التّرْك البهية بَقِيَّة الْمُلُوك الْعِظَام وخاتمة النظام ولد تَقْرِيبًا سنة بضع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَقدم مَعَ تاجره مُحَمَّد بن رستم فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَاشْتَرَاهُ الاشرف برسباي ثمَّ صَار إِلَى الْملك الظَّاهِر فَأعْتقهُ وَلم يزل عِنْده يترقى من مرتبَة إِلَى أَن صَار الْملك وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى قد اشار إِلَى ملكه قبل أَن يفضى إِلَيْهِ الْملك بِزَمَان فَقَالَ لَهُ فِي وَاقعَة قُم أَنْت أَيهَا الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَحكي مثل ذَلِك عَن آخر بل أرسل إِلَيْهِ مَعَ بعض خاصته بالبشارة بذلك فخشي صَاحب التَّرْجَمَة أَن يَنَالهُ بِسوء من الْمُتَوَلِي إِذْ ذَاك بِسَبَب هَذَا الإبعاد واستبعد وُقُوع هَذَا الْأَمر غَايَة الاستبعاد
ورأي بَعضهم كَأَن شَجَرَة رمان لَيْسَ بهَا سوى حَبَّة وَاحِدَة وَأَن صَاحب التَّرْجَمَة بَادر قطعهَا فتأوله الرَّأْي بِأَخْذِهِ للْملك وأعلمه بذلك فَأمره باخفاء هَذَا الْمَنَام لذَلِك أَيْضا وَلما أستقر فِي المملكة أَخذ فِي الْحل وَالْعقد والعزل والعهد وَلم يكن فِي زَمَنه مُنَازع وَلَا مدافع وطالت أَيَّام دولته السعيدة وَسَار فِي النَّاس السِّيرَة الحميدة وأجتهد فِي بِنَاء المشاعر الْعِظَام بِحَيْثُ وَقع لَهُ من ذَلِك مَا لم يتَّفق لغيره من مُلُوك الْإِسْلَام كعمارة مَسْجِد الْخيف بمنى وحفر بنمره صهريجًا ذرعه عشرُون ذِرَاعا وَعمر بركَة خليص وأجرى الْعين الطّيبَة إِلَيْهَا بل أصلح الْمَسْجِد الَّذِي هُنَاكَ بِحَيْثُ عَم الأنتفاع بكله للقاطن والسالك وَعمر عين عَرَفَة بعد أنقطاعها ازيد من قرن وَعمر سِقَايَة سيدنَا الْعَبَّاس وَأصْلح بِئْر زَمْزَم وَالْمقَام وجهز فِي سنة تسع وَسبعين لِلْمَسْجِدِ منبرا عَظِيما وَنَصه فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ يُرْسل للكعبة الشَّرِيفَة بكسوة فائقة جدا فِي كل سنة وَأَنْشَأَ بِجَانِب الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب السَّلَام مدرسة عَظِيمَة بهَا صوفية وتدريس وفقرا وخزانة للربعات وَكتب الْعلم وبجانبها رِبَاط للْفُقَرَاء والطلبة وَمَعَ أجراء الْقُوت لَهُم فِي كل يَوْم وسبيل عَظِيم للخاص وَالْعَام ومكتب للأيتام وَكَذَا أنشأ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة مدرسة بديعة بهية بل بنى الْمَسْجِد الشريف بعد الْحَرِيق وجدد الْمِنْبَر والحجرة والمصلى النَّبَوِيّ إِلَى غَيرهَا من الْمِحْرَاب العثماني والمنارة الرئيسية بداء على عود بل رتب لأهل السّنة من أَهلهَا والقادمين عَلَيْهَا من كَبِير وصغير وغني وفقير
1 / 16