তারিখ মিসর হাদিথ
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
জনগুলি
فلما بلغ الموفق ذلك أوعز إلى أخيه المعتمد أن يخلع ابن طولون، وما انفك حتى أجابه إلى طلبه فجاهر على المنابر بعبارة ونصها: «اللهم العنه لعنا يفل حده، ويتعس جده، واجعله مثلا للغابرين إنك لا تصلح عمل المفسدين» فصرح ابن طولون بلعن الموفق في جميع بلاده، وأرسل جيشا للاستيلاء على مكة فأنفذ حاكمها هارون إلى الموفق الخبر، فأرسل إليه مددا تحت قيادة جعفر، فحاربوا المصريين في مكة فغلبوهم بعد أن قتلوا مائتي رجل منهم وأسروا قائدهم، فنودي بلعن ابن طولون في مسجد مكة.
إلا أن هذا جميعه لم يكن ليثني ابن طولون عن عزمه في أعماله الأخرى؛ فإنه سار إلى سليسيا لإخماد الثورة ومقاصة المعتدين فمر في طريقه بدمشق، وبنى قبة فوق مدفن الخليفة معاوية كان قد هدمها العباسيون، وزينها بالقناديل، وأقام فيها من يتلو القرآن، ثم قدم أطنة لمقاصة بزمار حاكمها لامتناعه عن مبايعته، وكان بزمار قد قبض على رسل ابن طولون فشق ذلك على ابن طولون فأسرع إلى قتاله بفرقة من الجند، فحول بزمار نهر سدنس على جيش ابن طولون وكانوا في منتصف الشتاء ففاضت مياهه، وساعدها البرد القارس؛ فأهلكا معظم الجند، فاضطر أحمد إلى رفع الحصار، وتأجيل الانتقام. فانتقل لنجدة جهات أخرى كان يهددها الروم، فسار بفرقة من رجاله إلى باياس فأنطاكية حيث كان ينتظره القضاء المبرم، وذلك أنه شرب فيها مقدارا كبيرا من لبن الجاموس فأضر في صحته فأنذره الطبيب الذي كان معه، واسمه سعيد بن ثيوفيل فأهمل إنذاره، وتغافل عن الاحتماء الصارم، فاشتد مرضه كثيرا، فأسرع إلى مصر محمولا على الأذرع في محفة لكن الضعف لم يسمح له بالاستمرار على هذه الكيفية فنزل عند الفرما، ثم حمل إلى الفسطاط في النيل فبلغها في آخر السنة وهو في حالة خطرة. فنادى إليه الأطباء وهددهم بالقتل إذا لم يبذلوا الجهد في شفائه.
فحدث في مصر من القلاقل ما شغل ابن طولون عن الاهتمام بصحته، وذلك أن أحد العلويين - واسمه أحمد بن عبد الله - لما بلغه حال أحمد بن طولون من المرض شق عصا الطاعة، فانضمت إليه فرقة من رجال الصعيد فأنفذ إليها أحمد فرقة من رجاله ففرقتها، وعادت برأس قائدها، وعاد معها الأمن، واستتبت الراحة. (1-8) المصالحة
أما الموفق فبعد أن حارب الزنج طويلا فاز بهم، لكنه مل الحرب، ومال إلى السكينة، وكانت شعائره العدوانية نحو ابن طولون أخذت على طول الزمن في الخمود، فرغب في حقن الدماء وإقامة الحدود، ولم تكن رغبة ابن طولون في المصالحة أقل من رغبة الموفق، والظاهر أن المرض أضعف منه حاسة الانتقام فمال إلى صرف القلاقل، وكان الموفق أشد رغبة في صرفها، فعهد إلى سعيد بن مخلد وجماعة من ذويه أن يكتبوا إلى ابن طولون كتابة يوهمونه أنها منهم بغير علم الموفق يبينون له أن ما حصل إنما كان من عواقب التسرع في الحكم، وأن يتفقوا معه على المصالحة ففعلوا كما أمرهم. فلما اطلع ابن طولون على هذه الكتب علم أنها من تدبير الموفق. على أن ذلك لم يمنع قبوله بالمصالحة فوافقه على نسيان ما مضى من سوء التفاهم، ووعده بإعادة الصلات الودية على أن يصرح الموفق جهارا بتنازله عن شعائر الحقد أو الانتقام. فعلم الموفق من مطالعة الكتاب أن ابن طولون كشف ضميره فأجابه أنه آسف على ما فرط منه، وعامل على استئصال جراثيم الحقد، وأنه يرغب إلى صديقه الجديد أن يقبل تلك المصالحة فقبل.
