في وسط هذه الصورة الذهنية نبتت مؤلفات «بولس الأجانيطي» الذي مر بنا ذكره، وقد ظلت مؤلفاته طوال العصر العربي والعصر اللاتيني في القرون الوسطى مادة التعاليم الطبية.
كذلك كانت مدرسة الإسكندرية منبتا لعلم الكيمياء، ففيها تكونت النواة الأولى التي استمد العرب منها، سواء أفي هذا العلم، أم فيما تفرع منه من الفنون الأخر، التي كثيرا ما امتزجت بالخيالات والأوهام، وفي ذلك يقول المؤرخ الكبير مسيو «برتيلو»
Berthelot
في كتابه «الكيمياء في القرون الوسطى»، الذي طبع بباريس سنة 1893: «إن المادة العربية في الكيمياء تنقسم إلى قسمين: الأول مترجم أو مأخوذ عن كتاب اليونان الذين كتبوا في مدرسة الإسكندرية، والثاني يمثل مدرسة عربية ثانية مستقلة المباحث عن الأولى.»
وبينما كانت مدرسة الإسكندرية غارقة في المباحث الطبية، كانت كنائس آسيا وأديرتها ومدارسها، ممعنة في المباحث المنطقية والفلسفية التأملية.
وكان من الطبيعي أن يأخذ اليعاقبة عن تعليقات «يوحنا فيلوبونس» في تدريس علم المنطق؛ لعلاقتهم بمصر أولا، ولأن فيلوبونس من شيوخهم ثانيا.
غير أنهم لم يفعلوا لك، بل رجعوا والنساطرة إلى مختصر «فرفوريوس الصوري» في المنطق المسمى «إيساغوجي»، وأخذوه كمدخل لعلم المنطق، ولا يزال هذا الكتاب يقرأ في الأزهر حتى اليوم كمدخل لذلك العلم.
أما في الميتافيزيقا «ما وراء الطبيعة» والبسيكولوجيا «علم النفس»، وتطبيقهما على علم اللاهوت، أو في الاستعانة بهما على فهم المسائل اللاهوتية، فقد كان ميل اليعاقبة إلى الأفلاطونية الجديدة والباطنية أقوى من ميل النساطرة، كما كانت حياتهم وتعاليمهم أكثر استكانة في الأديرة، في حين أنك تجد أن النساطرة قد نزعوا إلى الطريقة القديمة في تأسيس المدارس، ولو أن ذلك لم يحل دون اتخاذهم أديرة، كانت بدورها منبتا للعلم والفلسفة. وإذ أنت على ذلك إذا بك تجد أن نظام المدارس قد انقلب في آخر الأمر إلى نظام الرهبنة.
كانت مدرسة «نصيبين» أقدم مدارس النساطرة وأعظمها جميعا، غير أن «مارأ بها»
MarAbha
অজানা পৃষ্ঠা