ومن علماء عصر الفاتح المولى شمس الدين أحمد بن موسى الشهير ب«الخيالي وكان عالما عاملا ورعا، ولما توفي تاج الدين الخطيب مدرس أزنيق طلب السلطان محمد الفاتح مدرسا مكانه فعرض الوزير محمود باشا اسم الخيالي فقال له السلطان: أليس هو الذي كتب الحواشي على شرح العقائد وذكر فيها اسمك؟ قال الوزير: نعم هو ذلك. قال السلطان: إنه مستحق لهذا المنصب. وأعطاه المدرسة المذكورة وعين له كل يوم مئة وثلاثين درهما، ومات وهو مدرس فيها وعمره ثلاث وثلاثون سنة. وكان كثير العبادة، حكى من لازمه أنه لم يره فرح ولا ضحك، وكان دائم الصمت لا يتكلم إلا عند مباحث العلوم.
ومنهم المولى مصلح الدين مصطفى القسطلاني، كان مدرسا في مدرسة «ديموطقة» في الرومللي، ثم لما بنى الفاتح المدارس في القسطنطينية أعطاه واحدة منها، وصار قاضيا بالعسكر المنصور، فخافه محمد باشا القراماني لأن القسطلاني كان قويا لا يداري أحدا، فقال الوزير للسلطان: الأولى أن يكون للعسكر قاضيان، أحدهما القسطلاني يكون قاضيا لعسكر الرومللي، والآخر يكون قاضيا لعسكر الأناضول، وفي تلك المدة مات السلطان الفاتح وجلس السلطان بايزيد، فعزل القسطلاني عن قضاء العسكر، وكان له تصانيف عالية الدرجة ولم يتفرغ لأكثر منها لكثرة اشتغاله بالدرس والقضاء، وتوفي سنة إحدى وتسع مئة ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري.
ومنهم المولى محيي الدين محمد بن الخطيب كان مدرسا بإحدى المدارس الثمان بالقسطنطينية، وادعى مرة أنه يقدر على مباحثة خواجه زاده، فقال له السلطان الفاتح: أأنت تقدر على البحث معه؟ قال: نعم لا سيما أن لي مرتبة عند السلطان. فعزله السلطان محمد لهذا الكلام وكان طليق اللسان جريء الجنان، وقهر كثيرا من علماء زمانه، ويروى عنه أنه ذهب ومعه جماعة من العلماء إلى السلطان بايزيد فقبل العلماء يد السلطان، وأما ابن الخطيب فلم يقبل يده ولا انحنى له، فلما خرجوا من حضرة السلطان قالوا له: كان الأليق أن تنحني له وتقبل يده! قال: أنتم لا تعرفون يكفيه فخرا أن يذهب إليه عالم مثل ابن الخطيب وهو راض بهذا القدر. ثم إن السلطان بايزيد جمعه مع المولى علاء الدين العربي وغيره من العلماء، وانتهى البحث إلى كلام غضب منه السلطان فصنف ابن الخطيب رسالة وذكر السلطان بايزيد خان في خطبتها وأرسلها إلى السلطان بيد الوزير إبراهيم باشا، فازداد السلطان غضبا وقال للوزير: ما اكتفى بذكر ذلك الكلام الباطل باللسان حتى كتبه في الورق! اضرب برسالته وجهه وقل له يخرج من مملكتي. فالوزير كتم ذلك عن ابن الخطيب ولم يشأ كسر خاطره وأرسل إليه عشرة آلاف درهم باسم السلطان والسلطان لا يعلم ذلك وله مؤلفات كثيرة.
