وَظهر فِي الْمَدِينَة فَأجرى من ذَلِك النَّهر السواقي فِي السكَك والشوارع وَأمر بحافتي النَّهر والسواقي فطليت بِالذَّهَب الْأَحْمَر وَجعل حصباه أَنْوَاع الْجَوَاهِر الْأَحْمَر والأخضر والأصفر وَنصب على حافتي السواقي وَالنّهر أشجارًا من الذَّهَب وَجعل ثمارها من اليواقيت والجواهر وَجعل طول الْمَدِينَة اثْنَي عشر فرسخًا وعرضها مثل ذَلِك وصير سورها عَالِيا مشرفًا وَبنى فِيهَا ثَلَاثمِائَة قصر مفصصًا بواطنها وظواهرها بأصناف الْجَوَاهِر
ثمَّ بنى لنَفسِهِ على ذَلِك النَّهر قصرًا منيفًا عَالِيا يشرف على تِلْكَ الْقُصُور كلهَا وَجعل ماءها يشرع إِلَى وَاد رَجَب وَنصب عَلَيْهِ مصراعين من ذهب مفصص بأنواع الْجَوَاهِر واليواقيت وَجعل ارْتِفَاع الْبيُوت والسور ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَجعل تُرَاب الْمَدِينَة من الْمسك والزعفران وَجعل خَارج الْمَدِينَة مائَة مائَة ألف قنطرة أَيْضا رصعت بِالذَّهَب وَالْفِضَّة لينزلها جُنُوده وَمكث فِي بنائها خَمْسمِائَة عَام فَبعث الله تَعَالَى هودًا ﵊ فَدَعَاهُ إِلَى الله تَعَالَى فتمادى فِي الْكفْر والطغيان وَكَانَ إِذْ ذَاك تمّ على ملكه سَبْعمِائة سنة فانذره هود بِعَذَاب الله تَعَالَى وخوفه بِزَوَال ملكه فَلم يرتدع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَعند ذَلِك وافاه الموكلون بِبِنَاء الْمَدِينَة وَأَخْبرُوهُ بالفراغ مِنْهَا فعزم على الْخُرُوج اليها فِي جُنُوده وَخرج فِي ثَلَاثمِائَة ألف رجل من أهل بَيته وَخلف على ملكه مرْثَد بن شَدَّاد ابْنه وَكَانَ مرْثَد فِيمَا يُقَال مُؤمنا بهود ﵊ فَلَمَّا انْتهى شَدَّاد إِلَى قرب الْمَدِينَة بمرحلة جَاءَت صَيْحَة من السَّمَاء مَاتَ هُوَ وَأَصْحَابه وَجَمِيع من كَانَ فِي أَمر الْمَدِينَة من القهارمة والصناع والفعلة وَبقيت لَا أنيس بهَا فأخفاها الله تَعَالَى لم يدخلهَا بعد ذَلِك إِلَّا رجل وَاحِد أَيَّام مُعَاوِيَة ﵁ يُقَال لَهُ عبد الله بن قدامَة فَإِنَّهُ ذكر فِي قصَّة طَوِيلَة تلخيصها
أَنه خرج من صنعاء فِي طلب ابل ضلت فأفضى بِهِ السّير إِلَى مَدِينَة صفتهَا مَا ذَكرْنَاهُ فَأخذ مِنْهَا شَيْئا من الْمسك والكافور وشيئًا من الْيَاقُوت وَقصد الشَّام وَأخْبر مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ وَعرض عَلَيْهِ مَا أَخذه من الْجَوَاهِر وَكَانَت قد تَغَيَّرت بطول الزَّمَان فَاحْضُرْ مُعَاوِيَة كَعْب الْأَخْبَار وَسَأَلَهُ من ذَلِك فَقَالَ هَذَا ارْمِ ذَات الْعِمَاد الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز بناها شَدَّاد بن عَاد لَا سَبِيل إِلَى دُخُولهَا وَلَا يدخلهَا إِلَّا رجل وَاحِد
1 / 71