وكان عمره ستا وعشرين سنة يوم تولى الملك، وبدأ ملكه بالحلم والعفو، فأطلق سبيل ست مئة أسير مصري، وكان أبوه السلطان سليم قد ضبط لتجار الحرير مقدارا عظيما من متاجرهم، فعوضهم السلطان سليمان مما خسروه. وأخذ على أيدي الولاة الظالمين وأمر بالعدل والإحسان، وجعل هذه الآية القرآنية
إن الله يأمر بالعدل والإحسان
شعاره.
وعقد سليمان معاهدة مع البندقية ليس هنا محل ذكرها، وبموجبها كانت البندقية تؤدي إتاوتين إلى السلطان عن بعض البلاد التي كانت تحت احتلالها، وفي زمن سليمان القانوني ثار الغزالي والي الشام الذي انحاز إلى السلطان سليم في واقعة مرج دابق، فأرسل السلطان سليمان جيشا بقيادة فرهادة باشا، فتغلب عليه وقتله، وغزا سليمان بلاد المجر فأرسل أحمد باشا فحصر «شابانس» وبيري باشا فحصر بلغراد ومحمد ميكان أوغلي فاجتاح «ترانسلفانيا» فاستولى على شاباتس ودخلها السلطان ظاهرا، ثم استولى على بلغراد وعلى سملين وكان نصرا باهرا، ثم فكر السلطان في فتح رودس لأن فرسان رودس كانوا ملئوا البحر المتوسط اعتداء على المسلمين، وكانوا يقطعون الطريق على الحجاج إلى مكة إذا ذهبوا في البحر، ففي 16 يونيو سنة 1522 سار الأسطول العثماني عليه مئة ألف مقاتل وضيق السلطان الحصار على رودس ووالي عليها الهجمات نحوا من شهرين بدون انقطاع، ويقول مؤرخو الإفرنج - وربما كانوا يبالغون في تقدير خسائر العثمانيين: إن هؤلاء فقدوا في حصار رودس مئة ألف مقاتل، منهم أربعون ألفا ماتوا بالأمراض. إلا أن العثمانيين دخلوا أخيرا رودس عنوة واستولوا عليها وعلى الجزر التي في جوارها، وأخرج السلطان قائد فرسان رودس وكان اسمه “Villiers de I’sile-Adam”
سالما فذهب إلى مالطة وهناك جددوا قوة الفرسان المذكورين، فصاروا يقطعون الطرق على مراكب المسلمين، كما كانوا يفعلون وهم في رودس.
وفي زمن سليمان عصى أحمد باشا والي مصر وحدثته نفسه بالاستغلال فأرسل إليه السلطان جيشا فهزمه، وانتهى الأمر بالقبض عليه فقطعوا رأسه وعلقوه على أسوار القسطنطينية ثم وقع الخلاف بين والي مصر والدفتر دار - أي رئيس الجباية - فأرسل السلطان وزيره إبراهيم باشا وأصله مملوك صار مقربا عند السلطان وبلغ من الحظوة ما لم يبلغه أحد، فإبراهيم باشا عزل العاملين المتخاصمين ورتب الأمور ونصب واليا على مصر سليمان باشا الذي كان واليا على سورية، ثم غزا السلطان بلاد المجر بمئة ألف مقاتل وثلاث مئة مدفع، فنشبت معركة هائلة قاتل فيها الفريقان أشد قتال، وانتهت بظفر السلطان وغرق «لويس الثاني» ملك المجر وهو منهزم هو وجانب من جماعته في مستنقعات «موهاش»، وسقط «بول طوموري» رئيس أساقفة المجر ومعه سبعة مطارين، واثنان وعشرون أميرا وخمسة وعشرون ألف جندي قتلى، وكانت هذه الواقعة في 26 أغسطس سنة 1526، وعلى رواية كانت خسارة المجر مئتي ألف رجل ولم تكن خسائر العثمانيين أكثر من مئة وخمسين رجلا.
