বৈশ্বিক দৃষ্টিতে দর্শনের ইতিহাস: দার্শনিক কার্ল ইয়াস্পার্সের লিখিত শেষ পাঠ
تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية: آخر نص كتبه الفيلسوف كارل ياسبرز
জনগুলি
والاتجاهات والوظائف والأنماط النفسية بطريقة ناجحة في تحليل شعر إليوت وقصيدة كيتس الشهيرة «أنشودة للعندليب»). ويحتمل - في تقديري المتواضع - أن يكون ياسبرز قد تأثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة ب «يونج» في محاولته إيجاد ما يمكن أن يسمى بظاهريات النفس التي تتخطى الفردية الواقعية وتغوص في أعماق الوعي واللاوعي الجمعي المتأصل فيه (على نحو مشابه لما فعله باشلار في تفسيره للخيال الخلاق والصورة الشعرية)، وليس من المستبعد أيضا أن يكون قد تأثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بكتابات «دلتاي» و«هسرل» وتلاميذهما، وأن يكون قد أخذ عن الأول ما وصفه ب «علم نفس الفهم» أو التفهم للحياة الشعورية، وتجربتها من الباطن، والاندماج المتعاطف فيها، ومحاولة تفسيرها، وتأويل حوافزها وإمكاناتها، وأن يكون قد تابع الثاني في هجومه الساحق على النزعة النفسية والبشرية في المنطق والمعرفة، وفي محاولته جعل فلسفته في الظاهريات (أو الفينومينولوجيا) نوعا من علم النفس الخالص للوعي المحض الذي ترى الماهيات أو تعاين في مجاله الحي، ويبدأ منه وحده تأسيس كل مناطق الوجود والمعرفة والتقويم. (3)
هل يعني كل ما ذكرناه الآن أن ياسبرز قد تأثر بالمنهج الظاهري ووليده الأحدث عهدا، وهو منهج التفسير (أو التأويل - الهرمنيوطيقا) الذي تطور إلى فلسفة شاملة عند بعض أقطابه، مثل جادامر وريكور وبولنو وبيتي ... إلخ؟ وهل نجد لهما مكانا لديه على الرغم من تحفظه إزاء المناهج بعامة، وخلو كتاباته من الإشارة الصريحة إليها؟
يعلم القارئ أن «الظاهرية» تعد نفسها منهجا معرفيا محايدا لوصف معطيات الوعي أو الشعور وتمحيصها بغية «الحدس» بماهيات الظواهر التي تتجلى فيه ، أو رؤيتها وعيان حقائقها ومعانيها عيانا حيا. وقد عرفها مؤسسها إدموند هسرل (1859-1938م) بأنها «عودة إلى التجربة»، وراح في بداية عهدها يردد نداءه الشهير: «لنرجع إلى الأشياء نفسها.» ولم يقتصر الأمر بعد ذلك على الوصف المباشر لظاهرات الشعور دون أي أحكام أو فروض مسبقة، إلى حد وضع العلم الطبيعي والعلم الوضعي «بين قوسين» أو تعليقهما (وهو ما يعرف عنده بمصطلح الإيبوخية الذي استخدمه قدماء الشكاك الإغريق)، بل تعداه إلى تحديد نسيج هذا العالم الحي الذي سميناه الشعور، بوصفه قطب الوعي العيني المباشر، الذي يتميز بأنه يتوجه إلى كل ما يعيه أو «يقصد» إليه (ومن ثم كانت القصدية هي بنيته الأساسية). ثم تطورت الظاهرية وتنوعت تطبيقاتها ومناهج الرد فيها، وبلغت مرحلة مثالية متعالية، عجز كثير من تلاميذ هسرل عن ملاحقته فيها أو إقراره عليها. بيد أن هدفها المزدوج قد بقي على كل حال كما حدده مؤسسها على الصورة التالية: (أ)
أن تكون الظاهرية علم نفس محضا، موازيا للعلم الطبيعي، بحيث يميز النفسي عن الطبيعي تمييزا حاسما (ولا ننس أنه شن حملة ساحقة على النزعة النفسية في المعرفة والمنطق فلم تقم لها قائمة بعده). (ب)
وأن تكون منهجية كلية شاملة لإعادة بناء العلوم والمعارف بأسرها؛ أي فلسفة متعالية وعلم وجود عام (أنطولوجيا) مهمتها الكشف عن البنى الأساسية للشعور ذاته ومقولاته الدائمة التي تؤسس أو تكون مناطق الوجود ومجالات المعرفة ووحدات المعنى وماهيات الحقائق والقيم ... إلخ، التي «تظهر» نفسها في عالمه الحي.
