عليه، بل كانت تصدر بناء على قواعد قديمة وعوائد مألوفة لا يعلمها إلا القليل يتصرف فيها أصحاب الأهواء حسب غاياتهم ومنافعهم الشخصية.
অজানা পৃষ্ঠা
وحيث كانت أزمة الحكومة في أيدي طبقة الأشراف كان الحيف والظلم دائما على فقراء الأهالي؛ ولذلك اجتمع نواب الأمة (تريبان) واتفقوا على أن يطلبوا من الحكومة تعيين لجنة مؤلفة من عشرة متشرعين يكلفون بتدوين العوائد القديمة وتقنينها وترتيبها بطريقة يسهل فهمها على العموم، فلا يمكن للقضاة التلاعب بالأحكام، ثم ينشر هذا القانون ويعلق في الفورم ليكون معلوما للخاص والعام، واختار النواب أحدهم المسمى ترنتليوس أرسه لعرض هذا الطلب والسعي في الحصول عليه فقام بهذه الدعوة في سنة 461، لكن لم يصادف طلبه قبولا لدى مجلس السناتو، بل رفضه رفضا باتا وتحزب بشأن الأشراف ضد هذا المشروع تحت زعامة (سيزون) ابن سنسناتوس فصاروا يتجمهرون في الفورم ويشوشون على الأهالي في اجتماعاتهم ويمنعون مداولاتهم، فاتهم بعضهم سيزون بضرب أحد نواب الأمة في إحدى هذه المناوشات، واتهمه آخر بإصابة أخ له طاعن في السن بعربته لقتله، وأشاعوا هذه التهم في الفورم فهاج الأهالي وطلبوا محاكمته فهرب إلى جهات إتروريا سنة 460 فرارا من العقاب وهو القتل جزاء تعديه على أحد نواب الأمة حال تقلده منصب النيابة كما كانت تقضي بذلك القوانين.
ولما هاجر أخذ يفكر في الانتقام من أهل وطنه فاستعان بأحد رؤساء السابيين واسمه هرديينيوس، وأغار على رومة ومعه كثير من المطرودين والمبعدين لشرورهم ومفاسدهم فاحتلوا الكابيتول ثم استخلصه الرومانيون وقتلوا كل من به من الأعداء، ولم تشترك الأمة في هذه الحرب إلا بعد أن وعدها القنصل فالريوس بقبول مشروع النائب ترنتليوس السابق ذكره جزاء مساعدته على طرد الأعداء، لكن لسوء الحظ قتل فالريوس في هذه الواقعة، وعين مكانه سنسناتوس والد سيزون الذي فر هربا من المحاكمة (وربما كان ضمن المقتولين في الكابيتول)، فلم يقم بنفاذ ما وعد به القنصل السابق وطلب من السناتو رفض المشروع فرفض.
إلا أن الأهالي داوموا على إصرارهم وثبتوا في طلبهم وأعادوا انتخاب نوابهم المساعدين على هذا المشروع خمس سنين متوالية، ولما لم تر الحكومة بدا من إجابة طلبهم منعا للمشاغب والفتن الداخلية التي تجرئ الأعداء على محاربتها عمدت إلى الحيلة والخديعة، فقررت أن يكون عدد نواب الأمة (التريبان) عشرة حتى يمكنها التفريق بينهم فيكون عدم اتحادهم مضعفا لقوتهم ومقللا من نفوذهم، لكن فطن الأهالي لهذه الحيلة فزادوا اتحادا وتضافرا على المطالبة بحقوقهم.
