ذكر وفاة الأمير محمد صاحب تونس
في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة ، انتقل إلى الله تعالى الأمير محمد بن ابي زكريا يحيى بن الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاتي ، صاحب تونس بها . وكان سبب موته آنه خرج إلى الصيد، وحصل له من كثرة الحركة انزعاج ، فتغلث مزاجه ، وزاد به [ الألم] ، فعاد إلى المدينة وهو ضعيف ، فبقي على ذلك مدة إلى أن توفي وله من العمر اثنتان وخمسون سنة تحمينا لا يقينا - تغمده الله برحمته ، وبواه غرف جنته - .
ذكر لمع من سيرته وما اتفق له
كان - رحمه الله - كريما جدأ ، كثير العطاء يستقل ما يعطيه ، ويعجبه فعل المعروف وينافس فيه . وكان - رحمه الله - كثير الإستهتار ، مغرى بالعمايروالجوار[ي] منهمكأ في اللذات ، يزف عليه في كل ليلة جارية ، وكان ولي عهد والده في حياته ، فلما توفي والده في سنة سبع واربعين ، ببلد العناب بمدينة يقال لها بونا وكان صحبته ، ترك والله على حاله ، والناس مهتمون بجنازته ، وركب بغلا يسمىالجيش ، ودخل به تونس في خمسة آيام ، والمسافة عشرون يوما ، ومات ذلك البغل ي تلك السفرة . وكان الباعث له على حمل هذه المشقة خوفه من عميه أن يسبقاه فإنه كان له عمان ، أحدهما مجدور الوجه يدعى بأبي إبراهيم ، والآخر رجلا صالحا (يدعى ابو عبد الله محمد) ، كث اللحية يعرف باللحياني ، فخاف منهما . ولما وصل إلى تونس وجد الخبر قد سبقه ، والنواح في القصر ، فأبطله ، وامر بضرب البشاير وقال : " افرحوا بي ففي خلف عن الماضي" . وسير علجا ، أي مملوكا من علوجه يقال له هلال ، ويكنى أبا القمر ، إلى مدينة بونا ، يستدعي من بها من العسكر ، وأمره أن يسوق عمه أبو عبد الله اللحياني في مقدمة الجيش ، وعمه أبو إبراهيم في ساقته . فتوجه العلج إلى أن وصل المكان ، وذكر لعميه ما ذكر له ، فعملوا عشرين يوما إلى أن وصلوا إلى مكان يعرف برأس السبخة ، على يوم من تونس ، فتقدم لهم مرسومه بأن يترجل العسكر بأسره ، خلا عميه ، ليكشف بذلك الطايع منهم من العاصي فكشف منهم في ذلك اليوم خمسين مزورا أي مقدما طايعين ، وسبعين مزورا مخامرين . لما دخلوا تونس مد هم سماطا وهو أول سماط أمد للجيش والرعية والفلاحين ، فدخل الخلق طايفة بعد طايفة ، والكوسات تضرب ، والخلع تفرق ، والإنعام يشمل البعيد والقريب . واستقل على هذا المنهج سنة ونصفا ، وهو مع ذلك خايف من عميه وثلاث رجال آخرين مشتدين إلى عمومته ، يقال لأحدهم ابن الريمان والآخر أبو إسحاق بن يوجان والآخر إبراهيم بن تميم بن إسحاق . فكان في مدة تلك السنة ونصف يجتمع كل ليلة بهؤلاء الخمس المذكورين ، وينعم عليهم لكل واحد منهم بألف دينار ومركوبا وسيوفا ومماليك ، ويضبط ذلك أولا فأولا . فلما كان بعد السنة ونصف ، حصل لأبي إبراهيم ، أحد عميه ، تغير في خاطره وغيظ كونه رأى غيره في منزلته ، ورأى أعلاج ابن أخيه ، الذي هو السلطان يومئذ ، على رؤوسهم قياما بأسلحتهم من غير عادة تقدمت في البلاد . فقال أبو إبراهيم لأخيه اللحياني والثلاثة الذين معهما : " إن هذه حيلة علينا لنقتل في وسط [ المكان] " . ثم أخذوا منه دستورا بالركوب للنزهة ، فأذن لهم ، ثم ركب متخفيا يسارقهم النظر من ورائهم ا الى أن دخلوا بستانا يقال له الحريرية ، فدخل الأخوين . وتحيل الأمير محمد إلى ان دخل بحيث لم يشعروا [ به] ، وطلع إلى شجرة خروب مطلة على المكان الذي جلسا فيه . فلما أن دخلا تعانقا وتباوسا ، وقال أبو إبراهيم : "إما أن تأخذها أو آخذها" . فقال اللحياني : " إني قد أزوجته ابني ، وحلفت له سرا من خلفك" . وإذا بالثلاتة قد دخلوا عليهما ، وقالوا : "الملكعقيم ما فيه نسب تولى !" . فقال : "أخاف منكم" . فحلف الثلاثة للحياني ، والملك محمد مشاهدهم من الشجرة . وخرجوا من البستان على اتفاق منهم الى دار اللحياني ، وهي بمعان يسمى باب القصر ، فسيروا النقباء في الوقت ، وجمعوا العساكر ، ولم يكن عندهم كوسات ، فعملوا عوضها طاسات ، واستحلفوا الجماعة خفية .
পৃষ্ঠা ১৮৮