والحق أن أهداف «الظاهرية» ومناهجها تشترك في أمور كثيرة مع أهداف الفن والأدب والشعر بوجه خاص، ومناهج فهمها وتفسيرها؛ فبقدر ما تكشف الظاهرية من خلال اللغة عن «كينونة» التجربة ونسيج العالم المعيش، يمكن - بغير تجاوز كبير - أن نصف مبحثها بأنه في صميمه وفي روحه المتغلغلة في الوجدان الباطن مبحث أدبي بوجه عام. بهذا توفق بين النزعة الوجودية الحميمة ووحدة التجربة وعدم قابليتها لأن ترد إلى شيء عداها؛ وبذلك أيضا ترفض التحليل المنطقي الذي يمكن أن يهدد وحدة الشعور وتكامله، على نحو ما يعبر «موريس ميرلو-بونتي» (1908-1961م): «ليس العالم هو ما أفكر فيه، بل هو ما أعيشه وأحياه.»
ولعل هذا هو الذي حدا ببعض فلاسفة العصر - مثل هيدجر (1889-1976م) وسارتر (1905-1980م) وميرلو-بونتي نفسه - إلى التعبير عن كثير من حدوسهم وأنظارهم الفلسفية بلغة تقترب أحيانا من لغة الأدب والفن، وأن يقيموها في أحيان أخرى على حدوس الأدباء والشعراء (مثل هيدجر في شروحه لشعر هلدرلين وريلكه وتراكل، وسارتر في تفسيره لشعر بودلير ولأعمال عدد كبير من أدباء العصر، ومثل غيرهما من النقاد الظاهريين الذي اهتموا بشعراء غنائيين مثل مالارميه وريلكه ووالاس ستيفنز ورينيه شار وسواهم ممن أبدعوا عوالمهم الخيالية الخاصة). إنهم يوحون إلينا بأن الأدب يمكن أن يكون أصدق شكل من أشكال التعبير الفلسفي، كما يمكن أن ينهل الفكر الفلسفي من ينابيع الشعر والفن، وأن يلجأ إلى الفن وإلى الشعر بوجه أخص، بوصفه مصدرا أساسيا لمعرفة طبيعة الإدراك الحسي وغيره من ظواهر النشاط العقلي، كالخيال على سبيل المثال.
11
والواقع أنه لا عجب في هذا كله؛ فالأدب في النهاية وصف وتحليل لمعطيات الوعي؛ وكم قدم من الشواهد على «اللاوعي» في صور لغوية واعية، وكم «علق» وجود العالم المكاني - الزماني أو وضعه بين قوسين (كما يقتضي منهج الرد الذي توسعت فيه الظاهرية) ليحقق امتلاء التجربة وتدفقها. ولعل الأدباء والشعراء أنفسهم أن يكونوا أكثر من تعمق هذا المنهج - الذي طبقته الظاهرية - كما سبق القول - بطريقة معرفية «وماهوية» قصدية لكي يتأملوا الأشياء والمعاني في الشعور المحض تأملا يتسم بالجدة والأصالة والنضارة، ويوظفوا اللغة في سبيل استدعاء عالمهم الشعري وإبداع عالمهم الخيالي الذي لا يتعلق بعالم الوقائع بقدر ما يتعلق مباشرة بالشعور الخالص، ذلك لأن الشاعر - شأنه في هذا شأن الفيلسوف الظاهري - ينطلق من التسليم بأولوية الشعور، وبأن الأشياء لا تفهم، وربما لا توجد أصلا، إلا في علاقتها بالشعور الذي يتوجه إليها بطبيعته، أو يقصدها؛ كما سبق القول. ويكفي في هذا المجال المحدود أن نورد عبارة مالارميه (1848-1892م) التي توضح قدرة الشعور الخلاق على تكوين عالمه الشعري من خلال اللغة الرمزية المصفاة من كل أثر للشيئية إلى حد التماس مع العدم: «أقول زهرة! ومن داخل ذلك النسيان لأي معلم من المعالم التي يمكن أن يرتبط بها الصوت الذي نطقت به، تتصاعد بشكل موسيقي، وبفكرتها أو مثالها الرقيق تلك الزهرة المفتقدة في كل باقات الزهور.»
وحسبنا هذا المثل الواحد دليلا على استفادة نقاد الأدب والشعر من خصوصية عالم التجربة الشعورية الحي، ومن غناه وامتلائه الدائب لكي يرد إلينا «جسد العالم» كما يعبر عنه الشعر الذي لا يستمد وجوده - في نظرهم - إلا من الشعور وفي الشعور؛ لأنه ببساطة جزء منه ولا استقلال له عنه.
অজানা পৃষ্ঠা