وفي سنة 484ق.م طلب النائب (إسليوس) أن توزع أراضي الحكومة الكائنة على مرتفع (أفنتان) على فقراء الأهالي، فقررت الأمة هذا الطلب في جمعيتها العمومية وألزم إسليوس القناصل على عرضه على السناتو وتحصل على تصريح خصوصي بحضور الجلسة التي بحث فيها في هذا الطلب (وكان ذلك غير جائز لنواب الأمة) وبقوة بيانه وبلاغة خطابه أقر السناتو عليه خوفا من حصول ثورة داخلية، وكان لحضور إسليوس مجلس السناتو نتيجة عظمى حيث اعتبر هذا التصريح الاستثنائي سابقة تتبع في المستقبل، وصار لنواب الأمة من ذلك التاريخ الحق في حضور جلسات السناتو للدفاع عن مشروعاتهم، بل وفي طلب انعقاده أيضا في جلسات فوق العادة للمداولة في المشروعات المهمة التي يكون في تأخيرها ضرر.
وبعد ذلك عادت الأمة للمطالبة بمشروع ترنتليوس القاضي بتدوين الشرائع وتقنينها، فماطل السناتو مدة، ثم لما رأى أن ضرر التسويف أكثر من نفعه وأن لا بد من الرضوخ لطلبات الأمة يوما طوعا أو كرها؛ قرر قبول هذا المشروع مبدئيا، وتعيين لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء للسفر إلى مدينة أتينة مقر حكومة الهلين الذين اشتهروا في التواريخ العربية باسم الإغريق، وإلى المدن التي أسسها الإغريق في جنوب إيطاليا للبحث في شرائعها وقوانينها وأخذ ما يوافق بلاد الرومانيين منها ووضع قانون كاف شاف بعد عودتهم من هذه الرحلة، وكان قصد السناتو بتعيين هذه اللجنة المماطلة وضياع الوقت في سفرها فتكون أفكار الأهالي قد سكنت وهدأت حركتهم فيتخلص السناتو من تنفيذ هذا المشروع، لكن لم تصب سياستهم ولم تنجح حيلتهم فإن الأعضاء الثلاثة عادوا في أقرب وقت.
فالتزم السناتو بتعيين هيئة حكومية من عشرة متشرعين خول إليهم السلطة المطلقة، وأوقف سير النظام الأصلي وأبطلت وظائف القناصل ونواب الأمة موقتا ريثما تتم الهيئة الجديدة مأموريتها؛ وهي سن قانون جامع ينبي عن العوائد القديمة مع إضافة ما يلائم البلاد من عوائد وقوانين الإغريق التي جمعها المندوبون الثلاثة، وابتدأت الحكومة الجديدة عملها في مايو سنة 450ق.م وكانت الرئاسة لكل منهم مدة أربع وعشرين ساعة فقط، فاشتغلت هذه اللجنة مدة سنة سارت الأمور في أثنائها بغاية الهدوء والسكينة، وفي ختامها أتمت سن ما كلفت به من القوانين وأمرت بنقشها على عشرة ألواح وتعليقها في الفورم ليطلع عليها العموم ويبدي كل إنسان ما يعن له من الملحوظات ويعرضها على اللجنة ، وهي بعد جمع هذه الملحوظات وتنقيح القوانين بمقتضى ما يوجد منها موافقا للصواب تعرضها منقحة على الأمة في اجتماعها العمومي فتقررها أو ترفضها.
ولما انقضت السنة الأولى ووجب تغيير أعضاء اللجنة العشرية حسب العادات الرومانية التي تقضي بتغيير الحكام كل سنة خوفا من طموحهم إلى الاستبداد سعى أحدهم المدعو أبيوس كلوديوس في أن يعاد انتخابه خلافا للعوائد المتبعة، وأن ينتخب الباقون من خاملي الذكر ضعاف العزائم الذين لا يقوون على معارضته، وساعده على ذلك شبان الأشراف انتقاما من الأمة على تحصلها على جملة حقوق وسعيها في الحصول على المساواة بهم، وقد جرأ أبيوس على ذلك نفس أعضاء مجلس السناتو الذين أظهروا له سرورهم من خطته ولم يراعوا واجب الدفاع عن حرية الشعب ناظرين إلى سوء العاقبة التي تعود عليهم من استبداد فرد بالسلطة إذ لا يقتصر ظلمه واستبداده على طبقة من الأمة، بل يتعدى إلى باقي الطبقات عاليها وسافلها، لكن هو الغرض يعمى عن نظر الحقيقة ويصم عن سماعها فتلحق المصيبة العموم، ولا يلتفت إلى عواقبها إلا بعد فوات الوقت، فيندم المتسببون فيها حيث لا ينفع الندم.
