ومما امتازت به العناية الفائقة التي بذلها الأطباء والجراحيون، وأعضاء جمعيات الصليب الأحمر، للمحافظة على صحة الجيوش ومعالجة مرضاهم وجرحاهم، ووقايتهم من الأوبئة التي كانت تنتشر في الحروب الماضية بين المتحاربين، وتفتك بهم أشد من فتك السيوف والبندقيات والمدافع، وشدة إتقان وسائل المنابأة والاستشراف، والإسراع في التعبئة والنقل والتسليح والتموين، وقطع الأشجار، وتمهيد الأرض، وإنشاء الجسور، ومد سكك الحديد، وخطوط التلغراف والتلفون، ونصب الأسلاك الشائكة، وغير ذلك من الأعمال الشاقة التي قامت بها فرق العمال في جميع الميادين وراء خطوط النار. وكان لفرق العمال المصريين أكبر نصيب منها في معارك سيناء وفلسطين وسورية والبلقان وفرنسا وغيرها من الميادين.
والأمر الثاني:
تلك المعاير الفظيعة والمعايب الشنيعة، التي شاع - لسوء الحظ - ارتكابها في هذه الحرب، كإرسال الطيارات لتشن الغارات على المدن غير الحصينة، وتلقي قنابلها على النساء والشيوخ والأولاد، وتودي بحياة كثيرين منهم بلا إثم ولا حرج.
3
وإطلاق الغواصات لنسف سفن الاستشفاء الحاملة المرضى والجرحى، وإغراق البواخر التجارية الغاصة بالركاب والمسافرين من غير المحاربين، ومعاملة الأسرى
4
بما لا مزيد عليه من العنف والقساوة، وتكليفهم القيام بأشق الأعمال، والإسراف في إهانتهم وتعذيبهم وتعريضهم للجوع والعري والبرد، وغير ذلك؛ مما أعان على تفشي الأمراض الوبيلة بينهم وكثرة الوفيات منهم.
فإن هذه المعرات وأشباهها أضيفت إلى ما نتج عن الحرب نفسها من الضحايا بين المتحاربين، وما تركته في الأرض من آثار الخراب والدمار، فأوجبت شدة استفظاع الناس لها، وشغلتهم عن الإعجاب بما أتاه أبطالها من آيات البأس والبسالة والتفاني في حب الأوطان والذود عن ذمارها، وكادت تنسيهم ذكر الذين اشتهروا فيها بالمروءة والعطف والحنان والرفق بالإنسان أيا كان، وتأمين غير المحاربين، ومداواة مرضى الأسرى وجرحاهم، والعناية بأصحائهم، وعمل كل ما تتمجد به الإنسانية حتى في الحرب التي ليست من الإنسانية في شيء.
والأمر الثالث:
أن هذه الحرب مع كل ما جنته من المصائب التي يصعب وصف مقدارها، بل قد يتعذر تصور هولها؛ لم تخل من ظواهر تؤذن منذ الآن بتوقع أفضل النتائج وأكبر المنافع لجميع الشعوب والأمم، وتبشر بنشر خير النعم من طي شر النقم.
অজানা পৃষ্ঠা