وقيل: إنه وقع في أسر الأتراك عشرة آلاف مجري فذبحوهم عن بكرة أبيهم، ودخل الأتراك بودابست قاعدة المملكة، واستولوا على ما فيها من الخزائن والكنوز، وأسروا مئة ألف نسمة من رجال ونساء، ورجع السلطان إلى القسطنطينية بعد أن أجلس على كرسي المجر أمير ترانسلفانيا المسمى «سابوليا» وكان المجر الذين فروا من أمام الترك نادوا بقرديناند أخي الإمبراطور شارلكان ملكا عليهم. وفي أيام سليمان حصلت فتن في بلاد قرامان وكليكيا وثارت البكطاشية، وسارت الجيوش تلو الجيوش، وخسرت الدولة جندا كثيرا إلا أن إبراهيم باشا قمع الفتنة.
وفي زمن سليمان اشتدت العداوة بين فرنسا والإمبراطور شارلكان، وكان الإمبراطور شارلكان أعظم سلطان مسيحي في عصره، إذ كان يلي ألمانية وإسبانيا وإيطاليا وهولاندا، وكانت له الكلمة العليا في البحر المتوسط فأوشك أن يخنق فرنسا، ولم يبق أمل للفرنسيس إلا بالالتجاء إلى العثمانيين لأن السلطان سليمان لم يكن يجد أمامه قرنا يقاومه في أوروبا غير الإمبراطور شارلكان الذي كانت الوقائع متصلة بينه وبينه على حدود النمسا، فكان من الطبيعي أن فرنسا تتفق مع السلطان العثماني عدو عدوها، ولكن فرنسا المشهورة بكثرة حروبها الصليبية، وبشدة عداوتها للإسلام، لم يكن من السهل عليها أن تحالف العثمانيين بدون أن تكبر هذا الأمر جميع أمم النصرانية والأمة الفرنسية نفسها، غير أن «فرنسيس الأول» الذي كان وقع في أسر شارلكان، مضى في عزيمته في الالتجاء إلى العثمانيين ومد يده لمحالفة السلطان سليمان، وكانت العلاقات الرسمية قد بدأت بين فرنسا والدولة العثمانية في زمن السلطان بايزيد الثاني من جهة ولويس الحادي عشر من جهة أخرى، ثم كتب السلطان بايزيد كتابا إلى «شارلوس الثامن» وفي سنة 1500 كتب السلطان إلى «لويس الثاني عشر» يطلب منه التوسط بينه وبين البندقية.
وكان «فرنسيس الأول» لأول حكمه عرض على إمبراطور ألمانية وعلى فرديناند الكاثوليكي صاحب إسبانيا مشروعا مآله تقسيم السلطنة العثمانية بين ملوك النصرانية، ولكن لم يتم هذا الأمر لأنه لم يكن سهلا عليهم هذا العمل، ثم اتفق أن الحرب وقعت بين الألمان والفرنسيس، وأخذ فيها فرنسيس الأول أسيرا فأرسلت الملكة لويزا دوسافواي بناء على مشورة وزيرها «دوبراه
Duprat » معتمدا بهدايا نفيسة إلى السلطان سليمان، وذلك في 25 فبراير سنة 1525، ثم كتب الملك فرنسيس الأول نفسه كتابا إلى السلطان يخطب صداقته، ولما كان شارلكان قد عرض من جهته الصلح على السلطان واقترح التحالف، ففضل السلطان محالفة الفرنسيس لما كان الأتراك يعلمون من شدة الفرنسيس، ولم يرض الترك وقتئذ بكتابة حلف بالورق وإنما أجاب السلطان على كتاب الملك فرانسيس بكتاب تعالى فيه على ملك فرنسىا، وأظهر له مزيد عظمته، وهذا الكتاب لا يزال مشهورا في التاريخ بعد أن ذكر فيه سليمان جميع ألقابه السلطانية قال لفرنسيس: قد انتهى إلينا ما قدمته إلينا من العرض عن أن عدوك قد استولى على مملكتك، وأنك الآن في أسره وأنك تلجأ إلينا لأجل إنقاذك وحمايتك، فكل هذا قد عرض على سدتنا السنية ملجأ العالم، وأحاط به علمنا السلطاني وليس غير معهود أن تدور الدائرة على الملوك وأن يقعوا في الأسر، فليكن قلبك ثابتا ولتكن نفسك طيبة ... إلخ ثم وعده خيرا.
অজানা পৃষ্ঠা