وبهذه المساعدات تحصل أبيوس على مرغوبه وأعيد انتخابه وانتخب رفاقه على حسب ما يحب ويهوى حتى صار هو صاحب السلطة المطلقة فعلا إن لم يكن قانونا، وصارت أرواح الأهالي وأموالهم في قبضة يده يتصرف فيها بما يمليه عليه الغرض ويلقنه إليه الطمع، ولا رادع يردعه لتوقيف جميع دواليب الحكومة ونظاماتها موقتا كما ذكر قبل.
واستمرت الحال كذلك إلى انتهاء السنة الثانية من تعيينه، ولما انتهت لم يظهر رغبته في الاستقالة لينتخب غيره كما جرت به العادة، بل ظل قابضا على أزمة الأحكام بصفة غير قانونية والأشراف مساعدون له وأعضاء مجلس السناتو غاضون الطرف عنه.
وفي هذه السنة أتمت لجنة التشريع لوحتين صار نقشهما وتعليقهما في الفورم كالعشرة ألواح السابقة، وسنأتي على ملخصها بعد.
অজানা পৃষ্ঠা
ثم أتاح الله لرومة فرصة مناسبة كادت تتخلص بها من استبداد أبيوس وزملائه لولا ضعف عزيمة بعض أعضاء السناتو وعدم ثباتهم، وذلك أن بعض قبائل السابيين والأيك تعدت حدود رومة، فاجتمع السناتو بصفة غير اعتيادية لتقرير ما يلزم لصد الأعداء، وفي الجلسة قام أحد الأشراف الغيورين على حرية وطنه واسمه فلريوس وطعن في هيئة الحكومة التي يرأسها أبيوس وأبان مخالفتها للقوانين وضرورة إبطالها وإعادة الأحكام إلى ما كانت عليه خصوصا، وقد أتمت عملها التشريعي وعلقت الاثني عشر لوحا وختم خطابه قائلا إن أولاد الذين طردوا الملوك لا يخضعون لأوامر غيرهم، فعضده بعض الأعضاء وقاومه آخرون، وبعد مناقشة طويلة تقرر بقاء الهيئة موقتا على ما هي عليه، وأن تسلم لها الجيوش لمحاربة الأعداء فخرجت الجيوش للقتال وعادت بالخيبة لعدم كفاءة قوادها وعدم ثقة الجند بهم.
وبعد ذلك بقليل ارتكب أبيوس امرأ استبداديا يدل على تجرده من الشرف والذمة وكان السبب في نفور الأمة منه، وهو أنه أحب فتاة تدعى (فرجينيا) ابنة أحد الأعيان، فأوعز إلى أحد أتباعه أن يدعيها رقيقة له فيحكم له هو بذلك ويسلمها إليه ثم يردها إليه ليقضي منها أربه، فصدع التابع بأمره ورفع دعواه إليه فحكم بملكيته لها مع قيام الأدلة واتفاق الشهود على أنها حرة النسب.
فلما رأى والدها أن لا بد من تسليمها إليه فضل أن يقتلها ويعدمها الحياة على ما يلحقها ويلحق عائلتها من العار لو سلمها إلى هذا الباغي، فعمد إلى دكان قصاب وأخذ منها سكينا طعن بها ابنته وفلذة كبده طعنة كانت القاضية، ثم حمل جثتها ودمها البريء يسيل في الطريق حتى وصل إلى الفورم، وهناك اجتمع عليه الأهالي فأظهر لهم حقيقة الحال وشرح لهم تدبير هذه المكيدة بمعرفة أبيوس، فاستفزت الغيرة الحضور وهاج الشعب ضد هذا الباغي ومعضديه وانضم إليهم الجيش وطلب الجميع بلسان واحد إسقاط هذه الهيئة وإعادة الأحكام إلى سابق مجراها، فتوقف أبيوس قليلا لمساعدة بعض أعضاء السناتو الذين كانوا يخشون إعادة سلطة نواب الأمة (التريبان)، ثم انصاع خوفا من حصول ثورة أهلية تكون عاقبتها أكثر وخامة عليهم، واستقال هو وباقي أعضاء الحكومة الموقتة في سنة 448، وعاد الموظفون الأصليون إلى مناصبهم، ولنذكر الآن بطريق الإيجاز ملخص ما دونوه من القوانين في الاثنتي عشرة لوحة، وعلى من يريد الوقوف عليها تفصيلا أن يراجع القانون الروماني .