ومنهم المولى علاء الدين علي العربي، أصله من نواحي حلب، قرأ أولا في حلب ثم قدم إلى بلاد الروم فقرأ على المولى الكوراني، وقال الكوراني له: أنت عندي بمنزلة السيد الشريف عند مبارك شاه المنطقي. وتحرير الخبر أن السيد الشريف كان قرأ شرح المطالع ست عشرة مرة، ثم قال في نفسه: أريد أن أقرأ هذا الكتاب على مصنفه، فذهب إليه وهو بهراة والتمس منه أن يقرأ عليه شرح المطالع، وكان الشيخ قد بلغ من الكبر عتيا فنظر إلى السيد الشريف فقال له: أنت شاب وأن شيخ كبير لا أقدر على التدريس فاذهب إلى مبارك شاه فهو يقرئك كما سمع مني. وكان مبارك شاه وقتئذ يدرس بمصر، فذهب السيد الشريف من هراة إلى مصر ومعه الكتاب، فقال له مبارك شاه: نعم إلا أنه ليس لك درس مستقل. ولا أذن له بالتكلم بل تقنع بمجرد السماع فرضي السيد الشروط كلها وحضر الدرس. وكان بيت مبارك شاه متصلا بالمدرسة وله باب إليها، فخرج ليلة إلى صحن المدرسة وبينما كان يدور فيها سمع السيد الشريف يقول: قال الشارح كذا وقال الأستاذ كذا وأنا أقول كذا، وكرر كلمات لطيفة أعجبت مبارك شاه حتى رقص من شدة طربه، فأذن للسيد الشريف أن يقرأ ويتكلم وسود الشريف حاشية شرح المطالع هناك، فالمولى الكوراني قص على المولى العربي هذه القصة وقال له: إني أفتخر بك افتخار مبارك شاه بالسيد الشريف. ودرس المولى العربي بإحدى المدارس الثمان في القسطنطينية ثم صار مفتيا فيها، وكان رجلا قوي المزاج إلى الغاية يجلس عند الدرس مكشوف الرأس في أيام الشتاء، ويقال إنه كان يأتي النساء كل ليلة، وكان يغتسل في بيته مهما اشتد البرد، ثم يصلي مئة ركعة، ثم ينام، ثم يقوم للتهجد، ثم يطالع إلى الصبح، وقد ولد من صلبه سبع وستون نفسا، ولما مرض مرض الموت عاد الوزراء ومعهم طبيب، فأشار عليه الطبيب بالاستحمام فلم يرض، فحمله الوزراء جبرا على سرير قبض كل واحد طرفا منه وذهبوا به إلى الحمام.
ومنهم المولى عبد الكريم كان هو والوزير محمود باشا والمولى إياس عبيدا لمحمد أغا من أمراء السلطان مراد، وقد جيء بهم من بلادهم وهم صغار؛ فمحمود باشا صار فيما بعد وزيرا للسلطان الفاتح. والمولى عبد الكريم قرأ العلوم بأسرها واشتهر بالفضل وأخذ عن المولى علي الطومي والمولى سنان العجمي ثم صار مدرسا بإحدى المدارس الثمان التي أحدثها الفاتح بعد فتحه القسطنطينية وصار قاضيا للعسكر ومات في أيام السلطان بايزيد خان .
ومنهم المولى حسن بن عبد الصمد الصمصوني، كان عالما فاضلا محبا للفقراء، أخذ عن المولى خسرو، ودرس في إحدى المدارس الثمان، ثم معلما للسلطان محمد الفاتح ثم قاضيا للعسكر المنصور، ثم قاضيا لمدينة القسطنطينية، وكان محمود الطريقة في قضائه، وكان له خط حسن، كتب للسلطان الفاتح صحاح الجوهري بخطه.
ومنهم المولى محمد بن مصطفى بن الحاج حسن، قرأ على علماء عصره وصار قاضيا بمدينة غاليبولي، ثم أعطاه السلطان محمد مدرسة والده بمدينة بروسة ثم استقضي فيها ثم استقضي بالقسطنطينية ثم صار قاضيا للعكسر، ومات في سنة إحدى عشرة وتسع مئة في زمان السلطان بايزيدخان، وله تآليف منها حاشيته على تفسير سورة الأنعام للبيضاوي، وحاشيته في المحاكمة بيد الدواني ومير صدر الدين وكتاب في الصرف اسمه ميزان التصريف.