أما المعتمد فسر جدا لما دار بينهما، وكتب بخط يده إلى ابن طولون يحمد سعيه، ويطلب إليه أن يبقى مسالما لأخيه الموفق، وأخبره أنه قد أبطل لعنه. فلم تبلغ مصر رسالته إلا بعد وفاة ابن طولون؛ لأن صحته كانت تتأخر يوما فيوما، والألم المعدي المتسبب عن إفراطه من أكل لبن الجاموس يشتد عليه مصحوبا بحمى شديدة وضعف عام، ثم رافق ذلك زرب ذهب بما بقي من قواه.
فلما أحس أحمد بدنو الأجل استغاث بصلوات شعبه على اختلاف معتقداتهم. فصعد المسلمون بقرآنهم والمسيحيون بأناجيلهم واليهود بتوراتهم إلى المقطم فأقاموا فروض الدعاء إلى الله أن يشفي ملكهم، وكان في جملة من حضر الاحتفال الفقهاء وطلاب العلم، وكانت جوامع المدينة غاصة بالجماهير يقرءون القرآن، والحسنات تفرق في الفقراء بسخاء، فانتفع الناس في موته كما انتفعوا في حياته، ولما تأكد قرب الساعة صلى قائلا: «اللهم ارحم عبدك، وعلمه قدر نفسه؛ لأنه لم يعرف لها قدرا، وأنصفه برحمتك.» وأخذ بعد ذلك يكرر الشهاة إلى أن قضى، وقبل وفاته بقليل أخرج بكارا من السجن لكنه لم يلبث بعد وفاة ابن طولون إلا أياما حتى توفي ودفن في الفسطاط، ولا يزال مقامه معروفا.
وكانت وفاة أحمد بن طولون يوم الأحد العاشر من شهر ذي القعدة سنة 270ه (الموافق 11 مايو سنة 884م) ودفن عند سفح المقطم على طريق المتوجه إلى القرافة الصغرى.
ولما بلغ المعتمد وفاة ابن طولون حزن حزنا شديدا، ورثاه بقصيدة تدل على أن المعتمد كان شاعرا أكثر من كونه حاكما، وحكم ابن طولون 18 سنة كلها حروب وظفر، ومن تأمل سيرة حياته يجد فخره إنما كان بكثرة المصاعب، وهي التي كانت تثير فيه الهمة، وتحمله على توسيع نطاق مملكته، وقد خلف ثروة قدرها عشرة ملايين دينار، وعددا كبيرا من الأسلحة والأمتعة، و7 آلاف مملوك تحت السلاح و24 ألف مملوك بغير سلاح، وكثيرا من الخيل والبغال والجمال وحيوانات أخرى، ويقال: إن غلة مصر بلغت في أيامه مائة مليون دينار سنويا، وقال آخرون: إنها لم تبلغ عشر هذا القدر وهو الأرجح، وكان شجاعا هماما حليما شفوقا. (1-9) مناقبه
ومن أمثال شفقته: أنه ركب في غداة باردة إلى المقس في ضواحي الفسطاط فأصاب بشاطئ النيل صيادا عليه ثوب خلق لا يواريه منه شيء، ومعه صبي في مثل حاله، وقد ألقى شبكته في البحر. فلما رآه رق لحاله وقال: «نسيم ادفع إلى هذا عشرين دينارا.» فدفعها إليه ولحق ابن طولون. فسار ولم يبعد ورجع فوجد الصياد ميتا والصبي يبكي ويصيح، فظن ابن طولون أن بعض سودانه قتله وأخذ الدنانير منه، فوقف بنفسه عليه وسأل الصبي عن أبيه فقال له هذا الغلام (وأشار إلى نسيم الخادم) دفع إلى أبي شيئا فلم يزل يقلبه حتى وقع ميتا. فقال: فتشه يا نسيم. فنزل وفتشه فوجد الدنانير معه بحالها، فحرض الصبي أن يأخذها فأبى، وقال: هذه قتلت أبي وإن أخذتها قتلتني. فأحضر ابن طولون قاضي المقس وشيوخه، وأمرهم أن يشتروا للصبي دارا بخمسمائة دينار تكون غلة، وأن تحبس عليه، وكتب اسمه في أصحاب الجرايات، وقال : أنا قتلت أباه؛ لأن الغنى يحتاج إلى تدريج وإلا قتل صاحبه. هذا كان يجب أن يدفع إليه دينار بعد دينار حتى تأتيه هذه الجملة على تفرقة فلا تكثر في عينه.
وأحمد بن طولون أول من جلس في مصر للنظر في المظالم فكان يجلس لذلك يومين في كل أسبوع في محل يقتبل فيه التظلمات، وينصف أصحابها، وكان تقيا يحترم الشعائر الدينية كثيرا، فكان له في قصره حجرة جعل فيها رجالا سماهم المكبرين يبيت منهم في كل ليلة أربعة يتناوبون الليل نوبا؛ يكبرون، ويسبحون، ويحمدون، ويهللون، ويقرءون القرآن تجويدا بالألحان، ويتوسلون بقصائد زهدية، ويؤذنون أوقات الأذان.
অজানা পৃষ্ঠা