وزادت شهرة روتشلد بعد ذلك فصار يسلف الأمراء والأشراف في أوروبا، ويقدم لوازم جيش نابوليون، وعقد قرضا كبيرا لحكومة الدانيمرك بمبلغ عشرة ملايين سالير (السالير أربعة فرنكات)، وعقد سلف كثيرة أخرى لحكومة روسيا وهولاندا وإنكلترا، واستعانت به هذه الأخيرة على إرسال النقود إلى البلاد الأوروبية نفقة للجنود ودفع الرواتب التي كانت خصتها بملوك أوروبا ليقاوموا معها نابوليون، ولم يستطع أحد من الماليين مجاراته ولم يلب طلب إنكلترا غيره، ويقال: إنه ربح ما ينيف على مليون جنيه بإرسال المال إلى الجنود الإنكليزية وأنصارها في إسبانيا في أقل من ثماني سنوات، وكان روتشلد على جانب عظيم من الفطنة والنباهة لا يشترك في دين إلا إذا أنعم النظر فيه، وتأكد من عواقبه السليمة وأرباحه الكثيرة، وبهذه الطريقة جمع أمواله الطائلة وخلف لبنيه من بعده مركزا ماليا يحسدهم عليه سائر العالم، وقلما حصل عليه أحد من قبلهم أو بعدهم.
وكان ماير روتشلد حسن السيرة دمث الأخلاق فعالا للخيرات مساعدا لأبناء جنسه، ولم يمنعه مقامه وثروته من المداومة على المعيشة البسيطة المنفردة، ولم يغير منزله الأصلي الذي كان يسكن فيه وهو متوسط الحال، وقد توفي فيه وبقيت امرأته فيه حتى استأثرت بها رحمة ربها.
وقبل وفاته جمع حوله أولاده الخمسة وهم أنسيلم وسلمون وناثان وشارل وجامس، فباركهم وأوصاهم أن يتمسكوا بدينهم وشريعتهم ويعيشوا بالوفاق والاتحاد والمحبة الأخوية ولا يعملوا عملا بغير أن يتشاوروا فيه كلهم، وقد تبع أولاده نصيحته فكانوا لا يبرمون أمرا عظيما ما لم يجتمعوا ويتشاوروا ويقلبوا الأمر ظهرا لبطن، وهذا سر نجاحهم، وقد اتفقوا وتشاركوا في تأسيس بيوتات مالية في أعظم مدن أوروبا واستلم كل واحد منهم إدارة بيت منها، فبقي أنسيلم أكبرهم في فرانكفورت، وذهب سلمون إلى فينا، وناثان إلى إنكلترا، وشارل إلى نابل، وجامس إلى باريس، فأدار كل منهم القسم الذي خص به واعتمد على إخوته في الأشغال العمومية الكبيرة؛ لتكون مشتركة بينهم وصار كل منهم بمقام الخمسة؛ لأن كل واحد كان يعلم إخوته بما يقف عليه من الأخبار ويعينه ويستعين به في الأعمال، وبذلك أثبتوا المثل القائل الاتحاد قوة، وقد خدمتهم حوادث سنة 1813 و1814، ومنها اتسعت ثروتهم وزاد نفوذهم، وكانوا يرضون بالربح القليل ويعاملون الجميع بالصدق والاستقامة، وامتدت أعمالهم حتى غمرت جميع ممالك أوروبا، وعمت التجارة والصناعة والزراعة وصار بيت روتشلد إخوان محور المشروعات الكبيرة وعليه مدار الأعمال المالية.
وقد شرف إمبراطور النمسا عائلة روتشلد ومنح أفرادها وسلالتهم لقب بارون، وعينهم قناصل ووكلاء لدولته في المدن التي كانوا يسكنونها، وأشاع بعضهم أن إخوان روتشلد عازمون على إعادة بناء هيكل سليمان على نفقتهم.
هذا وشهرة بيت روتشلد غنية عن البيان لا تحتاج إلى برهان، ولهم مآثر كثيرة شملت أبناء أمتهم والبلدان التي استوطنوها، ولنسائهم الأيادي البيضاء في المدارس والمستشفيات العديدة وعمل المبرات، وسيبقى اسم هذا البيت عظيما ما دامت الحضارة ناشرة لواءها على العالم.
البارون أنسيلم مايردي روتشلد
هو أكبر أولاد ماير روتشلد، ولد في فرانكفورت سنة 1773 وتولى إدارة المحل فيها بعد وفاة أبيه، وعين رئيسا لبيوت روتشلد إخوان فبذل جهده في نجاحها وتقدمها وإحرازها ثقة المتعاملين معها، وقد انتخب سنة 1813 لرئاسة غرفة التجارة البروسية، وعين سنة 1820 قنصلا لبفاريا، وتوفي سنة 1855 ولم يترك أولادا، فخلفه في إدارة المحل أولاد أخته كارل وولهلم كارل، ولد الأول في 5 أغسطس سنة 1820، وتوفي سنة 1886 في 16 أغسطس، وعين عضوا في غرفة الأمراء في بروسيا وتزوج لويزا ابنة البارون ناثان مؤسس محل لوندرا، وقد خلف ست بنات: أديل وأما ولويزا تريز وآن لويز وكليمنتين وبرتا برنيس دي وجرام.
البارون سلمون دي روتشلد
هو ثاني أولاد ماير روتشلد، ولد في فرانكفورت سنة 1774، 1855، وهو الذي أسس محل روتشلد إخوان في فينا، وشارك أخاه أنسيلم في الأعمال المالية الكبيرة في ألمانيا، واشتهر بالجود والإحسان والتبرعات الخيرية، ولما كبر ابنه أنسيلم سلم إدارة المحل إليه وذهب إلى باريس واشتغل مع أخيه جامس في إدارة المحل هناك، وكان أنسيلم من أمهر أهل زمانه في الأعمال المالية، وقد عين عضوا في مجلس نواب النمسا، وتوفي سنة 1874 تاركا ثلاثة أولاد: ناثانيل وفردينان وألبير، وهذا الأخير خلف أباه في إدارة محل فينا.
البارون ناثان دي روتشلد
অজানা পৃষ্ঠা