أهم ما جاء بهذه الألواح تقسيم الأملاك إلى عمومية وخصوصية وعدم جواز امتلاك العمومية بالمدة الطويلة مطلقا، وتملك الأراضي الخصوصية بوضع اليد عليها مدة سنتين فقط بشرط أن يكون واضع اليد رومانيا لا أجنبيا، أما الأجانب فلا يمكنهم امتلاك أراضي الرومانيين بالمدة مهما طالت، ولذلك كان الأجانب يسعون دائما في التجنس بالجنسية الرومانية حتى لا ينازعوا في أملاكهم بعد سنتين، والقصد من ذلك أمران: أولهما حمل الأجانب على طلب الدخول ضمن العشيرة الرومانية، وثانيهما - وهو الأهم - عدم إهمال الملاك أراضيهم خوفا من امتلاك الغير لها، فلا تهمل الأرض بل يعتنى بزراعتها واستغلالها فتزداد العمارية وتنمو الثروة، أما المنقولات والعبيد فتملك بوضع اليد مدة سنة واحدة، وأبقت القوانين الجديدة كافة حقوق رب العائلة على زوجته وأولاده وعبيده على ما كانت عليه من الإطلاق وعدم التقييد، ولم تبطل ما كان متبعا من جعل المدين رقا لدائنيه يبيعونه ويقتسمون ثمنه أو يقتلونه ويقتسمون جثته مع ما في هذه العادة من التوحش، وأجازت قتل اللص لو فوجئ ليلا حال تلبسه بالسرقة ونهارا لو حصلت منه مقاومة عند ضبطه، أما في مسائل الجروح والضربات وإتلاف الأعضاء فقررت بمجازاة المثل؛ أي العين بالعين والسن بالسن وهكذا ما لم يرض الجاني المجني عليه بالمال، إلى غير ذلك من الجزاءات.
وأهم ما جاء فيها في صالح الشعب مما كان يسعى وراءه هي المساواة في التقاضي والمحاكمة بين جميع الأفراد سواء في ذلك الرفيع والوضيع والشريف وغيره، فأبطل التمييز في التقاضي وصار القانون واحدا يخضع الجميع أمامه، وأهم من ذلك أنها جعلت جميع الأحكام قابلة للاستئناف أمام الأمة في جمعيتها العمومية، وأنها هي دون غيرها التي تحكم بالإعدام، وأن ما يقرره الشعب يكون قانونا عموميا على جميع الأهالي، وأن شاهد الزور والقاضي الذي يحيد عن الحق ويتبع سبيل الغرض أو يقبل الهدية يلقى من مكان شاهق.
وبذلك تحصلت الأمة على المساواة في الأمور المدنية التي لا يوجد عدل أو إنصاف إلا بها، إلا أنها لم تتحصل هذه الدفعة على المساواة في تقلد المناصب، بل ظلت الوظائف منحصرة في طبقة الأشراف، فمنهم القناصل (رؤساء الجمهورية) وأعضاء السناتو والكهنة والقضاة، وكذلك بقي الزواج ممنوعا بين الأشراف وغيرهم غيرة منهم على عدم الاختلاط مع أفراد الشعب وبقاء المناصب محتكرة في طبقتهم، لكن من يتأمل فيما نالته الأمة من الحقوق تدريجيا بثباتها واتحادها يحكم لأول وهلة أن لا بد من حصولها على جميع حقوقها الطبيعية التي كان منحها لها الملك سرفيوس وسلبها إياها تركان، فإن الحقوق لا بد من الحصول عليها يوما ما مهما اشتدت المعارضات، والنصر ينتهي دائما للحق ضد القوة، ولو فازت القوة بالغلبة فإلى حين إذ الحق يعلو ولا يعلى عليه.