ومنهم علاء الدين علي بن محمد القوشجي، كان أبوه من خدام أولغ بك ملك ما وراء النهر، وكان حافظ البازي (وهو معنى القوشجي بالتركية) قرأ على علماء سمرقند وقرأ على قاضي زاده الرومي العلوم الرياضية، وكان الأمير أولغ بك أيضا عالما بهذه العلوم فأخذها عنه، وبنى الأمير أولغ بك مرصدا في سمرقند عظيما وتعين له المولى القوشجي هذا، وله زيج شهير. وبعد وفاة أولغ بك لم يعرف أولاده قدر القوشجي فرحل إلى تبريز، وكان أميرها السلطان حسن الطويل فأكرمه كثيرا وأرسله في رسالة إلى السلطان محمد العثماني، فلما جاء إلى الفاتح بالرسالة أكرمه فوق ما أكرمه السلطان حسن ورغب إليه أن يسكن في ظل حمايته فوعده بالمجيء بعد إتمام الرسالة، وعاد إلى السلطان حسن وأدى الجواب ثم أرسل الفاتح من جاء به إلى القسطنطينية بالحشمة الوافرة، وقدم للسلطان رسالة في علم الحساب وسماها المحمدية، ولا يوجد أنفع منها في هذا العلم. ثم حصلت حرب بين الفاتح والسلطان حسن الطويل فاستصحب السلطان المولى القوشجي وهو ذاهب إلى الحرب فصنف له في أثناء السفر رسالة في علم الهيئة سماها «الفتحية» ولما رجع السلطان من فتح العجك أعطى القوشجي مدرسة أيا صوفيا وأكرم أولاده وأتباعه، وكان معه مئتا نفس من الأتباع. ورووا أن المولى القوشجي ذكر مباحثة السيد الشريف مع العلامة التفتازاني ورجح جانب التفتازاني، وكان المولى خواجه زاده يقول: كنت أظن الأمر كذلك إلا أني حققت البحث المذكور، فظهر لي أن الحق في جانب السيد الشريف، فكتبت ذلك في حاشية كتابي وطالعها القوشجي فاستحسن ما كتبت. ولما لقي القوشجي السلطان محمد الفاتح قال له السلطان: كيف شاهدت خواجه زاده قال: لا نظير له في العجم والروم. قال السلطان: ولا نظير له في العرب أيضا. وللقوشجي حاشية على أوائل شرح الكشاف للتفتازاني توفي في القسطنطينية ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري.
ومنهم المولى على بن مجد الدين محمد بن مسعود بن محمود بن محمد بن عمر الشاهروي البسطامي الهروي الرازي العمري البكري الشهير ب«المولى «مصنفك» والكاف علامة التصغير عند العجم، ولقب بذلك لاشتغاله بالتصنيف مذ حداثة سنة، وهو من ذرية فخر الدين الرازي، ويقال إن الفخر الرازي صرح في بعض مصنفاته بأنه من ذرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل بل هو من ذرية أبي بكر الصديق رضى الله عنه.
ولد المولى «مصنفك» سنة ثلاثة وثمان مئة، وسافر إلى هراة لتحصيل العلم سنة اثنتي عشرة وثمان مئة، وصنف شرح الإرشاد سنة ثلاث وعشرين وثمان مئة أي وهو ابن عشرين سنة، وشرح المصباح في نحو سنة خمس وعشرين، وشرح آداب البحث سنة ست وعشرين، وشرح اللباب سنة ثمان وعشرين وشرح المطول سنة اثنتين وثلاثين، وشرح المفتاح للتفتازاني سنة أربع وثلاثين، وصنف حاشية التلويح سنة خمس وثلاثين، وشرح البردة والقصيدة الروحية لابن سينا في تلك السنة، ثم ارتحل إلى هراة وشرح «القواية» ثم شرح «الهداية» سنة تسع وثلاثين، ثم صنف حدائق الإيمان لأهل العرفان، ثم ارتحل إلى بلاد الروم سنة ثمان وأربعين وشرح المصابيح للبغوي، وشرح شرح المفتاح للسيد الشريف، وصنف شرح الكشاف للزمخشري، وله عدة تآليف بالفارسية، وقرأ العلوم الأدبية على المولى جلال الدين يوسف الأبهى من تلاميذ التفتازاني، وقرأ فقه الشافعي على الإمام عبد العزيز بن الباهري وقرأ الفقه الحنفي على الإمام نصيح الدين محمد بن محمد علاء الدين. وكان سريع الكتابة يكتب كل يوم كراسا وكان يدرس الطلبة بالكتابة يكتبون إليه مواضع الإشكال فيجيب كلا في ورقة ويدفعها إلى الطالب. مات بالقسطنطينية سنة خمس وسبعين وثمان مئة ودفن عند أبي أيوب الأنصاري وأصيب بالصمم في آخر حياته.
অজানা পৃষ্ঠা