وسنة 1898 أسس شركة الدائرة السنية التي اشترت أراضي الدائرة السنية كلها، وفي السنة عينها أسس شركة البنك الأهلي الذي تفرع عنه البنك الزراعي سنة 1902.
فظاهر مما تقدم أن تاريخ حياة هذا الرجل العالي الهمة كانت سلسلة أعمال عظيمة ومشروعات كبيرة تنوء تحتها الهمم والعزائم وتقل في جنبها الحيل والوسائل، ولكن همته كانت قوية وعزيمته شديدة ومداركه عالية، فاستطاع أن يتغلب على الصعوبات الكبيرة والموانع الكثيرة التي لا بد من وقوعها في كل عمل عظيم مثل أعماله العديدة، التي يشتغل بها ألوف من الناس على اختلاف مللهم ونحلهم في سائر أنحاء القطر المصري وفي السودان أيضا، وكان التوفيق مرافقا له في كل أعماله ومشروعاته وشركاته الكثيرة التي كان يديرها بعقله الراجح ومداركه السامية وذكائه المفرط؛ حتى نجحت نجاحا عظيما وجاءت بأرباح طائلة على القطر المصري وأهله، فغيرت حالة التجارة وحسنت المعاملات وسهلت المواصلات، وخففت المشقات عن التاجر والصانع والزارع على السواء.
ومما يطيب ذكره في هذا المقام أن معنى كلمة فيلكس بالعربية «سعد»، وهكذا خدم السعد صاحبها فوافق الاسم المسمى في كل أعماله وأفعاله.
أما مآثره ومبراته الخيرية، فمما يضيق المقام عن تعدادها، بل يقتضي لها مجلد ضخم، فمنها مساعدته لمستشفى الكلب بمصر وغيره وهو رئيس الشركة الخيرية الإيطالية وغيرها، وله مآثر غراء وأياد بيضاء على المدارس الخيرية الإسرائيلية وغيرها، ويكسو الفقراء كل سنة ويوزع عليهم الهبات، ما عدا الرواتب الشهرية التي يتبرع بها لعدد كبير من البيوت التي أخنى الدهر على أصحابها لينفقوها على معيشتهم ويصلحوا بها من شئونهم، فحسنت أحوالهم وطاب عيشهم ورتعوا في نعيم وهناء، كل ذلك بلا تمييز بين طوائفهم ومللهم.
قال لي مرة: إن كل مشروعاتي التي باشرتها كان الخير والربح منها ظاهرين أمامي للقطر المصري عموما، سواء كان في التجارة أو الصناعة أو الزراعة ومنها سكة حديد حلوان أنشأتها مع زملائي لخير مصر وحلوان وسكانهما ولاعتقادي أن هواء حلوان صحي وأن سكة الحديد تفيد الجميع، وتأتي بالغاية التي أرومها لمن يقصدها من السكان والسياح وغيرهم.
وتأخرت مرة في إحدى ليالي الشتاء الباردة في مصر، ثم أتيت محطة حلوان بعد نصف الليل قاصدا منزلي، فرأيت الخواجه فيلكس سوارس واقفا ينتظر القطار الآتي من حلوان ليطمئن باله عن صحة ركابه، فقلت له: يا خواجه سوارس، إن مصر في احتياج إليك وإلى مشروعاتك العظمى ومجيئك في مثل هذا الوقت قد يضر بصحتك، فأجابني إني جعلت صحتي وحياتي وقفا لراحة الجمهور، ولما جاء القطار ودعته وسافرت إلى حلوان وأنا أتعجب من عالي همته وشدة انتباهه ويقظته.
وكنت مرة أذكر له شيئا عن محفل بدر حلوان الماسوني ومشروعاته الخيرية الجزئية التي يباشرها، فاستأذنته في سفر بعض موظفيه ذهابا وإيابا بين مصر وحلوان فتبسم، وقال: يا صديقي العزيز، ما دامت وجهتك إلى الخير فهذه سكة حديد حلوان، وهذا قلبي وعواطفي وهذه بنوكي، وأنا مستعد لمساعدتك في كل ما تراه صالحا ومفيدا لبني الإنسان، فقلت له: إننا لا نريد إلا أن يطيل الله في عمرك لتعم مشروعاتك وأعمالك العظيمة وينتفع بها الجميع.
أما أوصافه، فطويل القامة قد وخطه الشيب، مهيب في رؤيته، لطيف في محادثته، بشوش في مقابلته، نحيف في جسمه، مؤثر في كلامه، شفوق في عواطفه، مندفع في مبراته، بخيل في سيئاته، مسرع في حسناته، جبان في الغضب، حليم في الشدة، شجاع في الخطوب، سريع النسيان في الذنوب، وهو كثير الافتكار عظيم الابتكار، قلما يمضي عليه وقت ولا يفتكر فيه في عمل عظيم، واسع الرواية، طلق المحيا، متواضع عن غير ضعف، ولم تكن ملذات العالم والغنى والجاه والسعد إلا لتزيده دعة ورقة وسماحة، فهو عظيم غني عالم فقير ناسك.
أما نظره إلى الأمور فحاد، ونظر العالم إليه فبالاحترام والوقار، وقد أنعمت عليه الدول العظمى بنياشين الشرف والافتخار، ولم تكن هذه أيضا إلا لتزيده تواضعا وحبا بفعل الخير، وكل الذين عاشروه وامتزجوا معه يشهدون برقة شعوره الشريف ومشاركتهم في عواطفهم، فهو يسر لسرورهم، ويحزن لحزنهم، والذين اشتغلوا معه سواء كانوا كبارا أو صغارا يشهدون أنه يضحي كل نفيس في سبيل سرورهم ولا يميز نفسه عنهم، وقلما رأوه يغضب أحدا أو يهين أحدا، أو يتعمد أذية إنسان، وكل مشكلة أو قضية أو خصام يحسمها بالمحبة والسلام كما هو مشهور عنه، أطال الله أيام حياته وأدامه عضدا للخير والإنسانية.
الفصل الأول
অজানা পৃষ্ঠা