وبعد استقالة الحكومة الاستثنائية كما سبق شرحه توجه عضوان من السناتو محبوبان لدى الأمة وهما فلريوس وهوراسيوس إلى محل اجتماع الأمة ووعداها بإعادة انتخاب نواب الأمة العشرة مع حق استئناف جميع الأحكام أمام الأمة، وبالحصول على العفو المطلق عن جميع من اشترك في الهياج الأخير فانشرحت الأمة لهذه الوعود، لكنها احتلت قلعة الكابيتول ريثما ينفذ السناتو ما وعد به، فاستدعى السناتو الأهالي للاجتماع لانتخاب نوابهم، فاجتمعوا وتم الانتخاب على الطريقة القديمة ثم انتخب فلريوس وهوراسيوس السابق ذكرهما قنصلين وبذلك عادت الأحكام إلى سابق مجراها، ثم استصدر هذان القنصلان عدة قوانين ضامنة حرية الأهالي وعدم مساسها بسوء، أهمها أن كل من يسعى في تعيين حكام مطلقين تكون أحكامهم غير قابلة للاستئناف يجازى بالموت، وكذلك من يتعدى بالإيذاء على أحد نواب الأمة، وأن الحاكم الذي لا يجمع الأمة في آخر السنة لانتخاب نوابها يجازى بالجلد ثم يقتل، وأن جميع قرارات السناتو ينسخ منها صور يصدق عليها نواب الأمة وتحفظ بهيكل (سيريس) منعا لحصول الغش والتزوير فيها.
ولما توطدت الحرية وصار لا يخشى عليها قال فرجينوس والد فرجينيا الذي قتلها تخليصا لها من الوقوع في أيدي من لا يصون عرضها ويحافظ على شرفها، واتهم أبيوس رئيس الحكومة الاستثنائية الملغاة أمام الأمة بتحريض المدعي بملكيتها والتحيز له في الحكم قضاء لغرضه، فسجن أبيوس انتظارا للحكم على ما اقترفه، ولتحققه بما سيحكم به عليه قتل نفسه في السجن فرارا من العدالة، وكذلك أحد رفاقه العشرة، أما الباقون الذين ساعدوا أبيوس على استبداده فخرجوا من المدينة خوفا من المحاكمة وصودروا في أملاكهم.
وفي أثناء ذلك حارب هوراسيوس قبائل السابيين وانتصر عليهم نصرا مبينا أوقع الرعب في قلوبهم حتى لم يقدموا على محاربة الرومانيين مرة أخرى مدة مائة وخمسين سنة، ولما عاد منصورا لم يقبل السناتو أن يعمل له موكب حسب المعتاد انتقاما منه لمساعدة الأهالي في طلباتهم ضد الأشراف، فقررت الأمة ذلك في جمعيتها العمومية خلافا للعادة واحتفل به احتفالا شائقا، واعتبر هذا القرار قاعدة تتبع في المستقبل، وكان هذا الأمر قبل ذلك من حقوق السناتو ليس إلا.
وفي هذه السنة تعدت الأمة على أهم اختصاصات هذا المجلس وهو الإقرار على الحرب الذي كان له دون خلافه حتى في عهد الملوك، وبهذه الطريقة زادت حقوق الأمة كثيرا عن ذي قبل، وكانت كلما تحصلت على حق أو امتياز تنساق بحب التقدم والارتقاء إلى طلب غيره، وتثبت في المطالبة بالطرق السلمية تارة، وبالهياج والثورة أخرى حتى صارت هي صاحبة القول الفصل والسلطة الحقيقية في الحكومة كما يجب أن يكون الأمر في كل حكومة جمهورية.
অজানা পৃষ্ঠা